مر عام 2011 وهو عام الشعوب العربية بامتياز. عام انتفضت فيه الشعوب العربية كما لما تنتفض من قبل، وأزاحت عنها غبار سنين من الصبر على ظلم الحكام المستبدين. عام تحركت فيه الثورات السلمية (إلا ما اضطرتها نظم الاستبداد لحمل السلاح) تطالب بإسقاط منظومات الاستبداد والحاكم المستبد). هذه الشعوب العربية كبحر الرمال كلما أوغل الحاكم الظالم فى طغيانه كلما كانت نهايته حتمية. وهذه الشعوب العربية كموج البحر لا تعرف متى يثور، أحيانا يخدع صبرها الظالمين، وأحيانًا تجرئهم طول أناتها وحلمها، على مزيد من الظلم والطغيان. هذا العام عام خير وبركة أهلّه الله علينا باليمن والثورات والحرية، تنسمت فيه الشعوب العربية عبيرًا طال شوقها إليه، وعملت أشاق الحرية عملها فضحت فى سبيلها بالغالى والنفيس ولم تغلها المهر. ولا فى الأحلام ولا فى رؤى الصالحين، يحرق البوعزيزى (رحمه الله) نفسه، فيهب شعب تونس العظيم لنصرته، وينادى الشعب يريد إسقاط النظام، فيهرب بن على لا يعرف إلى أين (وهو من هو فى قبضته الأمنية) فسبحان المعزّ المذل. وينزل الشباب المصرى فى ميدان التحرير وكل ميادين مختلف محافظات مصر، لا يهاب القبضة الأمنية ولا يهاب القناصة (الذين أنكرت الداخلية وجودهم) يصرّ على قول واحد "ارحل" ويصمد فى الميادين والشوارع 18 يومًا من أيام الله، حتى يرحل وتتكحل أعين المظلومين برؤيته يحاكم، وسبحان من يشفى صدور قوم مؤمنين. ويتحرك الشباب الليبى البطل ويتحيز إلى بنغازى وينضم إليهم ويقودهم أفضل من أنجبت ليبيا من رجال، الذين وقفوا فى وجه طاغية مجرم كالقذافي، حتى فتح الله على أيديهم وانهار باب العزيزية، وسبحان من قهر جبروته الجبابرة. ولا يتأخر شعب سوريا العظيم عن ركب الحرية فيشعلها مظاهرات سلمية واعتصامات مدنية وإضرابات عامة بهرت نتائجها حتى من نظمها، ولا يزال صمودهم يبهر العالم شرقًا وغربًا، وهم يسايرون سنن الله وسنن الله غلاّبة وحتمًا نصرهم قريب، قد يغلو مهر الحرية وقد تزيد تضحيات التحرير، لكن النتيجة معروفة: نصر من الله وفتح مبين، وسبحان من إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب. والحكمة يمانية والإيمان يمانى، فيخرج شباب التغيير فى اليمن بصدور عارية وهم الشعب المسلّح، فيحيدون ألة القمع التى أسرف فى استخدامها عبد الله صالح (وليس دائما ما تكون الأسماء على مسماها). وكان طوق النجاة للمسمى صالح هذا فى المبادرة الخليجية التى حاول أن يكسب مزيدًا من الوقت فى المماطلة فى التوقيع عليها، وكان توقعيه مسألة وقت إنما هم هكذا ظلمة الحكام، دأبهم المماطلة والتسويف، رهانًا على صبر الشعوب، وسبحان من يحيى العظام وهى رميم. كم أنت عظيمة أيتها الشعوب العربية، كل هذا المخزون الهائل من الفعل الثورى المبدع وسكت على الظلم سنين، تمهلين الظالم عامًا بعد عام، حتى إذا انتفضتِ عليه ألقيتيه فى مزبلة التاريخ.