مؤتمرًا ل" الجبهة الوطنية" بالمنيا لدعم مرشحه في انتخابات الشيوخ    المشاط تعقد لقاء ثنائيا مع نظيرتها بجنوب أفريقيا خلال اجتماعات وزراء التنمية بمجموعة العشرين    محافظ الفيوم يعقد اجتماعا لمناقشة المستجدات بملف التقنين والتصالح    اتحاد الغرف السياحية: 550 مليار دولار ضختها الحكومة في البنية التحتية لتشجيع الاستثمار    توقعات باستمرار مكاسب البورصة رغم تحقيق مؤشرها مستويات قياسية    نائب محافظ يتفقد مشروع خط الصرف الصحي بمنطقتي المتربة والحفرية بمركز أوسيم    وزير الطاقة السوري يترأس ورشة عمل بالسعودية لبحث آفاق التعاون    القبض على قائد مجموعة خارجة عن القانون باللاذقية    خضر ألمانيا يطالبون ميرتس بإطلاق مبادرة أوروبية لحل الأزمة في قطاع غزة المحاصر    السولية: حققت كل شيء مع الأهلي في 9 مواسم    الأهلي يغادر تونس بعد انتهاء معسكره استعدادا للموسم الجديد    لمنع أزمة القمة.. 10 أيام فارق بين قرعة ومنافسات الدور الثاني للدوري    بهدف السرقة.. عامل يضرم النيران في مطعم بمدينة السلام    وصلت ل52.. درجات الحرارة تسجل أرقاما قياسية في العراق و5 محافظات تعطل الدوام    خلال السنوات الخمس الأخيرة.. 5 محافظات تتغيب عن قائمة أوائل الثانوية العامة    ضبط 38 قضية مخدرات خلال حملات في منطقة الأهرام بالجيزة    تاجيل محاكمه ام يحيى المصري و8 آخرين ب "الخليه العنقوديه بداعش" لسماع أقوال الشهود    وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة 10 لمعرض الإسكندرية للكتاب غدا    نجوى كرم تتألق في حفلها بإسطنبول.. وتستعد لمهرجان قرطاج الدولي    وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب.. غدًا    أكرم القصاص: مصر تصدت مبكرًا لمخططات التهجير وتوازن علاقاتها مكّنها من دعم غزة    الثلاثاء.. سهرة غنائية لريهام عبدالحكيم وشباب الموسيقى العربية باستاد الإسكندرية الدولي    يسرا ل"يوسف شاهين" في ذكراه: كنت من أجمل الهدايا اللي ربنا هداني بيها    تجديد الثقة في الدكتور أسامة أحمد بلبل وكيلا لوزارة الصحة بالغربية    بالصور- معاون محافظ أسوان يتابع تجهيزات مقار لجان انتخابات مجلس الشيوخ    بعد عودتها.. تعرف على أسعار أكبر سيارة تقدمها "ساوايست" في مصر    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    القناة ال12: الإمارات تبدأ بإنشاء خط مياه جديد من مصر إلى غزة    داليا مصطفى تدعم وفاء عامر: "يا جبل ما يهزك ريح"    الدكتور أسامة قابيل: دعاء النبي في الحر تربية إيمانية تذكّرنا بالآخرة    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    "دفاع النواب": حركة الداخلية ضخت دماء جديدة لمواكبة التحديات    15.6 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" حتى الآن؟    هل الحليب يساعد على ترطيب الجسم أفضل من الماء؟    تقارير تكشف تفاصيل صفقة انتقال جواو فيلكس إلى النصر السعودي    بمشاركة أحبار الكنيسة.. البابا تواضروس يصلي قداس الأحد مع شباب ملتقى لوجوس    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    لمروره بأزمة نفسيه.. انتحار سائق سرفيس شنقًا في الفيوم    الأمن يكشف غموض خطف طفل من القاهرة وظهوره فى الصعيد    "أونروا": لدينا 6 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول قطاع غزة    الإخوان الإرهابية تُحرض على سفارات مصر بالخارج    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا    تفاصيل تشاجر 12 شخصا بسبب شقة فى السلام    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    وزارة الصحة توجة نصائح هامة للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    بورسعيد تودع "السمعة".. أشهر مشجع للنادى المصرى فى كأس مصر 1998    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر.. والإدعاء بحِلِّه تضليل وفتح لأبواب الانحراف    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    6 صور ترصد بكاء لاعبات المغرب بعد خسارة لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات أمام نيجيريا    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ. د. عبد الرحمن البر يكتب: الحرابة وتطبيق الحدود

كثرت فى الفترة الأخيرة حوادث القبض الجماهيرى على البلطجية والتخلص منهم من جموع الناس فى أماكن متعددة، بعد أن تولد لدى الجماهير شعور بالإحباط مما يعتبرونه تخاذلا وتراخيا من الشرطة فى التعامل مع هؤلاء البلطجية، ومما يعتبرونه تراجعا من القضاء عن عقاب أولئك المجرمين وتسارعا فى تبرئتهم أو الإفراج عنهم كلما ألقت الشرطة القبض عليهم؛ مما يشجعهم على المبالغة فى ممارسة بلطجتهم وأعمالهم الإجرامية ضد الآمنين، فاتخذ البعض من ذلك ذريعة لممارسة القصاص منهم بأنفسهم، بصور شنيعة وغير إنسانية على الإطلاق.
ومع اتفاق الجميع على غوغائية هذا الفعل فقد تباينت ردود أفعال العامة تجاه هذه التصرفات، ما بين موافق عليها مستبشر بها، مبررا ذلك بأن هذه النهاية التعيسة للبلطجية والمجرمين هى الكفيلة ببث الرعب فى قلوبهم، ودفعهم نحو كف الأذى عن الناس، ويعدون ذلك ردعا طبيعيا مقبولا فى غياب الإحساس بالأمن والعدالة، وما بين رافض لهذه التصرفات يعتبرها انحدارا نحو اللادولة واندفاعا نحو دوامة الفوضى والفتنة التى لا تبقى ولا تذر.
لهذا وجب على أهل العلم والفكر والمهمومين بأمر الأمة أن يواجهوا هذه الظاهرة بما يناسبها، سياسيا وأمنيا وتشريعيا وقضائيا وشرعيا، وفيما يلى أضع بين يدى القراء الكرام رأيى الفقهى فى المسألة، فأقول وبالله التوفيق:
حرص الإسلام كل الحرص على استقرار حياة الناس والحفاظ على أمنهم، وحرّم كل اعتداء أو ترويع يهدد هذا الاستقرار، ويضيع هذا الأمن؛ وذلك لأن الأمن من كبريات النعم التى امتن الله بها على عباده، فقال سبحانه ?فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)? [قريش]، وقال سبحانه ?أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ? [العنكبوت: 67]، وقال سبحانه ?أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا? [القصص: 57]، ففى ظل الأمن تمضى الشرائع، وتزدهر الحياة، ويسعد الناس.
لذلك كله حرَّم الإسلام كلَّ سبب يفضى إلى تهديد هذا الأمن، ومن ذلك البغى والخروج على الأمة وحمل السلاح فى ذلك، وكذلك حرَّم الخروج على النظام العام وتهديد حياة الناس عن طريق قطع الطريق أو الاغتصاب أو السرقة بالإكراه والتهديد بالسلاح ونحو ذلك. ولقد كان الإسلام واضحًا كل الوضوح، حاسمًا كل الحسم فى هذا الأمر، فدعا النبى صلى الله عليه وسلم الأمة أن تحافظ على وحدتها وأمنها، وألا تسمح لأحد كائنًا من كان أن يهدد وجودها وأمنها، وأمر بالتصدى لهؤلاء المفسدين؛ درءًا لشرهم ووأدًا للفتنة التى يريدون أن يبعثوها فى الأمة.
وفضلا عما أعد الله لمن يمارس هذا الإفساد من الخزى والهوان والعذاب العظيم فى الآخرة، فقد جعل لهم فى الدنيا خزيًّا آخر من خلال العقوبة التى أمر بها فى شأنهم، وهى القتل أو الصلب أو النفى من الأرض، ما لم يتوبوا قبل القدرة عليهم، فإن تابوا قبل أن يقدر عليهم الإمام فإن الله غفور رحيم، فقال تعالى: ?إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)? [المائدة].
ومفهوم المحاربة والسعى فى الأرض فسادا يصدق على كل من وقع منه التعدى على دماء العباد وأموالهم فى كل قليل وكثير وجليل وحقير، وحكم الله فى ذلك هو ما ورد فى هذه الآية، من القتل أو الصلب أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف أو النفى من الأرض، لكل من خرج على الناس بسلاحه، يقتلهم، أو يقطع طريقهم، أو يغتصب أموالهم، أو يحارب جنودهم، أو يهين سلطانهم، أو يعتدى على أعراضهم، أو يمارس السطو المسلح واغتصاب النساء، سواء فعل ذلك فى مدينة أو قرية أو فى طريق عام أو خاص، فى مكان مأهول بالناس أو غير مأهول.
وعقوبة المحارب تكون بحسب الجريمة التى ارتكبها، فمن أخاف الناس وقطع الطريق وأخذ المال قُطعت يده ورجله من خلاف، وإن زاد على ذلك قبل الناس قُطعت يده ورجله ثم صلب، فإذا قتل ولم يأخذ المال قُتل، وإن مارس إخافة الناس فقط ولم يأخذ المال ولم يقتل نُفِى أو عُزّر.
لكن من الذى يطبق هذه العقوبة؟ وهل لفرد ما أن يقوم بتطبيقها بنفسه؟ أو هل لمجموعة أن تتفق فيما بينها على القيام بتطبيق هذه العقوبة من تلقاء نفسها؟ هذه أسئلة صارت تطرح اليوم بكثرة مع شيوع ظاهرة الفلتان الأمنى أو التراخى الشرطى أو التخاذل والتراخى من جانب أجهزة الدولة المعنية فى حفظ الأمن أحيانا، وفى ظل عدم إحساس المواطنين بالعدالة الحقيقية.
وهنا لا بد من الوضوح والحسم فى بيان موقف الشريعة الإسلامية، حتى لا يدفع التميع فى المواقف إلى الالتباس والتخبط مما يزيد الأزمة إشعالا.
مَن الذى يقيم الحدود؟
الذى يقيم الحدود وينفذ العقوبات هو الإمام أو الحاكم، أو من يعيِّنه الإمام لهذا العمل كالقضاة والشرطة غيرهم، وفق القواعد والقوانين المنظمة لذلك، ولا يجوز إقامتها إلا بعد ثبوتها بأحد طريقى الثبوت: إما بالإقرار، وإما بالبينة. ولا يجوز إقامة الحدود خارج هذا الإطار بحال من الأحوال.
وليس لآحاد الأمة أن يقيموا الحدود إذا تغافل عنها الحكام؛ لئلا يحدث ما يفتت الأمة، فلكلٍّ فيها وظيفتُه، وإقامةُ الحدود من وظيفة الحاكم المسلم، فإن لم يُقِمْها فإنه يتحمل إثمَ تعطيل حدود الله، ولكن لا يقوم آحادُ الأمة بتطبيقها.
وإن رأى أحدٌ غيرَه على حدٍّ من حدود الله، ولم يَقُم الحاكمُ بتطبيق الحدِّ عليه، فليس عليه عندئذٍ إلا الأمرُ بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوةُ لهذا العاصى بالهداية، فعسى الله أن يتوبَ عليه ويشرح صدرَه لطاعته.
إذا ثبت هذا فإن تنفيذَ العقوبات من اختصاص الدولة المسلمة بأمر الحاكم ولى أمر المسلمين، وليس من اختصاص الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب أو الهيئات التى لم ينتدبها الحاكم لهذه المهمة. وهذا مما اتفق الفقهاءُ عليه، وذلك لمصلحة العباد، وهى صيانةُ أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. والحاكم هو القادر على الإقامة؛ لشوكته ومنَعَته وانقياد الرعية له بمقتضى السلطات الممنوحة له والأجهزة الأمنية التى يديرها، كما أن تهمة الميل والمحاباة والتوانى منتفية عن الإقامة فى حقه وفى حق الأجهزة القضائية التى تحكم فى الخصومات، فيقيمها على وجهها، فيحصل الغرض المشروع بيقين، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كان هو الذى يقيم الحدود، وكذا خلفاؤه رضى الله عنهم من بعده.
وبناءً على ما سبق لا يجوز لشخصٍ مهما كان ولا لجماعة من الناس أيا كانوا أن يتولوا تنفيذ العقوبات الشرعية، ولا يجوز أن يقوم البعض بالحكم على البلطجية والمخربين وتنفيذ الحكم فيهم بعيدا عن القانون والنظام القائم، لكن إن تعرض البلطجية لفرد أو مجموعة أو قطعوا الطريق عليهم، ولم تغثهم أجهزة الأمن وخافوا أن يلحق بهم الأذى من البلطجية فإن لهم أن يدفعوا الأذى، وأن يردوا العدوان عن أنفسهم ، دون أن يتجاوزوا حدود كف الأذى ورد العدوان، وقد سبق أن كتبت مقالا قبل أسابيع بينت فيه أحكام مواجهة البلطجية، وأنا أختم مقال اليوم بما ختمت به ذلك المقال:
وفى الختام: فإن دور البلطجية يزداد ويتمدد فى الفراغ الذى تتركه الدولة وأجهزتها الأمنية، وإذا زادت الظاهرة كانت منذرة بحرب أهلية، ولهذا فإن الأمم الحية والدول المتحضرة تعمل على مواجهة ظاهرة البلطجة مواجهة شاملة، من خلال الوقوف على أسباب الظاهرة دينيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وتتداعى جميع أجهزة الدولة وهيئات المجتمع المدنى للتوحد فى مواجهة هذا الشر المستطير، وتنسيق الجهود للتخلص من البلطجة، وهذا ما نحتاجه فى مصر اليوم للنهوض والتعافى وتجاوز الأزمة. والله الموفق والمستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.