فى يوم عيد ست الحبايب، أقول لأمهاتنا ممن فقدنا أبناءهن فى أحداث ثورة يناير، مروراً بكل الأحداث المؤسفة التى وقعت من ماسبيرو وبورسعيد وغيرها، تاركة دموع وحسرات فى قلوب مئات الأمهات، عشن حياتهن يعتنين بأطفالهن حتى يصبحن رجالا تقر بهم العيون، وفى لحظة يتبخر مثل الدخان. إليك أيتها الأم الرؤوم، لا تحزنى يا أماه 'وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ{169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} 'آل عمران '. إليك أيتها الأم الثكلى، اصبرى واحتسبى فإن المؤمن يرى البلاء ضيفا، وإن كان ثقيلاً، فيرحب بقدومه، ويقدم له النزل والقرى، ويكرمه، ولا يشكو منه، ولا يسخط، فيسجل عند ربه من الصابرين صبراً جميلاً، وهو الصبر الذى لا شكوى فيه. وقد أمر الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالصبر فقال: فاصبر صبراً جميلاً '، عندما اشتد به أذى الكفار، فامتثل الأمر ربه وأطاع بحب ورضا، وهكذا صنع إخوانه من الرسل والأنبياء؛ لا تحزنى يا أماه، لله ما أعطى ولله ما أخذ، قد يمر عليك هذا اليوم ثقيلاُ، يُذكرك بضحكاته وكيف كان الاحتفاء بكى، وما عند الله خير وأبقى 'إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ ' 10 ' 'الزمر' أجر بلا حدود، فالصابرون يجزون أجرهم بغير حساب، وصاحب الأجر هو الذى وعدهم بذلك، فمن أوفى بعهده من الله؟، هل يستطيع عقل إنسان أن يتصور كلمة بغير حساب؟ إنها فوق تصورى وتصورك وتصور بشر، لا طاقة لعقل أن يتصور ذلك، فقد أكد رسولنا الكريم حقيقة الجنة ونعيمها، فقال ' فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر' لا تحزنى يا أماه، على من استشهد فى سبيل تخليص وطنه من حاكم أغرق شعبه فى الذل والهوان، من هؤلاء اللصوص، من باعوا وطننا مصنعا وبشراً ؛ ولعل الدرس يكون قد استوعب لمن تسول له نفسه الاستهانة بكرامة الشعوب، فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ' إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ' وقد رأينا من طغى وتجبر، فى البث المباشر وهو يحاكم مطروحاً على الفراش، بعد أن وصل به الطغيان إلى أبعد مدى، وكان يستحيل لمواطن فقيراً أن يقابله كى يعرض عليه مظلمته، بل كان من يعبر الشارع الذى به قصره المنيف، كان ينتهى أثره فى غياهب السجون ؛ لا تحزنى يا أماه، فحب الوطن غريزة بداخلنا، أيا كانت سعادتنا وشقاؤنا فيه، فهو له فى القلب مكان وفى العين قرة، عند مسه بالسوء يكون له منا التضحية والفداء ...