* تحويل القطاع لهيئة اقتصادية يوقف نزيف الخسائر * لا أتدخل فى الشئون الفنية ولكنى أراقب عوائد العروض * البيوت الفنية كالصناديق السوداء.. رقابتها شبه مستحيلة قال الدكتور خالد عبد الجليل -رئيس قطاع الإنتاج الثقافى بوزارة الثقافة-: إن دوره الرئيسى أن يتابع كيف يتم صرف الأموال المخصصة لإنتاج المسرحيات والأعمال الفنية، باعتباره نوعًا من الرقابة المالية والإدارية، مشددًا على أن أزمة قطاع الإنتاج الثقافى لن تنتهى إلا من خلال تحويله لهيئة اقتصادية يكون هدفها تقديم إبداع ولكنها لا تخسر الأموال. ورفض عبد الجليل، فى حواره مع "الحرية والعدالة"، الحديث الذى يقول إنه هبط بالباراشوت على البيوت الفنية للمسرح والفنون الشعبية والهناجر والمؤسسات التابعة لقطاع الإنتاج الثقافى ليحكم قبضته الحديدية عليها، مؤكدًا أن دوره هو الرقابة وإيقاف إهدار المال العام فى هذا القطاع تحت بند الاستقلال والإبداع... مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالى: بداية، لماذا يلقبك البعض ب"الرجل الأخطر" على مستوى المسرح؟ المسألة تبدأ بالفهم الخطأ لمهمة واختصاصات رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، فالمسئول الذى يحتل هذا الموقع هو المسئول ماليا وإداريا عن جميع الجهات التابعة له، والتى من ضمنها البيت الفنى للمسرح والفنون الشعبية وغيرها، كما أن الأزمة لها جذور منذ أن كانت هذه البيوت تابعة للمجلس الأعلى للثقافة، فكان رؤساء البيوت لهم اختصاصات مالية وإدارية، وعندما أنشئ القطاع سحبت هذه الاختصاصات وأصبحت فى يد رئيس القطاع؛ لأن القانون يسمح للوزير بتفويض صلاحياته للدرجة الأدنى مباشرة. هل هذا يعنى أن يكون رؤساء البيوت الفنية مجرد "خيال مآتة"؟ على العكس تماما.. لنتصور أننى رئيس مجلس إدارة لمؤسسة أو نادى، فرؤساء البيوت هم المدربون ومنوط بهم وضع الخطط الفنية للتدريب وخطط اللعب وهكذا.. لذلك أعتقد أن المسألة أيضا لها علاقة بالفهم الخطأ لدى بعض رؤساء البيوت والفنانين؛ لأننى عندما كنت رئيسا للمركز القومى للسينما لم يكن لدى أى نوع من الصلاحيات المالية. ومع ذلك أعدت هيكلة المركز وعقدت اتفاقية مع الجانب الفرنسى للتعاون فى مختلف المجالات، وشكلت مجلس إدارة للمركز بحيث أصبح المركز هو الجهة الوحيدة التى تمثل الدولة فى علاقتها بالسينما، وأعدت دعم الأفلام والمهرجانات للمركز، ولم أكن فى ذلك الوقت أملك أى اختصاصات، وكنت ألجأ لاعتماد كل قراراتى المالية والإدارية من رؤساء القطاعات المختلفين، ولم يحدث أى مشاكل بينى وبينهم؛ لفهمى لطبيعة دورى ودورهم. ما ردكم على تمسك المسرحيين بكامل الصلاحيات لرئيس البيت الفنى؟ من حقهم المطالبة بذلك، وإلى أن يتحقق لهم ما يريدون بتغيير البيت إلى قطاع فسيظل الوضع كما هو، خاصة أننا لم نسمع عن مطالبات رؤساء الإدارات المركزية بقصور الثقافة أو الفنون التشكيلية أو الأوبرا بأى تفويضات مالية، وعلى مستوى العالم كله يوجد ما يسمى بالقطاع السمعى البصرى أشبه ما يكون بدور القطاع مهمته أن يكون العقل التنظيمى ماليا وإداريا بين المؤسسات المختلفة، على عكس الوضع الموجود الذى يوحى بأنها مؤسسات مستقلة. فالرؤية البانورامية من رئاسة القطاع تسمح لى بالنظر فى الخلل ببنوده المختلفة فى هذه البيوت ومعالجتها، وهى التى سمحت بإقامة عروض مسرحية على مسرح صلاح جاهين بالبالون لأول مرة، وكذلك الاستفادة من جميع الإكسسوارات والديكورات والملابس بالمواقع المختلفة للبيوت عن طريق إعادة تدويره. وهل يجوز لك أن تتدخل فنيا؟ غير جائز أو مطلوب منى ذلك على الإطلاق.. وأتحدى أى شخص يثبت أننى تدخلت فى أى قرار فنى لأى جهة تابعة لى، ومن المضحك أن يستاء المديرون الماليون فى البيوت من توقيعى بأنها على مسئولية واضعيها وموقعيها، ولكن من حقى أن أتابع كيف يتم الصرف باعتباره نوعا من الرقابة المالية والإدارية. فعندما جئت اكتشفت أن هيئة المسرح نتيجة للتعامل بمنطق الاستقلالية صرفت 6 ملايين جنيه لإنتاج مسرحيات و2 مليون للدعاية، ولم تتعد الإيرادات حوالى 400 ألف جنيه، وهنا يصبح دورى مرتبطا بعدم السماح بإهدار المال العام تحت بند الاستقلال. البعض يرى أن ذلك سيكون ارتدادا عن مبدأ الدولة بدعم الثقافة، ما ردكم؟ دعنا من العبارات الجاهزة والمقولبة، وإلا فكيف أعرف أن الخدمة الثقافية وصلت وحققت هدفها، ولن يكون ذلك إلا عن طريق عدد المشاهدين، فإن لم يكن هناك مشاهدون فإلى من ذهبت الخدمة؟! وهل استطعت تطبيق ذلك فعليا؟ بنسبة ضئيلة.. نظرا للمقاومة الشديدة للدخول فى المنظومة الإدارية الداخلية المنغلقة على ذاتها لكل بيت، التى تصر على استمرار هذه الأوضاع حتى تصبح هذه البيوت كالصناديق السوداء لا يعرف أحد كيف تدار أمورها المالية من الداخل، وإذا كان لدينا نية صادقة لمحاربة الأنواع المختلفة من التراخى المالى والإدارى، وفى بعض الأحيان الفساد فما الذى يضير هذه المنظومة من أن يكون هناك مراقب يدعى رئيس قطاع لهذه التصرفات. وهل هذا يعد اتهاما صريحا بالفساد؟ لا أستطيع اتهام أحدا بالفساد، ولكننى أمارس عملى بكل شفافية ووضوح، حتى ولو تضايق البعض لأننى صارم جدا فى توقيعاتى المالية. كيف ترى واقع المسرح فى الفترة الحالية وما يقال عن انهياره؟ المسرح فى أزمة منذ منتصف السبعينيات، وازدادت وتفاقمت فى العقود التالية، لذلك أندهش جدا مما امتلأت به الصحافة فى الفترة الأخيرة من حديث يتحول إلى صراخ فى بعض الأحيان أن المسرح ينهار وأن المسارح أغلقت، رغم أن الفترة الماضية كانت تمثل محنة للوطن بأكمله انتقل فيها الوطن من الحكم العسكرى إلى الحكم المدنى وأجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية وضربت الاعتصامات والإضرابات البلاد، وفى هذا السياق يبدو الصراخ عن أزمة المسرح وكأنه سؤال المؤامرة لأسباب تخص الصارخين، خاصة مع الأزمة المالية الحالية. ما علاقة الأزمة المالية بالإبداع؟ هذه الأزمة أثرت بشكل كبير على أداء وزارة الثقافة كلها وليس المسرح فقط؛ لأننا نتحدث عن وزارة بها ما يزيد على 50 ألف موظف تمر بأوضاع مقلوبة لا تملك تجاهها إلا أن تطرح عدة أسئلة، فمثلا ما معنى أن تكون ميزانية المركز القومى للسينما 11 مليون جنيه منها 9,5 ملايين مرتبات. وأى واقع اقتصادى يقول: إن ميزانية البيت الفنى للمسرح تقترب من 45 مليون جنيه لا تتجاوز ميزانية الإنتاج الفنى بها سوى 6 ملايين فقط، أى أن كل جنيه ينفق على الإنتاج يقابله 4 جنيهات على الجهات الإدارية، وهذا أيضا هو الفساد بمعناه التراكمى عبر العقود المختلفة نتيجة السياسات الخاطئة عبر الحكومات المختلفة. وكيف يمكن إصلاح هذا الوضع؟ لا بد فى البداية من إيجاد حل للاستفادة من هذه الكتلة البشرية التى لا يعمل معظمها فى تخصصه قبل البحث عن أزمة الإنتاج المسرحى، فكيف يمكن أن يدار إنتاج فنى لفنانين هم فى الأساس موظفون وأنت مضطر أن يقوموا هم بجميع الأعمال الفنية؟ وهذا حقهم إلا أن عددهم لا يزيد عن 600 فنان فى مقابل ماكينة إدارية تتجاوز 1900 إدارى. فنحن أمام منظومة تمثل واقعا شائكا، خاصة مع تكوين أصحاب المصالح لجماعات استفادت وأصبح الفساد معها منظومة لا يتحملها رئيس المؤسسة وحده؛ لأن بعض العاملين فى هذه المؤسسات قد كبروا وأصبح لهم أنياب وأظافر، وإذا أردت أن تفكك هذه المنظومة فأنت فى حاجة أولا إلى وقت بشرط توافر المناخ الكامل من القوانين الصارمة والقضاء واليد القوية للدولة. وماذا عن جهاز التنسيق الثقافى الذى اقترحته؟ أرى من خلاله أن الثقافة ليست كتبا وأفلاما ومسرحيات ومعارض فقط، علينا أن نخرج من عباءة ثقافة المهرجانات التى تحتفى بالمنتج الثقافى ولكنها لا تساعد على خلق متذوق لهذا المنتج، وعلينا الآن الخروج من جذب مستهلك الثقافة إلى صناعته عبر مشروع أطلقت عليه "التنسيق الثقافى"، يكون دوره إعداد برامج للنشء والشباب بل وللأطفال، وهذه البرامج سوف تعد بالتنسيق بين وزارة الثقافة والشباب والرياضة والتعليم والإعلام، وتتضمن العمل على برامج فى المدارس والجامعات ومراكز الشباب والنوادى، وهنا فقط تكون البداية الصحيحة لصناعة مستهلكى الثقافة. وهل يمكن تحويل القطاع إلى هيئة اقتصادية؟ بالطبع، وإذا تم ذلك فإنه سيحقق أمرين: الأول هو الاستفادة من التراث الفنى الموجود فى القطاع وتسويق الأعمال المنتجة بنظام بيع ما قبل الإنتاج، وكذا استغلال ما يمكن أن يسمى ب"الأوت دورز" فمن غير المنطقى أن يكون لدينا هذا الكم من الأصول والفنانين ولا نستطيع استغلالها بشكل اقتصادى نسبيا، بمعنى أن يؤدى القطاع دوره كهيئة خدمية ثقافية مع وضع بعد اقتصادى لها فقد انتهى عصر كان الإنتاج الفنى فيه طفل تعوله الدولة ولا بد أن نكسب مما نقدمه أدبيا وماديا.