التربية عملية شاقة تدفع الكثيرين إلى البحث الدائم ومطالعة أحدث الدراسات وأهم المقالات، الأجنبى منها قبل العربى، عسى أن يجدوا ضالتهم، ونسوا أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحملان إعجازا تربويا يصلح لكل جيل؛ وهذا هو ما جاء به كتاب "الإعجاز التربوى فى القرآن الكريم والسنة النبوية" فى طبعته الأولى التى صدرت مؤخرا للدكتور أحمد عبده عوض، الداعية الإسلامى، أستاذ العلوم اللغوية. فيوضح الكاتب عبر 5 فصول شملها الكتاب أن التربية الإسلامية ليست فى المحتوى فقط، وإنما فى طريقة توصيل هذا المحتوى، ولذا فإن كل طرق التربية الحديثة لها تطبيقات عملية فى القرآن الكريم والسنة، فهما يقدمان المنهج التربوى والأخلاقى والاجتماعى، وكذلك الجانب التطبيقى، بعيدا عن المثالية والترف الفكرى، فالقرآن الكريم مصدر تعلم، وتربى عليه الصحابة رضى الله عنهم، والنبى صلى الله عليه وسلم كان خيرَ معلمٍ لأصحابه، يعلمهم بكلامه وأفعاله وبصمته ونظراته. التربية بالعادة ويرى د. أحمد عوض أن التربية الإسلامية موافقة للفطرة التى فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، فأحكام الإسلام ليست تكليفا شاقا على النفس، فالإسلام ينظر إلى التربية بالعادة على أنها وسيلة من وسائل التربية يتحول من خلالها الخير كله إلى عادة تقوم بها النفس البشرية، بالإضافة إلى تأكيده اتخاذ الإسلام منهج التدرج فى التربية والتعلم، فلم تنزل الأحكام جملة، بل تدرج النبى صلى الله عليه وسلم فى تربية الصحابة الكرام حتى أثمر هذا المنهج، وجعل منهم أعظم جيل. كما يوضح جوانب التكامل فى المنهج القرآنى والنبوى فى التربية التى تعمل على ترسيخ العقيدة الصحيحة فى قلب الطفل عن طريق التدبر وتنشئة الطفل على العبادات القلبية والبدنية والأخلاق الاجتماعية، كذلك حرصت التربية القرآنية والنبوية على بناء الشخصية الاجتماعية للطفل من خلال إشباع حاجته النفسية، وأبرزها حاجته إلى الاحترام والتقدير والاستقلال والحب والحنان واللعب، وتنمية روح الهمة وتعويده على طلب الكمال وإحسان العمل وربطه بالقدوة، مؤكدا من خلال سطور الكتاب أن أساليب التربية الحديثة فى الأصل لها أسس فى التربية القرآنية والنبوية، ومنها على سبيل المثال أسلوب التعلم التعاونى والتعلم الفردى والتعلم الذاتى والتعلم عن طريق العصف الذهنى والتعلم عن طريق حل المشكلات وعن طريق الاستقراء والمناقشة. الموعظة الحسنة ففى الفصل الأول يتناول الكاتب أنماط التربية فى القرآن والسنة؛ مثل التربية بالقدوة، التى تعد من أبرز أساليب التربية وأنجحها، فضلا عن التربية بالقصة المحببة إلى النفوس التى تعلق بالأذهان؛ نتيجة احتوائها على التشويق، فضلا عن التربية بالموعظة الحسنة، التى لها أثر بالغ فى النفوس، إلى جانب الوسائل التربوية الأخرى، مثل ضرب المثل والوقائع المتشابهة التى يكون هدفها تقريب الأمر للمخاطب وترسيخه فى ذهنه، وكذلك الترغيب والترهيب والإقناع العقلى بالحوار والنقاش، والتربية بالمعايشة التى تركز على أهمية معايشة المربى والمعلم لظروف المتعلم. قيم تربوية ثم يوضح فى الفصل الثانى الإعجاز التربوى من خلال تحليل بعض قصص الأنبياء؛ فيبين من خلال قصة سيدنا موسى عليه السلام والخضر، ما تحمله القصة من قيم تربوية تتمثل فى التواضع فى طلب العلم وحلم العالم ورفقه بتلميذه، كما تعطى هذه القصة قيمة كبيرة للصبر والطاعة، حيث كان الصبر الشرط الأول لسيدنا الخضر، وكان رد سيدنا موسى عليه السلام إعلاء لهذين المطلبين من طلب العلم؛ وهما الصبر والطاعة. ومن قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع أبيه، يبين ما ركزت عليه الآيات من قيمة الرفق والأدب مع الوالد حتى لو كان كافرا، واستخدام سيدنا إبراهيم عليه السلام الإقناع العقلى فى دعوة أبيه إلى الله، إلى جانب الوصايا التى جاءت بها قصة لقمان، التى كان منها التوحيد التام وبر الوالدين والإنابة إلى الله واتباع سبيل الحق والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصبر وعدم الكِبر. نماذج تطبيقية فى حين تناول الفصل الثالث نماذج تربوية تطبيقية من السنة النبوية بيّن الكاتب أوجه الإعجاز فيها؛ كقصة عمر بن أبى سلمة رضى الله عنه مع النبى صلى الله عليه وسلم، والتى تدعو إلى مخالطة الأطفال والرفق بهم ورحمتهم؛ حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل مع الصغار، ويوضح الكاتب تأكيد السيرة النبوية على قيمة المبادرة إلى التوبة وعدم القنوط من رحمة الله من خلال قصة الرجل الذى قتل تسعة وتسعين نفسا، وكذلك قيمة الرحمة فى قصة رفق الرجل بالكلب الذى اشتد به العطش ليتعرف المسلم على رحمة الإسلام الشاملة. الطفل فى القرآن وفى الفصل الرابع الذى جاء بعنوان "الإعجاز التربوى للقرآن والسنة فى تربية الطفل" نجد أن الإسلام جاء بمنهج متكامل وشامل فى التربية؛ فنجد الجانبين الإيمانى والأخلاقى اللذين يتمثلان فى غرس العقيدة وأركان الإسلام ومكارم الأخلاق فى قلب الطفل، من أول شهادة أن لا اله إلا الله التى تلامس أذنه بعد الولادة، ثم أمره بالصلاة الذى يعد أعظم أركان الإسلام، ثم دعوة الإسلام إلى ترغيب الصغير فى حفظ القرآن، كما نجد الجانب العاطفى الذى يراعى نفسية الطفل ويعامله بحب ورفق حيث دعا القرآن إلى اللين فى المعاملة، كما راعى الإسلام الحالة الخاصة لليتيم وما يمر به من الشعور بفقد الأب فحض على الإحسان إليه وإكرامه، كذلك عنى الإسلام بالتربية البدنية للطفل حتى يكون فردا يتمتع بالقوة التى يحتاجها الفرد المسلم فى تحمله لأعباء الدعوة والجهاد فى سبيل الله. التربية الشاملة وفى الفصل الخامس يلخص الكاتب أساليب التربية الحديثة التى جاء بها القرآن والسنة النبوية سابقين بها علماء التربية؛ بداية من طريقة التربية بالمعايشة، والتربية الأسرية الشاملة والقيم التى حرص المنهج القرآنى والنبوى على تأسيسها فى الأسرة، والتربية بالعادة التى تظهر مراحلها فى العبادات والأذكار والمعاملات، كذلك مبدأ التدرج فى التربية والذى أسس له القرآن فى تدريج تحريم الخمر. ويختتم الداعية كتابه باستعراض الخصائص النفسية للمعلم وكيف أن المنهج القرآنى والسنة النبوية لم يغفلا أهم عنصر من عناصر العملية التربوية وهو المعلم والمربى؛ والذى لا بد أن يتسم بالإيمان بأطفاله، والإخلاص لعمله، والصبر على تغيير العادات والسلوكيات، والتفاؤل، والجرأة.