ربما تخيل أعضاء جبهة الإنقاذ أن المصريين سيفتحون أفواههم دهشة وقلقا وهم يسمعون قرارهم بمقاطعة الانتخابات البرلمانية، ولكن المدهش أن أحدا لم يندهش. فالواقع أن سلوك الجبهة ومواقفها أشبه بكتاب مفتوح يسهل أن تتنبأ به وتراهن عليه دون أن تشعر بمقامرة. الجبهة هي حركة مقاطعة وانسحاب منذ يومها الأول، نشأت لتدعو أعضاء التأسيسية للخروج منها، ثم قاطعت بحماسة كل دعوات الحوار الوطني، وقاطعت أعضاءها الذين خرجوا على مقاطعتها للحوار، وعندما تورطت فدعت المصريين للتصويت على الدستور بلا، عادت فصححت خطأها في الجولة الثانية للاستفتاء فدعت للمقاطعة ورفضت النتيجة. والزعيم الروحي للجبهة، هو أهم رمز انسحابي في مصر؛ قبل الثورة تخلى البرادعي عن أنصاره في الجمعية الوطنية للتغيير وانصرف لشأنه الخاص، وبعد الثورة طرح خارطته للطريق فلما اختار المصريون غيرها، قاطعهم جميعا وسعى لعرقلة اختيارهم، وحين أعلن خوض انتخابات الرئاسة لم يستطع مقاومة إدمانه فانسحب مجددا متخيلا أنه سينسف المسار. بعض أحزاب الجبهة الرئيسية أدمنت كذلك مقاطعة كل انتخابات أيام مبارك وإن أدمنت المشاركة في حواراته الصورية، وبعد الثورة خاضت تلك الأحزاب انتخابات البرلمان تحت لافتة الكتلة المصرية، ثم قاطعت انتخابات الشورى الذي لم تتوقع أن يكون ذا قيمة. الانسحاب إذن ليس مدهشا.. فما هو المدهش؟ المدهش هو أن تبدأ كل جملة بعبارة “الشعب يريد”، ثم تحارب كل محاولات الاحتكام لهذا الشعب، وترفض احترام ما يقرره. والمدهش أن تقول إن الأغلبية تؤيدك، ثم تهدر فرصتك لإثبات ذلك. ومدهش أن تسمي نفسك جبهة إنقاذ ثم لا نرى إلا مهارة تصعيد المشاكل ورفض حلول الإنقاذ. أنا واحد من أولئك المؤمنين أن الجبهة تعرف كيف تخذل أنصارها، تماما كما أدمن البرادعي خذل مؤيديه. فالثابت أن اللحظة الراهنة هي الأسوأ في شعبية الإخوان والإسلاميين. والثابت أيضا أن الجبهة كانت نجحت –قبل مواقفها المتأرجحة من العنف وقطع الطرق- في تصوير نفسها بديلا. والثابت الثالث أن كل تصويت بعد الثورة لم يفتقد شروط النزاهة العامة –رغم دعاواهم بعكس ذلك- بفضل إشراف القضاء، والثابت أخيراً أن الانتخابات القادمة هي تصويت ضمني على اسم رئيس الحكومة الذي سيشارك مرسي سلطانه. وفرصتهم الآن تاريخية ليفرضوا ذلك الرجل شعبيا، ثم يحققوا كل مطالبهم مدعومين بالناس والقانون. ما الذي يمنعهم إذن؟ ظني أنهم يخافون من الفوز لا من الخسارة؛ فلو فازوا لصاروا مطالبين بإنقاذ حقيقي –ليسوا في الأغلب قادرين على تحقيقه- ولو حدث ذلك فإن حلم وصول بعض أعضائها إلى قصر الرئاسة لن يتحقق.. في النكتة، قال أحدهم لرئيس عربي إن حل مشكلة فقر بلادهم هو أن يعلنوا الحرب على أمريكا، فتغضب الأخيرة وتقرر احتلالهم ووقتها سيكون على الاحتلال إطعام الشعب وكسوته.. كان حلا عبقريا لولا أن بصيرة الرئيس ألهمته: وماذا لو انتصرنا على أمريكا؟!