فى السنة السابقة على ثورتنا المصرية العظيمة، اهتممت صحفيا وسياسيا بدراسة وتفسير وتصنيف تعليقات زوار المواقع الإلكترونية. وقد حاولت استنباط بعض الخلاصات وكتابة بعض ما من شأنه ترشيد واستثمار الظاهرة الوليدة. وأقصد بالاستثمار هنا تطوير العلاقات بين المرسل والمستقبل فى العملية الإعلامية. أعتقد أن التفاعل الذى أتاحته المواقع والمدونات وصفحات فيس بوك يسهم فى استكمال زوايا التناول الصحفى والإعلامى، ومن ثم إظهار الحقائق كاملة. فى هذا المقال أقدم نموذجا أو حالة تفاعل من شأنها توضيح الحقائق قد تقود المتلقى المهتم وغير المتعصب إلى تعديل موقفه السياسى. كتب صديق على حسابه "الفيسبوكى" يستشهد برواية بائع فول على تواضع د. مرسى قبل وبعد انتخابه رئيسا. وعلق زميل متحامل أو مخاصم رافضا الاستدلال بالرواية على جدارة وكفاءة مرسى. فيما يلى نصوص التفاعل الثلاثى الأطراف. يقول بائع الفول عم محمود البالغ من العمر 65 سنة: قبل الانتخابات الرئاسية بكثير ومنذ سكن الدكتور محمد مرسى بالقاهرة الجديدة كنت أراه يوميا وهو ذاهب لصلاة الفجر بحكم أنى أبدأ يومى منذ الفجر متوكلا على الله أن يرزقنى برزق أولادى الثلاثة. كان الرجل يشترى منى الفول وهو راجع من صلاة الفجر، إلى أن جاءت فترة ولم أره فيها لفترة. كان قد رشح نفسه للرئاسة ثم فاز وأصبح رئيس مصر. ومن يومها قررت عدم الوقوف فى ذلك المكان، وذهبت إلى آخر أبعد، ويعلم الله أنى فقدت معظم من تعودوا على الشراء منى. ذات يوم وفجأة، وجدت شخصا يلبس جلبابا أبيض يتجه نحوى قبل صلاة الفجر ثم يقف أمامى ويقول: "بقى كدة يا عم محمود تمشينى المشوار ده كله؟!"، وقبل أن ينهى كلماته أصابنى ذهول وراح الكلام من لسانى، لأنى وجدته الرئيس محمد مرسى. بادرنى هو بالكلام قائلا: بص أنا رايح أصلى الفجر وهبعتلك 2 يساعدوك فى نقل عربية الفول للمكان اللى كنت واقف فيه. وزاد: إياك تسيبه تانى... يرضيك الناس اللى بتصلى معايا تقوللى مش لاقيين فول؟" وضحك. وفعلا جاءنى شخصان وساعدانى فى نقل العربة إلى نفس المكان. ومن يومها أدعو لهذا الرجل أن يوفقه وينصره بحق ما فعله معى". التوقيع: أبو أحمد زائر محترم لصفحة أو حساب الفيسبوك هو د. محمد فؤاد منصور كتب مستنكرا يسأل صاحبها: هذه القصة إن صحت -وأظنها صحيحة- ماذا تثبت؟ الرئيس رجل طيب وبسيط أم تثبت أنه رئيس جيد ويدير البلاد بنجاح؟ علقت بالسطور التالية: اسأل عنه فى كليته كأستاذ، واسأل عنه حزبه، وأبناء دائرته الانتخابية عندما فاز مرة وأسقطوه مرات، واسأل عنه القسم السياسى فى الإخوان الذى رأسه نحو عشر سنين وأدار به صراعا لم ينافسه فى مثله حزب شرعى كالوفد أو كرتونى فقير العضوية كالناصرى أو التجمع اليسارى. ولا تنسوا أننا فى عصر المؤسسية وليس ال"كارزمية". الإسلام دين الجماعية "إذا كنتم ثلاثة فأمّروا عليكم أحدكم"، والشورى والتشاور أمر إلهى للمعصوم نفسه "وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْرِ" والإسلام يأمر بالإيجابية على مستوى كل فرد "من رأى منكم منكرا فليغيره ...، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". ورد الدكتور على ما كتبته بسؤال استنكارى: هل تريد القول إنه رئيس جيد ويدير البلاد بنجاح؟ وردا على الاستنكار كتبت: الأحكام لا تطلق هكذا بطريقة جيد وسىء، ثمة عناصر كثيرة متداخلة يجب تحليلها، ومن المفترض أن الفرد وزنه نسبى فى هذه العناصر وليس كل شىء. وهناك بيئة محيطة لا أظن أننا عشناها بتشابكاتها ومصالح أصحابها وعلاقات الداخل والخارج، وطبيعة المصريين القديمة والجديدة بعد الثورة..... الموضوع يحتاج الاتساع فى الأفق. وبالمناسبة بعض المفكرين الأتراك ممن عاصروا دمقرطة بلادهم على أيادى الإسلاميين يمتدحون ما جرى فى مصرنا حتى اليوم، مقارنة بالوضع هناك. وخذ عندك الفرص البديلة: هل تتخيل أن قياديا بلا حزب قوى كان يستطيع أن يسوسنا أفضل؟ وهل أى من المرشحين المنافسين كانت له خبرة وعلاقات وشعبية تفوق مرسى؟ وهل العسكر مناسبون لروح العصر وللسياسة بعدما جربوا أنفسهم وجربناهم سنين عددا منها نحو سنة ونصف بعد الثورة. مرة أخرى علق د. محمد فؤاد منصور قائلا: سيدى القضية ليست أن هناك من هو أفضل. ولا من هو أقل أفضلية، فغياب البديل الجاهز لا يجعلنا نقبل بهذا الأسلوب العبثى الذى تدار به البلاد منذ تولى مرسى وإخوانه الحكم، لقد أخطأوا فى ترتيب أولوياتهم فراحوا يتخبطون يمينا وشمالا وكأنهم يصفون حساباتهم مع مجتمع رفضهم لأكثر من ثمانين سنة رغم أنهم نجحوا نجاحا مبينا فى مغازلة أشواق ذلك المجتمع واستثمار متاعبه، فكان جزاء استسلامه لهم ورفعه لشأنهم وإخراجهم من غيابات السجون أن تركوه فى مشاكله، بل زادوها أضعافا مضاعفة وراحوا يتكلمون فى قضايا لم يثر الناس من أجلها ولم تكن محل خلاف كضرورة تطبيق شرع الله أو ضرورة تحرير القدس، هذا فضلا عن كلام عبثى عن إدخال مصر فى الإسلام من جديد وما شابه من كلام ساقط جرى على ألسنة رموزهم فى مناسبات شتى وحتى فى هذه لم يفلحوا .. ولن يفلحوا إذن أبدا ... تحياتى. وترنى الدكتور بعباراته الأخيرة فكتبت له: كلامك تنقصه الموضوعية والدقة. فلم يترك الإخوان الشعب وهم فى قلب المحن والحظر والاعتقالات والمصادرات والمطاردات. كانت لهم أياديهم البيضاء فى الاتحادات الطلابية والنقابات ونوادى أعضاء التدريس. ولما خشى المخلوع وعصاباته من شعبية تتحقق عبر هذه المجتمعات الفئوية أغلقوها بقوانين فصلت تفصيلا، والقانون رقم 100 أشهر من أن أخوض فيه هنا، ونقابة المهندسين مثال. أسسوا مستوصفات وشاركوا فى المجالس المحلية حتى حلها النظام دون إكمال مدتها. ونفعوا الناس تعبدا وليس منةً. لم يتركوا الناس بعد الثورة وانتخابات الرئاسة. أنقذوا الجموع فى موقعة الجمل. حلوا مشكلة البوتاجاز، وتحسن رغيف العيش، وتخلصنا من حكم عسكرى استمر ستين سنة. وعليك أن تلاحظ أن كل أعداء الثورة اصطفوا ضد الإخوان ومرسى من باب "أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ". ليت خصوم الإخوان لجأوا إلى طرق ديمقراطية سلمية، بل النيران والمولوتوف والسلاح الأبيض والإعلام التضليلى التابع لبليونيرات جاءت ثروات معظمهم من تحالف أو زواج غير شرعى مع النظام الفاسد وعصاباته. ومع كل ذلك فيا سيدى هم لم يفرضوا أنفسهم على الشعب. بمنتهى البساطة ثمة طريقان أولهما وأكثرهما شيوعا وحضارية: الانتخابات وهى على الأبواب. والثانى ثورة جديدة. ما أنا متأكد منه بموضوعية هو أن الإخوان فى نظرى وغيرى ليسوا بالسوء الذى تصفهم به. أخيرا؛ لكم رأيكم ولى رأيى. تشرفت بالتكاتب أو التواصل معكم. شكرا