يعتقد البعض أن نمط مسرح "الكباريه السياسى" الذى وجد نجاحا لافتا خلال الفترة الماضية، خاصة بعد ثورة 25 يناير، هو قالب مستحدث على المسرح المصرى، إلا أن المتابع للحركة المسرحية فى مصر يكتشف أنه موجود منذ فترة طويلة وإن لم يتطور ويظهر فى صورته المتعارف عليها إلا منذ فترة قليلة. ونظرًا لأهمية وخطورة وسيطرة قالب "الكباريه السياسى" على أغلب العروض المسرحية التى قدمت منذ عامين، فقد أصدر الدكتور محمد عبد المنعم كتابه "الإخراج فى مسرح الكباريه السياسى"، الذى يعد الدراسة الأهم فى هذا الصدد، وهو ما دفع الكثير من المتابعين للاهتمام به، على رأسهم المخرج الكبير سمير العصفورى والكاتب وليد يوسف اللذان قاما بكتابة مقدمة الكتاب وتصدر اسمهما الكتاب بجوار المؤلف. رصد المؤلف خلال الدراسة الظروف والمتغيرات التى تركت بصمتها على البيئة المصرية من استعمار وثورات وحروب جعلت من اللعبة المسرحية أداة لفضح الواقع وتعريته باعتبارها استعارة تجسيدية من خلال تقنيات المسرح داخل المسرح واللجوء إلى المبالغات الكاريكاتورية الساخرة والمزج بين الكوميديا والتراجيديا واختراق الحائط الرابع وكسر حاجز الإيهام وغيرها من الوسائل المناسبة. ورغم ظهور مسرح "الكباريه السياسى" فعليا عام 1972 على يد عبد الوهاب مطاوع من خلال عرض "البعض ياكلوها والعة" إلا أنه كان موجودا فى الفنون الشعبية والتى عرفتها الأسواق والموالد والمناسبات المختلفة بشكل أقرب إلى "النمرة" تعود جذوره إلى القرن التاسع عشر فى فنون مثل الفكاهة اللفظية، والتشخيص، والتحبيظ، والفصول الهزلية القصيرة وغيرها من الألوان الفنية التى انتقلت إلى الصالات والكباريهات فى الثلث الأول من القرن العشرين فخرجت منها شخصيات مثل "كشكش بيه" و"عمدة كفر البلاص" و"عثمان عبد الباسط" بربرى مصر. وكان هناك ثلاث محاولات رئيسية مهدت الطريق، وأدت لتهيئة الجمهور لاستقبال المولود الأول للكباريه السياسى على يد مطاوع، تمثلت الأولى: فيما كان يقدمه نجيب الريحانى من خلال فرقته الخاصة من لوحات انتقادية هزلية ساخرة للأحداث الاجتماعية فى عام 1919م، مستخدما شخصيات كاريكاتورية مثل كشكش بيه وعمدة كفر البلاص وخادمة زعرب وكانت تضم عناصر فنية متنوعة من غناء وموسيقى ورقص وهزل ونمر وفقرات. وكانت المحاولة الثانية على يد الفنان الراحل على الكسار من خلال شخصية عثمان عبد الباسط الخادم المهرج المفلس الماكر المخادع. أما فايز حلاوة فقدم المحاولة الثالثة عبر العديد من العروض المسرحية السياسية والاجتماعية تناول من خلالها الكثير من المشاكل مثل أزمة السكن فى "حضرة صاحب العمارة" وفساد أجهزة الإعلام فى "روبابيكيا" وانتقد الروتين فى "البغل فى الإبريق" وغيرها من العروض. وتلا عرض "البعض ياكلوها والعة" الكثير من العروض التى التزمت بتقنيات الكباريه السياسى فى العصر الحديث مثل "كلام فارغ" من إعداد نبيل بدران، عن كلمات أحمد رجب الساخرة المنشورة فى الصحافة تحت عنوان "نص كلمة"، وقام بإخراجها سمير العصفورى، وكذلك عرض "عالم على بابا" للمخرج سعد أردش، والتى ألفها نبيل بدران وأيضا مسرحيات عديدة مثل "اللعبة" للمخرج منصور محمد، و"مساء الخير يا مصر" للمخرج ناصر عبد المنعم، و"العسل عسل والبصل بصل" دراماتورج وإخراج سمير العصفورى و"تخاريف" لمحمد صبحى و"بولوتيكا" لجلال الشرقاوى. ورصدت الدراسة الكثير من الملامح العامة للكباريه السياسى خلال الثلث الأخير من القرن العشرين تمثلت فى التزايد الكمى المضطرد لهذه النوعية من العروض والإقبال الجماهيرى المتزايد عليها سواء فى القطاع العام ومسرح الدولة أو على مستوى القطاع الخاص يقابله ارتفاع نسبة الإيرادات. أما على المستوى الفنى، فرصدت الدراسة تنوع الموضوعات وتعددها وتناولها بالنقد للكثير من مواطن الفساد والخلل فى الدولة، وهو ما نتج عنه اختلاف العلاقة بين عروض الكباريه السياسى والرقابة على المصنفات الفنية مما جعل هذا الشكل المسرحى أكثر مرونة وتجاوبا مع ما يلاقيه من مشاكل أو معوقات نظرا لطبيعته التفككية التى تسمح بإعادة ترتيب اللوحات فى كل عرض مسرحى كباريهاتى وفقا لرؤية المخرج، فضلا عن حذف لوحات وإضافة لوحات أخرى حسب ما يستجد من أحداث، هذا فضلا عن التورية الساخرة فى عناوين العروض. وقد أثبت المسرح الكباريهاتى أنه مسرح راديكالى ثورى يعترض على الوضع القائم ويثور عليه مستهدفا تغييره؛ إذ يعد هذا المسرح وسيلة مهمة من وسائل التوعية ويحمل فى ذاته دعوة للتغيير والتبديل وهذه هى رسالته الأولى. كما تتفق هذه العروض فى أنها لا تقف عند البطل الفرد وإنما تتجاوزه إلى الشكل الجماعى؛ إذ تتسم بإحلال الجماعة مكان الفرد لذلك تخاطب الضمير الجمعى للاالفردى فى وضوح ومباشرة، كما تتفق على استخدام اللغة المسرحية باعتبارها الأكثر ملائمة لفن المسرح والأكثر تعبيرا عن روح العرض المسرحى كما أنها لا تهتم بتقديس النص المسرحى كما يحدث فى العروض التقليدية.