ريشة - ياسمين مأمون في العدد الماضي قدمنا بانوراما لعام 2012استشرفنا فيها المستقبل.. خاصة ونحن مقبلون علي مرحلة دقيقة بالغة الخطورة من التاريخ.. قدمنا فيه أحلام ورؤية النخبة والمثقفين.. والسياسيين حول توقعاتهم وأمانيهم لعام 2012. أحلام سياسية واجتماعية واقتصادية.. ليست هذه أحلام وأماني شخصية.. ولكن أحلام وطن.. ربما كان الحاضر الغائب حرصنا في هذا العدد علي أن يكون حاضرنا هو رجل الشارع.. الناس العاديون.. البسطاء الذين يبحثون عن لقمة العيش.. وبالكاد يحصلون عليها.. الناس في العشوائيات الذين غابت عنهم الخدمات.. وأبسط حقوق الإنسان في مياه نقية وصرف صحي.. وحياة آدمية.. كل هؤلاء حاولنا أن نبحث معهم عن أحلامهم في 2012.. فأين هي؟ «صباح الخير» هل أصبح الحلم بفلوس مثل كل شيء في حياتنا اليوم؟! هل ينبغي علينا أن نتوقف عن الحلم لأننا نعلم علم اليقين أنه سيكبدنا الكثير وقتا ومالاً وحتي إحباطًا من عدم القدرة علي تحقيقه؟! كيف الحال وإذا كانت تلك الأحلام البسيطة لا تحتاج في تحقيقها سوي بضعة جنيهات، ومع ذلك يظل الإنسان عاجزًا أمامها تحول ظروفه المادية المتواضعة بينه وبينها، فقد يكون الفرق بينه وبين حلمه خطوة واحدة. لا، لن تكون تلك العوائق حائلاً بيننا وبين أحلامنا، لن تكون ظروفنا الاقتصادية حائط سد أمام طموحاتنا.. لا لشيء سوي أننا نتمسك بحقنا في الحياة وبأملنا في تحقيقه لأننا لو بطلنا نحلم نموت!! ∎ مش عايز أحلم «عم علي» رجل عجوز جدًا تملأ وجهه شقوق السنين، يبلغ من العمر 07 عاماً.. يجلس عند ناصية الشارع بقفص الفجل والبقدونس والجرجير والليمون. أراه كل صباح وأنا ذاهبة إلي العمل.. ومع بداية السنة الجديدة ذهبت إليه لأسأله عن أحلامه التي يتمني أن تتحقق في 2012. ففاجأني بإجابته عندما قال «وأحلم ليه، أنا مش عايز أضايق نفسي وأعلق أحلامي بأحبال دايبة»، فقلت له «يا عم علي، لازم تحلم ده الواحد لو محلمش حيموت» فقال لي «علي أساس إني لسة مامُتش ده أنا ميت من ساعة ما تولدت.. أقولك إيه بس.. أقولك إن نفسي آكل لحمة بدل الفول والطعمية اللي بهدلوا «قولوني»، وأحيانا عيش حاف ناشف زي الحجر.. نفسي في تعبي أشتري الدواء من الصيدلية مثل باقي الناس بدلاً من أن أذهب إلي التأمين الصحي الذي لم أجد فيه الدواء وأنتظر أسابيع حتي يكون متوفرًا في التأمين لأنه أرخص.. نفسي الناس اللي فوق تحس بالناس اللي تحت لأننا في النهاية ولاد تسعة وسنُحاسب جميعا أمام الله.. نفسي في 2012 أطلع أحج قبل ما أموت ثم ينظر في الأرض ويضحك قائلاً: «نفسي أحصل علي حجرة ملك بدلاً من طردي كل شهر بسبب تأخير الإيجار علي صاحب العمارة». ∎ فكر ألف مرة أحمد مجاهد شاب في الثلاثينيات من عمره يعمل ساعيًا بإحدي الهيئات الحكومية متزوج حديثا. سألته: «ما حلمك في 2012»؟! نظر إلي نظرة ملأها التفاؤل والأمل قائلاً: «نفسي أشتري ڤسبا».. وعندما سألته: «ماذا ستفعل بها؟!».. أجابني قائلاً: «يووه هاعمل بها حاجات كتير قوي.. آه لو تعرفي الڤسبا دي هاتوفر علي وقت أد ايه؟!»، فأنا حتي أصل إلي مقر عملي آخد مواصلتين وتكلفني ساعة ونصف من الوقت، الأمر الذي يتعبني كثيرًا ويرهقني للغاية.. وعندما سألته ماذا ستفعل حتي تحقق حلمك؟ أجابني مبتسماً: لا أخفي عليك أنني فكرت في أخذ قرض من البنك وستساعدني في ذلك الهيئة التي أعمل بها ولكن زوجتي رافضة ذلك الأمر لأنه سيضع فوق كاهلنا أعباءً مادية طائلة، حيث إن قيمة القرض الذي سآخذه تعادل خمسة آلاف جنيه والفائدة علي القرض تساوي ألفي جنيه، الأمر الذي سيجعلني أعيش في حالة من التقشف لفترة طويلة. ∎ نسيت الأحلام من 30 سنة سيدة بسيطة لا تحتاج من الدنيا سوي الستر والصحة وتأمين مستقبل أولادها.. هذه السيدة هي الحاجة «أم محمد» تعمل بائعة مناديل بعد وفاة زوجها وتعول ثلاثة أطفال.. عندما سألتها ما هي أحلامك في 2012 نظرت لي نظرة منكسرة ثم قالت: «هما البسطاء اللي مثلنا لهم أحلام»!! دا أنا نسيت الأحلام من 03 سنة.. ثم تنهدت وكأن نفسها تصرخ بصوت عالٍ ثم قالت «أنا سأقول لك حلمي، بس يارب يتحقق، لأن تحقيق أحلام البسطاء أصبح من أكثر الأشياء التي من المستحيل تحقيقها في بلدنا. توقفت للحظة ثم قالت: «نفسي السنة دي يكون عندي كشك أستطيع من خلاله الإنفاق علي أولادي بدلاً من وقوفي علي الرصيف كل يوم، وأسمع إهانات الناس تُرِن في أذني كل يوم.. نفسي يكون عندي شقة صغيرة تلمني أنا وأولادي بدلاً من الحجرة التي ننام فيها ومعنا مياه المجاري وتشققات جدران الحجرة التي أخشي أن تنهد علي أنا وأبنائي في يوم من الأيام!!.. نفسي الحكومة تعترف بنا علي أننا بشر وليس حثالة المجتمع.. نفسي يهدموا كل العشوائيات ويقوموا ببناء مساكن للبسطاء بدلاً من نومهم علي الرصيف وكلاب السكك تنهش في جسدنا.. ثم توقفت «أم محمد» عن الكلام ورفعت يديها إلي السماء وعينيها مليئة بالدموع وقالت: «يارب حقق لي حلمي، مش عايزة أولادي يكونوا مثلي، نفسي أراهم حاجة كويسة في المجتمع». ∎ في انتظار معجزة صلاح أحمد شاب يبلغ من العمر- 28عامًا- فعلي الرغم من الحيوية والنشاط اللذين يكسوان ملامح وجهه إلا أنك في بعض الأحيان تلحظ حالة من الوجوم والشرود تسيطر عليه، فعندما سألته: «ماذا بك؟!».. أجابني قائلاً: «نفسي يارب يكون عام 2012وشه حلو عليه وأخلص شقتي.. فسألته: كيف؟! فقال: لقد كلفت شقتي حتي الآن أكثر من (30) ألف جنيه حيث أخذت السطوح في عمارة والدي وقمت ببنائه حتي يكون صالحًا لعش الزوجية، ثم سألته: ما الذي ينقصك في الشقة؟! أجابني: كل شيء.. فالشقة مازالت علي الطوب الأحمر ويلزمها دخول الكهرباء والمرافق والسيراميك والمحارة إلي آخره وذلك قطعًا يستلزم مصاريف لا حصر لها.. وكما تعلمين الحال.. فالمرتب متواضع للغاية ولا يكفي لأي شيء. ثم تساءل قائلاً: ثم من هي العروسة التي ستقبل بي وأنا في تلك الظروف؟! هل ستنتظر معي؟! ولكم عام؟!.. فخطيبتي السابقة تركتني لأنني لم أكن جاهزًا وسئمت الانتظار.. فلم يكن بوسعها أن تظل معي- رغم حبها لي-فلم تكن تعرف أن الموضوع سيطول وأننا سنظل بلا شقة طوال تلك الفترة فتركتني. ويستطرد قائلاً: لا تتخيلين كم أثر في ذلك، وكم أشعر بالاكتئاب من حين إلي آخر من ضيق ذات اليد وأنه لم يعد بإمكاني استكمال شقتي.. فأنا شاب مثل كل الشباب أود أن أتزوج وأكون أسرة وأولاد. فسألته: ألم تفكر في أخذ قرض من البنك؟! قال لي: قطعا فكرت، فإذا اقترضت مثلاً (20) ألف جنيه سيأخذ مني البنك فوائد تفوق الأربعة آلاف جنيه.. وكيف لي أن أبدأ حياة قائمة علي الديون خاصة وأنا في بداية حياتي الزوجية؟! في الحقيقة أنا أنتظر معجزة حتي أحقق حلمي الوحيد!! ∎ الحكومة تسيبنا في حالنا عربية الفول هي مصدر رزقي الوحيد.. بهذه الجملة بدأ «عم أحمد»- 54 سنة- كلامه عن أحلامه في السنة الجديدة قائلاً: نفسي الحكومة تسيبني في حالي ومتكسرش عربية الفول التي أسترزق منها، فإما تعطيني محل فول صغير أو تتركني أسترزق من غير أضرار.. نفسي أيضا المسئولين يبطلوا كلام شوية عن العشوائيات ويقوموا بتنفيذ برامجهم.. كفايا كلام من30 سنة نفسي أشوف فعل... أتمني ألا أخجل في معاملتي مع الناس وأتعامل علي أنني مثلهم.. نفسي الحكومة ما تفتريش علي البسطاء الذين يجدوا قوت يومهم بصعوبة وتفتري علي الناس التي نهبت خيرات مصر.. نفسي رئيس الجمهورية القادم يُصب اهتمامه الأول علي البسطاء والعشوائيات ويلبي مطالبهم واحتياجاتهم ويحل مشاكلهم سواء مسكن أو مأكل أو عمل أو تعليم. مصطفي خالد شاب لا يتجاوز عمره العشرين ربيعا وعندما تنظر إلي ملامح وجهه البشوش تري براءة الأطفال فتطمئن وتشعر أن مصر مازالت بخير، تُري ما الذي يكون هو الشُغل الشاغل لهذا الشاب الذي يعمل ساعيا في إحدي المؤسسات الحكومية؟! الإجابة قطعا جاءتني صادمة ليس لأن سنه يحمل العنفوان والثورة والحيوية ولكن لثقافته الكبيرة ووعيه السياسي رغم نشأته في أسرة متواضعة كان الوطن هو الشغل الشاغل لمصطفي، فقال لي: نفسي عام 2012يحمل لنا الأمن والاستقرار.. فكنت العام الماضي أحلم بعودة الأمان للشارع حتي أنزل وأنا مطمئن، ولذلك أتمني أن تعود الشرطة للشارع وعلي الصعيد الآخر أتمني أن أري في نهاية هذا العام رئيسًا لجمهورية مصر العربية يعيد لنا قيمتنا بين دول العالم.