تدخل المملكة الأردنية صيفا سياسيا ساخنا جدا، بسبب بحر الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى تسبح فيها البلاد حاليا، وذلك على خلفية استخدام العنف والقبضة الأمنية ضد طلاب الجامعات المتظاهرين ضد السياسات الحكومية والتدخل الأمنى السافر فى الانتخابات الطلابية بالجامعات، وكذلك الحراك الشعبى المعارض للحكومة الجديدة فى منطقة الطفايلة الذى خرج فى تظاهرات شعبية حاشدة ضد السياسات الحكومية التى رفعت أسعار خدمات الكهرباء والمياه يوم الجمعة الماضى. وزاد الوضع تأزما فضيحة توريد جنود درك أردنيين إلى الكويت لضرب المعارضة الكويتية ب"الهراوات" فى الشارع، وهو الأمر الذى فجره النائب الكويتى السابق مسلم البراك الذى وجه سيلا من الانتقادات للأردن خلال جلسة محاكمته بتهمة الإساءة لملك الأردن يوم الأربعاء الماضى. منح الثقة وما ينذر بتفاقم أزمة الأردن: دخول حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور فى مساومات سياسية وبرلمانية لحصولها على ثقة البرلمان، حيث أعلن النسور اتجاهه لتعديل وزارى قبل جلسة منح الثقة، لتفادى الضغوط التى يتعرض لها من كتل برلمانية وأجهزة المخابرات وقوى مرتبطة بالقصر الملكى؛ رغم تأكيداته السابقة بعدم الانصياع لتلك الضغوط. وكان النسور قد أكد الأحد الماضى أنه سيخوض منفردا معركة الحصول على ثقة البرلمان المنتخب حديثا، موضحا رفضه الاستعانة بمؤسسة القصر الملكى أو جهاز المخابرات العامة، للتأثير على رغبات المشرعين الجدد. ويواجه النسور الذى أعلن تشكيلة حكومته مؤخرا، هجوما برلمانيا غير مسبوق، بسبب رفضه توصيات كتل نيابية مؤيدة بتوزير بعض أعضائها. وقال النسور: إن "الحكومات السابقة كانت تمنح النواب مغريات ومكتسبات عديدة، بغية الحصول على ثقتهم، لكننى لن ألجا إلى الأساليب ذاتها"، مضيفا: "تستطيع الحكومة التغلب على البرلمان، ولديها وسائل عديدة، لكنها لن تفعل". وعادة ما تتعهد بعض مؤسسات الحكم الأردنية بتقديم السند الخلفى للحكومات المتعاقبة، لضمان اجتيازها الثقة، مستخدمة الترغيب والترهيب مع ممثلى الشعب. وكشف النسور فى أثناء لقاء جمعه بصحفيين مؤخرا بعمان، وللمرة الأولى، أنه استأذن العاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى إجراء تعديل وزارى وشيك، وذلك بعد ساعات على أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية، لكنه رهن هذا التعديل، الذى سيضم إلى الحكومة نوابا، بمضى عدة أشهر، حتى يتسنى له اكتشاف المشرعين المؤهلين عن قرب، لتكليفهم المسئولية. وكانت أطرافا رسمية نافذة طالبت خلال اليومين الماضيين بتعديل وزارى سريع، قبل اليوم المقرر لجلسة الثقة، على أن يشمل منح حقائب إلى النواب، وهو خيار ترفضه مرجعيات عليا خلال هذه الفترة. وفى سياق متصل، بدأ النسور إجراء اتصالات سرية مع بعض النواب، فى مسعى إلى بناء تحالفات جديدة تحت القبة، على أمل تمرير الطاقم الوزارى، واجتيازه امتحان الثقة. فيما توارت بعض الكتل التى أيدت ترشيح النسور خلال الأيام الماضية عن المشهد تماما، بعدما تمسك بعض أقطابها بمواقف متشنجة حيال التشكيلة الحكومية، معلنين مبكرا رفضهم منح الثقة للحكومة، وجاء الموقف الأبرز لرئيس البرلمان السابق، عبد الهادى المجالى، الذى لمح إلى نيته حجب الثقة، ونقل قريبون منه قوله: "لقد أخبرنا الرئيس بشىء وتصرف عكسه.. سأصارحه بذلك تحت القبة". كما لوح رئيس كتلة "وطن" عاطف الطراونة، وهى الكتلة الأكبر، بحجب الثقة، بعد أن أعلنت كتلته ترشيح النسور إلى المنصب الرفيع، والحال ذاته بالنسبة لكتلة (الوسط الإسلامى) التى رشحت الرئيس ذاته على المنصب، وعادت أخيرا لتهدد بإسقاطه. ورغم ضبابية المشهد السياسى، يبدو أن النسور لم يحسم بعد موعد تقديمه بيان الوزارة، لنيل الثقة من البرلمان الجديد. صعوبات اقتصادية ويعانى الأردن وضعا اقتصاديا صعبا، وهو يفتقر إلى الطاقة ويعتمد على خزانة المساعدات الخارجية، الأمر الذى أكده النسور، موضحا أن قرار رفع أسعار الكهرباء "قادم لا محالة"، وأنه سيصل إلى نحو 16%، وسيطال مختلف الشرائح، إلى أن يتم رفع الدعم نهائيا. كما أن دمج وزارتى المياه والزراعة التى تولى حقيبتهما د. حازم الناصر، يفاقم أزمة الأردنيين، حيث تشير إحصاءات وزارة المياه خلال العام الماضى أن 200 مواطن من بين كل ألف تقدم بشكوى.. وقد لاقت خطوة دمج وزارتى المياه والزراعة انتقادات واسعة من المواطنين الذين وصفوا الوزير بأنه يحمل بطيختين ولا يستطيع حل أى أزمة، سواء فى الزراعة أو المياه، حيث تعانى يوميا 5 محافظات من انقطاع تام للمياه.