افتتاح معرض الإبداع الدائم لطالبات كلية التربية في جامعة العريش    البيت الأبيض: السعودية ستستثمر 600 مليار دولار في أمريكا    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    100 ألف جنيه تراجعًا بأسعار كوبرا ليون الجديدة خلال مايو.. التفاصيل    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    لوف: أداء منتخب ألمانيا بدوري الأمم الأوروبية قد يعزز فرصها في كأس العالم    أهلي طرابلس الليبي يعلن استمرار حسام البدري مديرا فنيا للفريق    مصرع عامل و6 آخرين في إنهيار سقف مسجد تحت الانشاء ببني سويف    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    الصور الأولى من حفل مهرجان كان.. بحضور جولييت بينوش وروبرت دي نيرو    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    الصحة العالمية: اليمن يواجه واحدة من أكبر فاشيات الكوليرا في العالم    المتحف المصري الكبير يستضيف النسخة ال12 من فعالية «RiseUp 2025»    عدة عوامل تتحكم في الأسعار.. رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية: السوق يعاني حالة ركود تصل ل50%    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية بالتجمع    الداخلية تستقبل الشباب المشاركين فى برنامج القمة العالمية للقيادات الشبابية الإعلامية(فيديو)    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    بملابس جريئة.. ميريام فارس تخطف الأنظار في أحدث ظهور وتغلق خاصية التعليقات    «الكرافتة والسجاد».. ما دلالة اللون البنفسجي في استقبال ترامب بالسعودية؟    رئيس الوزراء يتابع الإجراءات اللوجستية لاحتفالات افتتاح المتحف المصري الكبير    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    مجلس الشيوخ يفتح أبوابه لشباب العالم ويؤكد أن مصر قلب الجنوب النابض    13 ملعقة بماء الذهب.. مذيعة تتهم خادمتها بالسرقة والنيابة تحقق    "الحق فى الحياة وحرمة التعدى عليها" ندوة علمية لمسجد الغرباء بالفيوم    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    محافظ القاهرة: نسعى لتحسين جودة حياة المواطنين بالعاصمة والقضاء على المظاهر العشوائية    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    بين زيارتين.. ترامب يعود إلى السعودية دون عائلته لأول مرة منذ 2017 (تقرير)    التصريح بدفن جثة سائق توك توك لقى مصرعه على يد عاطل فى شبرا الخيمة    السجن المؤبد لشقيقين لاتهامهما بقتل شخص بمركز دار السلام فى سوهاج    "عبدالغفار" يترأس أول اجتماع للجنة العليا لوضع استراتيجية وطنية شاملة لسلامة المرضى    رئيس الوزراء يتابع إجراءات طرح إدارة وتشغيل مشروع "حدائق تلال الفسطاط"    الأعلى للآثار: عازمون على استعادة أى قطع خرجت بطريقة غير مشروعة    النائب مصطفى سالم ينتقد وزارة الشباب: ملاعب معطلة منذ 10 سنوات وعلى الوزارة تحسينها    جامعة قناة السويس تُعلن الفائزين بجائزة "أحمد عسكر" لأفضل بحث تطبيقي للدراسات العلمية    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    لصوص يسرقون مليون جنيه من شركة سجائر بأسوان والأهالي يعيدون المبلغ    غلق 138 محلًا لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    "الصحة": إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    وزير الصحة يؤكد على التنسيق الشامل لوضع ضوابط إعداد الكوادر الطبية    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سوزوكى بالشرقية    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    الخارجية الإسرائيلية: لا نزال نعمل على الوصول لاتفاق آخر مع حماس    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    وزير الصحة يبحث مع وفد البنك الدولي تعزيز التعاون في ملف التنمية البشرية    الاتحاد الأوروبي: لن نستأنف واردات الطاقة من روسيا حتى لو تحقق السلام في أوكرانيا    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    التاريخ يبشر الأهلي قبل مواجهة الزمالك وبيراميدز في الدوري    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    صحة غزة: شهيدان فلسطينيان إثر قصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    الأهلي يحصل على توقيع موهبة جديدة 5 سنوات.. إعلامي يكشف التفاصيل    الدوري السعودي يقترب.. موعد تتويج الاتحاد المحتمل وأمل الهلال الوحيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.د. صلاح الدين سلطان يكتب: مفارقات بين الاغترار والانكسار

الاغترار مرض عضال يصيب القلب، فيُهلك الإنسان فى الدارين، لما رواه مسلم فى صحيحه بسنده من حديث ابن مسعود رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر"، وقد كانت أول كبيرة وجريمة ترتكب فى الوجود هى الاغترار والاستكبار من إبليس اللعين عندما أمره الله تعالى أن يسجد لآدم فأصابته لعنة الغرور فقال: "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (الأعراف:12)، ولذا يُسمى إبليس "الغَرور" كما جاء فى تفسير قوله تعالى: "فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ" (فاطر:5) أى الشيطان، ثم صار داء الفراعنة الظالمين الاغترار والاستكبار، فهذا فرعون يحتقر قومه مستكبرا عليهم، فيقول: "مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر:29)، وقال: "مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِى" (القصص:38)، فكان مصيره هو الغرق، وصار يهتف أنه مثل أى واحد من بنى إسرائيل فقال له ربه: "آَلآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً" (يونس:91).
والعجيب أن يتحول الإنسان إلى حالة من الاغترار والاستكبار تفوق إبليس نفسه، فقد كان ولا يزال إبليس يعترف أن الله تعالى هو الله وحده لا شريك له، لكن فراعنة هذا الزمان قد أصيبوا بداء الاستكبار على الله تعالى بالكفر والعناد، واستكبروا على الناس حتى ظنوا أن العباد جميعا خلقوا لخدمتهم وربما لعبادتهم، واليوم ترى من بقايا الفراعين جزار الأسد الذى يستكبر عن الرجوع للحق، ويمعن فى القتل بأبشع ما عرف على مدار التاريخ، وأرذل ما يحدث نحو النساء والأطفال، وقد ظل مَن هو أطول عمرا فى الطغيان والاغترار وهو حسنى مبارك يسخر من شعبه الذى يسخط من نتائج الانتخابات المفضوحة فى التزوير؛ فيقول: "خليهم يتسلوا" وظل القذافى مستكبرا مهددا أنه سيسحق الجرذان "أى شعبه" فى كل "دار دار وزنجة زنجة..." حتى قُتل فى "ماسورة مجارى"؛ بكبره على الله ثم الناس، وهناك من اعتبروا شعبهم كله صراصير لا تستحق غير الاحتقار والسحق وقتما يريد الجزار صاحب الاغترار.
وعلى كل، تأبى إرادة الله إلا أن تذل أنف المغرورين والمستكبرين، وقد أقسم لى أحد المسجونين أنه يعرف ظالما كان من أوغاد التعذيب للإسلاميين، وكان عندما يرجع لبيته لا تضربه زوجته إلا بالحذاء على رأسه، فيأبَى عدل الله تعالى إلا أن يذل ويكسر كل أنف تورم على الله، أو تعالى على الضعاف من عباد الله، أو استكبر واغترَّ أن يرجع إلى الحق الأبلج الذى يسطع مثل الشمس فى رابعة النهار، فيتكرر قانون الله تعالى على كل الفراعين الصغار أو الكبار؛ لأنه سبحانه بعد أن ذكر من شأن عاد وثمود والفرعون، قال عنهم جميعا: "الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ" (الفجر:11-14).
فالمرصاد سيظل وراء كل أصحاب الاغترار والاستكبار، ولا بد من اليقين أن الله تعالى لا يرضى أن يبقى فى مُلكه مستكبرٌ على الله ذلةً وعبادةً، وعلى الخلق تواضعًا ورعايةً، إلا قصمه وأذله وكسره وهزمه وقهره وقطع دابره، حتى قال تعالى بعد عدد من القصص القرآنى فى سورة القمر: "أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِى الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ" (القمر: 43-44).
أمّا أهل الانكسار بين يدى الله تعالى فيذرفون الدمع سخيا كما قال تعالى: "إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" (مريم:58) فهم أصحاب سجدات اقتراب لا اغتراب، وقلوبهم لا تعرف مع الله غير الذلة والانكسار، وهم أبعد ما يكونون عن الاستكبار كما قال تعالى: "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (السجدة:15).
وهؤلاء من فرط انكسارهم فى الدعاء متضرعين، وانغماسهم فى الذكر خاشعين، لا يرون النعمة قبل المنعم، ولا يرون أنهم مهما أُتوا من المال أو الجاه أو العلم، إلا أن هذا محض فضل على عبد لا يستحق منه شيئا فهو هبة وليس عوضا، وفضل وليس عدلا، ومنحة لا محنة، وخير لا شر فيه، ونور لا ظلمة معه، فالفضل منه وإليه، وهو سبحانه وحده ذو الجلال والإكرام لقوله تعالى حصرا وقصرا: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ" (النحل:53)، فهذه نكرة "مِّن نِّعْمَةٍ" فى سياق النفى "وَمَا بِكُمْ" فتشمل النعم كلها، دقَّها وجلَّها، صغيرها وكبيرها، فيتضلع المسلم مع معين العبودية لله تعالى، حتى إذا خرج إلى الخلق لم يرَ له عليهم من مزية، بل يرى الناس دوما خيرا منه بميزان ومنهج عمر بن الخطاب رضى الله عنه عندما قال: "إنى لأوقِّر الكبير؛ لأنه أكثر منى فعلا للخيرات، وأقدِّر الصغير؛ لأنه أقل منى فعلا للسيئات"، ولله در سيدنا إبراهيم عليه السلام خليل الله على علو منزلته، وحفيده الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم عندما كان دعاؤهما: "تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ" (يوسف: 101).
ومن هذه الشجرة العظيمة الرائدة فى التواضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان يدعو كثيرا: "اللهم أحينى مسكينا، وأمتنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين" رواه الترمذى من حديث أنس بن مالك، وقال: هذا حديث غريب. ولما دخل مكة كان يخفض رأسه ويسبح ربه مستغفرا، حتى إن لحيته الشريفة لتكاد تلمس ظهر دابته لا بطرا على الحق، ولا غمطا للخلق، ولا شماتة فى أحد، بل تواضع القوى، وعفو الأبى: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فكانت منازله عند لقاء ربه سبحانه أن قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم الرفيق الأعلى" البخارى ومسلم من حديث عائشة رضى الله عنها.
فمَن أراد أن يقترب من الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فى الملأ الأعلى، فليغترف من فقه الانكسار مع الحق، والتواضع مع الخلق، ومن أراد أن يصل إلى السحيق الأدنى فليسلك مسلك أصحاب الاستكبار والاغترار، لكن مع اليقين أن قاصمة الظهر مقبلة لا محالة، "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً" (فاطر: 43)
فتخلُّوا عن الاغترار وتحلُّوا بالانكسار يرضَ عنكم الله الواحد الغفار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.