فجعت كما فجع أحبابه ومحبوه .. رزئت كما رزئ أنصاره وإخوانه .. برحيل المربي والأخ والأب في ديار الهجرة محمد عيد البغا" أبو سليم " طوال هجرة امتدت لثلاث عقود في عين الزمن .. كان أبو سليم نعم الوالد والأخ والمربي ... كان أبو سليم الحاني حين افتقاد الأب والأم .. كان أبو سليم كالوالدة الرؤوم في زمن الاغتراب والهجرة والصبر والمصابرة ... مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر عليك سلام الله وقفا فإنني رأيت الكريم الحر ليس له عمر رحل أبو سليم عن عمر ناهز التاسعة والسبعين في عمان .. عمر مليء بالدعوة والصبر والجهاد .. مضى إلى ربه كما مضى من قبل رجال سوريا العظام لكن خارج بلدهم .. لم يجدوا قبرا في بلدهم .. هذا ما حل بالإمام عبد الفتاح أبي غدة والشيخ سعيد حوى وبنان الطنطاوي ومحمد شعيب والدكتور أنس الصباغ وعبد الكريم العطار وغيرهم ... رحل أبو سليم بهدوء .. وهكذا حال الأخفياء الأتقياء .. هكذا عاش دون ضوضاء فقد كان مهموما بالدعوة العملية ناصحا ومرشدا وعطوفا وباحثا عن كل ما يرفع من شأن إخوانه تعليما وتثقيفا .. كانت مكتبة الفتح التابعة له وسط دمشق قبل المحنة موئلا للأحراء يغترفون منها علما وكتبا ونصائح ومواعظ .. رحلت يا أبا سليم دون أن تتراجع عن هدف اختطته لنفسك منذ البداية .. رافضا للظلم والظالمين .. هكذا رحل كثير من دعاة الإسلام خارج بلدهم .. هكذا قضى أكثر الصحابة خارج المدينةالمنورة ومكة المكرمة .. فكما قال الشاعر محمد إقبال أنا عالمي ليس لي أرض أسميها بلادي وطني هنا أو قل هنالك حيث يبعثه المنادي رحلت ونحن نعرف حجم الفراغ الذي تركته .. فرحيل أمثالك نشعر أنه يهز بيوتا ويدك أرضا .. فسقوط الشجرة الكبيرة تجعل الأرض تميد من تحتها ... عليك سلام الله قيس ابن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما فما كان قيس هُلكه هُلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما