* "الحرية والعدالة" داخل إصلاحية بنات العجوزة.. البوابة مفتوحة بلا رقيب والعنابر قديمة * بعض الفتيات أقدمن على الانتحار بسبب سوء المعاملة.. والضرب بالكرباج أبرز وسائل العقاب * رئيس سابق للإصلاحية: الأحداث يتعلمون أولى خطوات الإجرام داخل دور الرعاية * خبير قانونى: بعض المشرفين يدفعون الأطفال للتسول ويقتسمون معهم الحصيلة * محمد زارع: المؤسسات بؤر لتداول المخدرات وتعلم البلطجة تعد مصر من أقدم دول العالم التى عرفت نظام المؤسسات الإصلاحية للأحداث؛ حيث أنشئت أول إصلاحية بها عام 1894 بالإسكندرية، وذلك بهدف رعاية الأطفال الأحداث المتهمين فى قضايا جنائية، وتأهيلهم نفسيا ومهنيا وتقويم سلوكهم، ومع مرور السنين توارى دور هذه المؤسسات وأصبحت أكثر سوءا وأشد خطرا على المجتمع؛ نظرا لما تعانيه من خلل وفساد وإهمال متعمد جعلها مجرد مؤسسات لتفريخ المجرمين والبلطجية؛ حيث يدخل الطفل أو الفتاة إلى الدار ليخرج مجرما يعاقب مجتمعه على ما وجده داخل هذه المؤسسات من سوء المعاملة. ويبلغ عدد مؤسسات رعاية الأحداث بمصر 24 مؤسسة، منها 18 للبنين و6 للفتيات حيث تشترك كلا من وزارة الداخلية والشئون الاجتماعية فى إدارتها، وتختص وزارة الشئون الاجتماعية برعاية مؤسسات أخرى للإيواء يصل عددها إلى 161 مؤسسة، بالإضافة إلى عدد كبير من دور الرعاية الاجتماعية للأطفال تحت سن 15 سنة. وتهدف تلك المؤسسات حسب اللوائح التى تنظمها إلى رعاية الأحداث، وأن تشتمل كل مؤسسة على مدرسة للتعليم الأساسى يقوم عليها مجموعة من المتخصصين؛ حتى تتجاوز المؤسسة دورها من مجرد كونها دارا للإيواء والإطعام والكساء إلى دار لتأهيل هؤلاء الأطفال تربويا ومهنيا ونفسيا. كما يشترط أن يلحق بكل مؤسسة ورش فنية لتعليم الحرف المختلفة من حدادة ونجارة وغيرها من الحرف المناسبة للذكور، أما بالنسبة للفتيات فتكون ورشا لتعليم الحياكة والتدبير المنزلى. جولة على الطبيعة "الحرية والعدالة".. قامت بجولة داخل إحدى هذه المؤسسات، وهى مؤسسة رعاية الفتيات بالعجوزة، أو التى اشتهرت باسم "إصلاحية البنات" بالعجوزة؛ لتتعرف على حجم المعاناة التى تواجهها الفتيات داخل دور الرعاية. فى البداية، ساهم الغياب الأمنى الكامل على البوابة الرئيسية للمؤسسة فى تسهيل دخولنا دون عناء البحث عن حيل لإخفاء صفتنا المهنية، حيث تجولنا فى هذه المؤسسة والتى تشبه فى طبيعة بنيتها الداخلية القصور القديمة المهجورة؛ فالمبانى قديمة للغاية عبارة عن مجموعة من العنابر القديمة الملتصقة مغلقة الأبواب وبكل منها نافذة تتخللها قضبان حديدية يقف من خلفها عشرات الفتيات اللاتى تحمل كل منهن قصة ومأساة حقيقية وراء دخولها هذا الإصلاحية . اقتربنا من إحدى هذه النوافذ، وسألنا آية (18 عاما) والتى قضت من عمرها 4 أعوام داخل هذه المؤسسة عن جريمتها، فذكرت أنها بسبب سرقتها بعض المصوغات الذهبية من إحدى السيدات التى كانت تعمل خادمة فى بيتها، ورفضت هذه السيدة -حسب رواية آية- إعطاءها أجرها؛ فسرقتها انتقاما منها. وتقول آية: إنها ضحية للمجتمع، ولا تستحق الوجود فى هذا المكان، الذى تُعامل فيه بقسوة، تصل إلى حد الضرب بالكرباج، وإجبار الفتيات على أعمال التنظيف الشاقة والطبخ، إضافة إلى رعاية أطفال المشرفات بالمؤسسة، وتضيف أنها كلما فكرت فى الهروب من المؤسسة يتم تهديدها بحلق شعرها (زيرو) كما تم من قبل مع إحدى زميلاتها. أما جهاد (17 عاما) فبدأت حديثها قائلة: "أنا هنا بسبب أمى التى تركتنى وأختى الكبرى لأحد الرجال الأثرياء، تزوجنا بورقة واحدة، وكان يمارس معنا الفاحشة، ويعطى أمى المقابل، وكانت النهاية هو دخولنا السجن فى قضية مخلة بالشرف، كما لاقت أختى نفس المصير، وهى الآن فى إصلاحية أخرى". وتتابع: "أفكر كثيرا فى الهرب من الإصلاحية، بسبب نظرة المشرفين والتى تذكرها بمأساتها، حيث إن بعضهم يعيرها بأمها، ويتطاول عليها بالضرب المبرح، على الرغم من أن هناك مشرفات يتعاملن مع بعض الفتيات السجينات برفق ورحمة". "إحنا هنا عايشين ناكل ونشرب وننام من المغرب زى الكتاكيت، وننضرب بالكرباج لما نغلط، أو حتى من غير ما نغلط، ونتشتم ونتبهدل، لكن رغم هذا الحياة دى أحسن من الرجوع للشارع مرة تانية".. بهذه الكلمات بدأت مريم (17 عاما) من أطفال الشوارع كلامها معنا، بعد أن بدت أكثر تمردا وجرأة من زميلاتها. وتضيف: "أنا مستاءة من الأوضاع هنا، وأكره المشرفة جدا، لأنها هى كمان بتكرهنى وتحرمنى من كل حاجة، وبتفرق بينى وبين زميلاتى فى المعاملة، لكنى مضطرة أتحمل لأن البديل أن أرجع إلى الشارع أتسول وأسرق، ولو اتمسكت هرجع هنا تانى". أما ملك (18 عاما)، فقد رفضت الحديث قائلة: "انتو بتيجو تعملوا أبحاث وتقارير لكن الوضع ما بيتغيرش، يعنى مفيش فايدة من الكلام"، ولم تكمل ملك حديثها معنا، حيث قاطعتنا الأخصائية الاجتماعية، التى رفضت وجودنا فى المؤسسة دون تصريح رسمى، وأمرت البنات بدخول العنابر وحذرتهم من الحديث معنا.