من الصعب على أى صاحب مهنة أن تصبح مهنته "مهنة من لا مهنة له" يدخلها من يشاء بلا تخصص ويترقى بها بلا ضوابط. فمن الممكن فى مهنة الصحافة خصوصا، والإعلام عموما، أن تصبح مقدما لبرنامج فى قناة أو صحفيا مهما كان المؤهل الحاصل عليه، بل من المكن أن تصبح رئيسا لتحرير صحيفة بمجرد حصولك على عضوية النقابة، فالضابط الوحيد هو رضا رئيس مجلس الإدارة أو صاحب المؤسسة الصحفية الخاصة عليك. لقد حرص رجال النظام المخلوع أن تكون الصحافة مهنة بلا ضوابط مهنييه أو أخلاقية وأتذكر ونحن طلاب فى الجامعة كنا نعتقد أن التخصص والموهبة هما الطريق الوحيد للدخول إلى بلاط صاحبة الجلالة، ولكن صدمنا نقيب الصحفيين الأسبق إبراهيم نافع فى عام 1995، عندما رفض مجرد مناقشة وضع ضوابط للالتحاق بالمهنة في مجلس النقابة ، وسخر من مطلبنا الشرعى وهو جعل الألوية للعمل بالصحافة لخريجى كليات وأقسام الصحافة والإعلام، مع السماح للموهوبين من التخصصات الأخرى بالالتحاق بالمهنة، بشرط أن يحصل على دبلومة فى الإعلام -ولو لمدة عام- حتى يدرس فيها مهنة الصحافة وميثاق الشرف الصحفى وغيرها من المواد العلمية التى يحتاجها الصحفى كزاد ثقافى فى عمله. لكن كان واضحا أن نظام المخلوع لم يكن حريصا على وجود مثل هذة الضوابط حتى لا يكون هناك جيل من الإعلاميين المحبين المعتزين بمهنتهم، بل أرادها "مهنة من لا مهنة له". وبدلا من ذلك صنع نظام مبارك على عينه جيلا جديدا من الصحفيين فى الصحف القومية وتليفزيون الدولة فكانت "الشلل الصحفية" التى كانت تحت رعاية كبار رجال مبارك فكانت شلة "الأهرام" بزعامة إبراهيم نافع ومرسى عطا الله وعبد المنعم سعيد " رئيس مجلس إدارة مؤسسة "المصرى اليوم الصحفية " و مجموعة مجلة "الأهرام العربي " التى صدرت برئاسة أسامة سرايا وتلاميذه "خيري رمضان" مقدم البرامج فى السى بى سى حاليا ومجدي الجلاد رئيس تحرير جريدة "الوطن " حاليا "وخالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع الآن وغيرهم من الشلة " التي كانت لها مكانة لدى أجهزة أمن الدولة , أما صحيفة الأهرام نفسها فقد كانت تحت رعاية صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق ورئيس مجلس الشورى السابق بحكم منصبة على اعتبار أنها الصحيفة الشبه رسمية للدولة. أما شلة النظام فى "الأخبار" فكانت بزعامة إبراهيم سعده وعهدي فضلى وجلال دويدار وممتاز القط ياسر رزق " رئيس تحرير المصري اليوم " حاليا و"الجمهورية" بزعامة أفضل صحفي في نظر مبارك "سمير رجب" وتلميذة على هاشم ولعل عشرات الملايين التي أهدرتها المؤسسات القومية على شراء هدايا لكبار المسئولين بداية من مبارك حتى عبد المجيد محمود نائبة العام . حتى في المؤسسات القومية التى كانت أقل فى التوزيع والقبول ونطلق عليها فى الوسط الصحفى " مؤسسات الجنوب القومية "، مثل "روز اليوسف" و"المصور" وأكتوبر وغيرها، فقد حرص نظام المخلوع على إسناد القيادة الصحفية للصحفيين اليساريين والناصريين والعلمانيين ، وعلى إعطائهم هامشا من الحرية الكاملة لتشويه الإسلاميين، وأتذكر أن مجلتى "روز اليوسف" و"المصور" قد تخصصتا فى تشويه الرموز الإسلامية، وكبار الدعاة، ومقالات مكرم محمد أحمد فى "المصور" التى تسخر من الإسلاميين عموما، وعادل حمودة وإبراهيم عيسى، التى حاولت النيل من الشيخ الشعراوى وغيره من العلماء فى بداية التسعينيات موجودة فى أرشيف المجلتين. وهكذا حرص النظام المخلوع على أن يصبح الإعلام -الحكومى منه والخاص الذى سمح به لرجال أعماله المقربين- أداة فاعلة فى نشر الشائعات، وتسطيح العقل، وبث الأكاذيب، وتجهيل الشعب وتضليله، وتقديم المواد التافهة لتسليته والانحطاط بمستواه. ولما قامت الثورة، أيقنت هذه "الشلل الصحفية" التى كانت قد غزت التليفزيون الرسمى والفضائيات الخاصة قبل الثورة أنها لا بد لها من البحث عن سيد جديد، وأن "أكل عيشهم" الذى يبلغ مئات الملايين سنويا لن يستطيع أى نظام اختاره الشعب أن يدفع فاتورته، كما أن النظام المنتخب لن يسمح لرجال أعمال مبارك أن يستمروا فى نهب ثروات الوطن، أو التهرب من حقوقه،فقروا أن يكونوا فى الإتجاة المعاكس . ولذلك أصبحت الصحف والقنوات الفضائية بفضل هذه "الشلل" الصحفية التى كان قد صنعها نظام مبارك على عينه منصات لتضليل الناس، وإشاعة الشك والبلبلة، والتحريض على العنف، ووصف البلطجية بالثوار والمتظاهرين، والمطالبة بعودة الكم العسكري ، وشن حملة مسعورة ضد أول رئيس مدني منتخب وشيطنة جماعة الإخوان القادم منها وأخيرا ما قام به هذه الشلل وغيرها من قلب الحقائق فى أحداث مكتب الإرشاد يوم الجمعة الماضي يؤكد أن الشلل الصحفية والإعلامية مازالت " تعمل على قديمة " وأن الثورة لم تحررهم من رق النظام البائد .