أعانى من الحركة المستمرة لابنة شقيقتى التى أكملت عامها الثالث، فهى دائمة اللعب والوقوف طوال الوقت، فلا تترك شيئا فى المنزل دون أن تعبث به، ويتسبب ذلك فى انهيار والدتها وشدة عصبية جدها وجدتها، خاصة أنهما شديدا العصبية بسبب كبر سنهما مما يغضب شقيقتى ويتسبب فى خلق حالة توتر داخل المنزل. هذا فضلا عن عدم استجابة الطفلة الصغيرة لأى طلب أو أى أمر، مع العلم أنها الحفيدة الوحيدة فى العائلة، حيث تلقى الكثير من الحنان والتعامل معها بالأساليب التربوية الحديثة دون استخدام العنف معها، وتتميز بالذكاء الشديد حيث تتعلم اللغات بسرعة فى الحضانة، مع الأخذ فى الاعتبار غياب الأب نظرا لانفصال الأبوين، فكيف يمكننا تخفيف التوتر من المنزل دون أن تغضب شقيقتى؟ وما الطريقة المثالية للتعامل مع طفلتنا حتى تسمع الكلام دون مناهدة أو جهد؟ يجيب عن هذه الاستشارة، معتز شاهين -باحث ومستشار تربوى– فيقول: أختى الكريمة، فى البداية أحب أن أوضح أن كثرة الحركة ليست مشكلة نفسية فى ذلك السن -إن لم تزد عن الحد الطبيعى-، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (عرامة الصبى فى صغره، زيادة فى عقله عند كبره)، وعرامة الصبى: أى كثرة حركته ونشاطه، حتى وإن قال البعض بضعف الحديث، ولكننا نعلم أنه يمكن الأخذ بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال؛ خصوصا أن الدراسات النفسية الحديثة أثبتت ذلك، إذا فالحركة الكثيرة هى مشكلة عائلية فى الأساس وليست نفسية نتيجة صعوبة السيطرة على الطفل كثير الحركة. فلنحاول التعامل مع تلك المشكلة فى صورتها الصحيحة، فالهدف ليس الإقلال من نشاط الطفل، فهذا مستحيل من الناحية العملية وغير نافع وضار بالنسبة لنفسية الطفل ونموه العقلى، ولكن فلنجعل هدفنا هو محاولة توجيه ذلك النشاط أو كثرة الحركة نحو أنشطة مفيدة لنمو الطفل. فالطفل هنا فى تلك المرحلة يحاول الخروج من شرنقة الأم التى عاش فى كنفها لمدة عامين تقريبا قبل أن يفطم، ويحاول استكشاف العالم من حوله، لذا فلنأخذ فى اعتبارنا أن كل شىء يراه الطفل فى عالمنا هو شىء جديد بالنسبة له يحاول اكتشافه ومعرفة ما وراءه، ومنع الطفل من ذلك الأمر يؤدى لمشاكل فى نموه العقلى ويقتل روح الإبداع والاكتشاف لديه. فما يفعله هؤلاء الأبناء ليس بمشكلة تحتاج إلى علاج، ولكنها هبة وهبهم الله إياها ويجب رعايتها وتنميتها، ولكن المشكلة فينا نحن كمجتمع محيط بهؤلاء الأبناء، نرى ما يفعلونه (شقاوة مبالغ فيها) وتحتاج إلى وقفة، وهم بكل ما ذكرتم أنهم يفعلونه يجربون ويكتشفون ويحفزون ذكاءهم بأنفسهم، لأنهم لم يجدوا شيئا من حولهم يحفز ذلك الذكاء، ويحاولون كذلك تنفيس طاقاتهم المسجونة بداخلهم ولكن بصورة لا تتناسب معنا نحن الكبار، وإن كانت تناسب طبيعة تفكيرهم. لذا هناك بعض النقاط التى يجب مراعاتها عند تربية مثل هؤلاء الأطفال ومنها: أولا: يجب علينا احترام قدرات وعقول هؤلاء الأطفال، فلا نسفه ما يقولونه أو ما يفعلونه. ثانيا: يجب علينا توفير الوسائل والأدوات التى تساعد على تنمية قدرات هؤلاء الأطفال، مع محاولة إيجاد بدائل للأشياء الخطرة، مثل إذا كانت طفلة وتريد دخول المطبخ واكتشافه، نحضر لها لعبة بها أدوات المطبخ –وهى متوافرة فى الأسواق-، أما الطفل فألعاب مثل الميكانو وتكوين الكلمات كافية لهم. ثالثا: الحرية هى شعار تلك المرحلة فى التربية، الحرية فى التعبير عن مواهبهم -طالما لم تخالف شرعا ولا عرفا-، الحرية فى تحديد أوقات تنفيس تلك المواهب -مع مراعاة مواعيد الدراسة. رابعا: تهيئة البيئة من حولهم لكى تكون بيئة محفزة لنمو ذكائهم وتطوره، فيجب أن نحاول توفير مثيرات تحفزهم على التعبير عما بداخلهم من طاقات إبداعية مثل: (صورة فوتوغرافية، زيارات لأماكن ومعارض، اشتراك فى مجلات..). خامسا: على الوالدين محاولة الاستزادة فى كم المعلومات حول الذكاء وطرق التعامل مع كل نوع من أنواعها، فللذكاء ثمانية أنواع وهى: الذكاء اللغوى، والبصرى الفراغى، والحركى الجسمى، والمنطقى الرياضى، والاجتماعى، والذاتى، والطبيعى، والموسيقى.. ويختلف التعامل مع كل نوع عن الآخر، لذا وجب على الوالدين التعرف أكثر على طرق التعامل المختلفة تلك. وفى النهاية لنحاول السباحة مع التيار ولا نقف فى وجهه فيضعفنا، ولنرفع شعار (توجيه.. لا تحجيم).