سيذكر العالم بكل انبهار، ويسطر التاريخ بكل فخار، ويشدو الكون بكل اعتبار، تلك الحقبة من تاريخ مصر التي بزغ فيها نجم الفنان المبدع والعبقري الخالد وأسطورة القرن: أبو الليف. لقد ثبت بالدليل «المقطوع» أن أبناء المحروسة كانوا يعيشون في ظل أوهام ساذجة سيطرت علي فكرهم وشعورهم طويلاً، كان «النفر» منهم يردد: يا جارة الوادي، أو النيل نجاشي، أو الأطلال، أو رق الحبيب، أو الربيع، أو حبيب العمر، ويغني مع عبد المطلب، ورشدي، وفوزي، ويصفق مع صباح فخري وفيروز، ويسرح مع صوت صالح عبد الحي ومع ألحان سيد درويش. كان ذلك وهماً علي ما يبدو.. فقد ظهر الباشمهندس أبو الليف وحطم عديداً من أصنام وكشف كثيراً من أوهام، ها هو يصرح بكل شاعرية: «أنا مش خرونج».. أنا كنج كونج» عبر لحن كله حنان، يذوب معه المستمع في عالم عذب رقيق، يأتي صوت الباشمهندس وكأنه من عالم آخر.. يجعل أصوات اسمهان وماجدة الرومي وكاظم الساهر وفريد الأطرش تذوب خجلاً وتنزوي من الكسوف ( والخسوف كمان).. يا إلهي.. كل هذا البهاء، كل هذا الجمال: «أنا كنج كونج»!!! ضمن كلمات منحوتة في القلب، منقوعة في العاطفة.. يعجز عن الاتيان بمثلها أبو القاسم الشابي وأحمد شوقي وخليل مطران مجتمعون، مع امرؤ القيس وبمعاونة الخنساء التي ترثي أخاها صخر رحمة الله عليه. كل هذا الإعجاز البشري مع لحن راق رقراق مثل بوح البحر في العصاري، ومع تعبيرات وجه وجسد الأخ الليف، ثم مع الزي (اليونيفورم) الغنائي الجذاب جداً الواقع علي الجسد المذكور.. الممتلئ لحماً أو لحناً، والمعبر بالحركات المبتكرة عن كل حرف كلمة ودرجة في سلم (موسيقي أقصد).. وبما يدفع الكثيرين لرفع الطاقية (بطريقة هاتريكHattrick ) تقديراً للفن والتفنن. واعزازاً بفن مصري رصين (ربنا يديمها علينا نعمة ويحفظها من الزوال). .. دعوني إذن أعرب عن أسفي لضياع وقت ومجهود بذلتهما في حضور حفلات صباح فخري في القاهرة والإسكندرية، بل وفي لاس فيجاس أسمع: «يمر عجباً» أو «ياشادي الألحان» أو «أيها الساقي» أو «قل للمليحة في الخمار الأسود» أو «يا غزالي كيف عني أبعدوك».. دعوني أنسي كلمات: (أنت أحلي الناس في نظري.. جل من سواك يا قمري) مع معاني القدود الحلبية) التي كنت أظن أنها لن تتكرر من فرط روعتها.. وروعة أهالي حلب السورية) دعوني أنسي ذلك كله وأعدو ملهوفاً تجاه الكيمائي أبو الليف، كي استمتع بصوته الشجي: أنا مش خرنج!!! (ايه ده؟ سحر يا اخواتي؟! بكل هذه العبقرية اللغوية والرقي الفواح والنعومة الفائقة؟!؟) . لا داعي لذكر كلمات أبي الطيب المتنبي أو أبو الفراس الحمداني أو ابن زهر الأندلسي.. لا داعي يا أخ!! مالنا والقدود الحلبية أو الموشحات الأندلسية؟ خلينا في زمن أبو الليف أحسن. والكابتن أبو الليف هو مجرد نموذج، عينة، شريحة، لقطة.. ضمن عديد من نماذج تذخر بها أرض المحروسة. وانظر حولك وتذكر: الشيخ المراغي ود. علي مبارك وطلعت حرب وصالح سليم وعبد اللطيف أبو هيف ود. محمود فوزي ومحمد التابعي والعقاد وسعد زغلول، وتابع في الخارج د. مجدي يعقوب، فاروق الباز.. وبعدها راجع: أ.د شعبان عبد الرحيم (التواصل مع موقعه علي الإنترنت أو ال« facebook» لا أذكر) وراقب الأستاذ حكيم والأخت الفاضلة: روبي، والفنان: ريكو. هكذا يا عزيزي في كل مجال: طب وعلوم، رياضة وفنون، اقتصاد وقانون، سياسة وصحافة، آداب وتعليم وسلوك، في كل مجال.. تغير الحال.. وصلنا إلي الكابتن المنوه عنه بعاليه. يقول صباح فخري: «يا غزالي كيف عني أبعدوك.. بددوا شملي وهجري عودوك» كما يقول: «أنت أحلي الناس في نظري.. جل من سواك يا قمري»!! ثم: «نعم.. سري طيف من الهوي فارقني.. والحب يعترض اللذات بالألم».. «لولا الهوي لم ترق دمعاً علي طلل .. ولا أرقت لذكر البان والعلم». يقول ذلك ويردده معه كل عشاق الطرب.. تونسي.. حلبي.. عراقي مع «يا مال الشام والله يا مالي طال المطال يا حلوة تعالي».. كما يقول ناظم الغزالي : «ياحادي العيش عرج كي أودعهم.. يا جاري العيش في ترحالك الأجل، أني علي العهد لم أنكر مودتهم.. يا ليت شعري بطول البعد ما فعلوا» دعنا ننسي الحان الشيخ عثمان الموصلي، وموسيقي جميل بشير، وأغاني كوكب الشرق، كي نستمتع بروائع الباشمهندس «العو» ولندع صباح فخري يغني في البرية كي نهرع في عجالة فائقة تجاه الفتنة الصاحية المنبثقة من صوت الأخ الليفي (لا علاقة لذلك بالرفيق: ليفي أشكول ربيب حرب 67).. كي نتذوق الفن علي أصوله.. كنموذج لما وصل إليه الحال. وبالطبع لا يخفي علي سيادتك أن أبو الليف مجرد مقدمة لما هو آت.. تماماً مثلما كان الأخ عدوية مقدمة لما اتحفتنا به الأيام.. من نوعية: الطشت قال لي، وقوم اقف وانت بتكلمني، وما تبعها من أغاني الميكروباص والتوك توك والكارو.. وهلم سحباً.. تماماً مثل التحفة المتمثلة في جمهور يرقص ويغني و«مطرب» يرقص فقط.. دون مقارنة ذلك بجمهور أم كلثوم.. الذي نراه علي شاشة التليفزيون. حسناً إذا كان هناك شيء حسن (بخلاف حسام وإبراهيم) إذا بقي هناك شيء جميل (غير صديقي جميل جرجس)، وإذا ظل هناك شيء ضاحك (بعد زميلي: جورج وهبة) فإنه دون شك: ضعف الذاكرة.. دعونا إذن نتناسي.. ذلك الزمن الجميل فهو لن يعود تأكيداً.. ولنذكر فقط أن أبو الليف هو مجرد تجسيد لمقولة: ويخلق ما لا تعلمون.