تمر الأيام على اللاجئين الفلسطينيين وهم بين هموم الحياة اليومية والغرق فى تفاصيلها وملاحقة احتياجاتها والتفكير فى كيفية الخوض فى غمار حياة أفضل، والبحث فى التفاصيل الدقيقة للأيام من أجل تجميل الصورة العامة لحالتهم فى ظل البعد والفراق عن الأرض والوطن، فقد مضى أكثر من ستين شهرا كريما عليهم وهم يتجرعون ألم البعاد. بينما يمر هذا العام والأوضاع فى مخيمات اللجوء تمر بمرحة جديدة من مراحل سنوات المشقة والعذاب، فاللاجئون فى سوريا يعيشون اليوم أوضاعًا تختلف عن الأعوام السابقة؛ فبعضهم يعيش حالة من اللجوء الجديد بعد ترك بيته والخروج فى رحلة جديدة من رحل التشريد، بعد الانتفاضة الشعبية فسوريا التى كانت أكثر البلدان حنانًا وأوسعها صدرًا لهم، ورغم ذلك فقد سجل الفلسطينيون فى سوريا صورة للتلاحم مع الشعب السورى عندما قرر اللاجئون أن يردوا جزءًا من الجميل لهذا الشعب ففتحوا لهم البيوت فى اليرموك، وقدموا المساعدات واجتهدوا بكل السبل لخدمة السوريين الذين تركوا بيوتهم، فما قدمه أهل المخيمات ينمُّ عن أن تفاصيل الحياة اليومية لا تنسيهم الهم والأمل فى الوقت نفسه. حالة لاجئى لبنان ما زالت تصارع وتقاتل من أجل حجر هنا أو تحسن هناك، فهم يعدون من أصحاب أكثر الأوضاع صعوبة ومأساوية مقارنة بالآخرين، فنهر البارد ما زال يبحث عن إعادة الإعمار وتتسارع السنوات وتتلاحق الأيام وما زال أهل هذا المخيم يعيشون مرارة التهجير وهدم البيوت، فبعد النكبات المتتالية التى تعرضوا لها من هجرة ديارهم عام 48، ما زالوا يعيشون همّ التشريد والهدم منذ أحداث نهر البارد ولم يكتمل الإعمار والبناء، حال غيرهم فى لبنان ليست أفضل من حالهم، فالأرق اليومى والتفكير بالمستقبل أصعب وأقسى من الرجوع للماضى بكل ما يحمل من قتل ومعاناة ودفع أثمان وتشريد ومجازر، لأن الماضى معروف والمستقبل بالنسبة لهم معدوم، ومع ذلك فإن بصيص الأمل لديهم لا يندثر. تفاصيل الحياة اليومية كما تُغرِق لاجئى الخارج فهى تُغرِق لاجئى فلسطين وأهلها، فالناظر للحالة الفلسطينية فى الداخل يجد أن التفاصيل تربك الحسابات وتشغل البال، فكل من اللاجئين المقسّمين إلى ثلاث مناطق: فى داخل الأراضى المحتلة عام 48، والضفة الغربية، وقطاع غزة، كلهم يحمل همًّا يختلف عن الآخر. الحديث عن اللاجئين وهمومهم يحتاج إلى الكثير، فمن يعيش خارج مخيمات اللجوء يكتوى بألم الفراق والغربة، عندما يفكر اللاجئون أن لا وطن لهم ولا سقف يجمعهم، فهم يعيشون ضيوفًا فى العديد من الدول، قد يقيدون إيوائهم بالمتغيرات كما حدث للاجئين فى العراق من قتل وهمّ تهجير جديد، لم يجدوا دولة عربية تحتضنهم فذهبوا للبلاد البعيدة فى معاناة ترسم معهم حالة البؤس التى يمر بها اللاجئ عندما يهجّر مرات ومرات، لا لأى ذنبٍ اقترفه إلا لأنه لم يلقِ المفتاح أو يغير طريقه نحو فلسطين، فما زالت خارطة فلسطين هى طريقه. هى أيام وأشهر تمر على اللاجئين، فمن الأردن إلى فلسطين إلى لبنان وسوريا إلى كافة أنحاء العالم، وبعد مرور هذه السنوات ورغم كل ما يُبذَل لطمس هويتهم أو تقديم المغريات لهم لم يفكر اللاجئ أن يغير نظرته أو تعلقه بفلسطين، ولعل المعاناة والإهمال يجدد دائمًا معهم الحب والأهمية الدينية للوطن، ويعمق مدى الارتباطات، فلن يقتلوا العودة فينا رغم هموم الأيام، فسنصبر عليها حتى نصل أو يصل من بعدنا إلى الوطن وسنصل.