مصر.. أيتها الأم الثكلى.. هل نعزيكِ فيمن قتل وأصيب من أبنائك، العاق منهم والبار، أم نصبرك على ما رزئت به من عقوق، أو على ما ابتليت به من مصائب شحبت وجهك ونالت من وضاءته ونصلت لونه. مصر.. أيتها الأم الحنون! لا تبتئسى أن بعضا يسيرا من أبنائك -كنا نحسبهم من النخبة- جاروا عليك، نسوا أنهم نبتوا وترعرعوا فى أرضك، وتربوا فى أحضانك، وشربوا من نيلك وحملوا اسمك فخرا وشرفا، أخذوا منك كل شىء، ولم يعطوا أى شىء، وأغرتهم المنفعة العارضة بالشر الواصب، فأسرفوا فى البغى حتى تجاوزوا كل حد واستنفدوا كل مخزون الصبر عليهم. لا تحزنى يا مصر.. فهؤلاء شرذمة نزع من صدورهم الوفاء، وجوههم كالحة لا تعرف حمرة الخجل، يسعون بالنميمة ونثر بذور الفتنة بين الناس.. لا تحزنى أيتها الأم.. فإن عقَّك هؤلاء، فالكثرة الكاثرة من أبنائك بخير، وفيهم العوض.. كل العوض، ولكن ما الحيلة معك ونحن نعرف حرصك على كل أبنائك، فأنت كالراعى لا يؤرقه من القطيع إلا الشارد، ولعلك تنتظرين عودة الشوارد إلى حظيرة الوطن قبل أن يلتهمهم الذئاب الذين استدرجوهم بعدما أمدوهم بالغواية والمال الحرام. أنت يا مصر ستظلين على عهدك بأبنائك رءوما عطوفا، لن تردى إساءتهم إلا بإحسانك إليهم، وجحودهم إلا بالعطف عليهم، وتهورهم إلا بالصبر والدعاء لهم. فأنت الأم الكبرى التى يشهد لها التاريخ بأنها احتضنت العالم كله، فأنت التى آويت الشريد، وأطعمت الخميص، وأمّنت الفزع من كل جنس ومن كل لون. أيتها الأم!.. لا تحسبى أن ما حدث شر، بل هو خير، والله يعلم ونحن لا نعلم، ابتلاء من الله سبحانه وتعالى يفرق به بين الكذب والصدق، كل ما يصدر عن الشوارد المرّاق (جمع مارق) من بذاءة واعتداء زبد سيذهب جفاء. ولكن!.. يا مصر.. يا أمنا.. ألا ترين أنك أفرطت وأسرفت فى تدليل أولئك المراق حتى لم يعد أمامهم محظور، حتى المساجد لم تسلم من استهتارهم وأذاهم.. وعجيبة العجائب أن يُضطهد الإخوان المسلمون، وكأنهم -وأستغفر الله- ما خلقوا إلا للاضطهاد.. ألم يظلموا عقودا ظلما لا يرضاه الله لأحد، وصبروا واحتسبوا، ثم حين منّ الله علينا بالثورة وصارت إليهم مقاليد الحكم يظلون مضطهدين من قلة مرتزقة تكره الإسلام ولا تطيق سماع اسمه. لقد صبرت طويلا يا أماه صبرا لا يفزع من مكروه، ويسخر من الحوادث ويثبت للمحن ولا يبالى بنفير الناعقين.. ولكن الله سبحانه جعل لكل شىء أجلا ينتهى عنده، إننا -معذرة لك- نبتهل إلى الله أن يزيل هذه النعمة ونقول تأسيا برسولنا -صلى الله عليه وسلم- ربنا إن لم تهلك هذه العصابة فلن يقوم للإسلام قائمة على أرض كنانتك، ولكن قبل الدعاء أو حتى معه لا مناص من منع الظالم -رحمة به- من أن يتمادى فى ظلمه، ففى القسوة على الظالم رحمة به. اطمئنى يا مصر.. أولادك بخير.