لم يكن لثورة الخامس والعشرين من يناير أن يكتب لها النجاح باقتلاع جذور النظام البائد الذى جثم على صدر مصر ثلاثة عقود كاملة، إلا بدماء شهداء الثورة التى فتحت الباب أمام تحقيق حلم التغيير.. الشهداء قدموا للوطن أغلى ما يملكون، وضربوا أروع الأمثلة فى التضحية بأنفسهم من أجل أن يرسموا وجها جديدا لمصر، وجه يشرق بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ويحفظ حقوق الجميع فى وطنهم الذى افتقدوه لسنوات طويلة. عامان من التضحية بدأهما مصطفى الصاوى وأحمد بسيونى، واختتمهما إسلام مصطفى وجيكا ومحمد الحسينى، طابور شهداء اصطف أمام بوابة الوطن.. استهدفوا "العيش والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية"، خرجوا يوم 25 يناير 2011، واضعين أرواحهم على كفوفهم فداء للوطن، ضحوا بأحلى ما لديهم وهى أرواحهم ليواصل غيرهم المسيرة حتى نهايات 2012. "استشهاد محمد الحسينى".. طفلة لم يتجاوز عمرها الأسابيع القليلة جاءت للعالم فى الوقت الذى ودعه فيه والدها محمد الحسينى، شهيد جماعة الإخوان المسلمين أو "شهيد الشرعية" خلال أحداث الاتحادية؛ حيث سالت دماؤه وهو يدافع عن حق المصريين فى استمرار أمل الثورة بكامل أهدافها برئاسة رئيس مدنى منتخب. محمد الحسينى لم يكن وحده الذى بذل روحه من أجل الشرعية، بل صحبه 9 من خيرة شباب جماعة الإخوان ليرسموا معنى جديدا من معانى النضال والبذل، فالعالم كله عرف الاستشهاد والتضحية من أجل معارضة نظام فاسد ظالم، غير أن شهداء الإخوان ال10 خلال أحداث الاتحادية، ومنهم: محمد خلاف عيسى، محمود محمد إبراهيم أحمد، محمد فريد أحمد سلام، عبد الله عبد الحميد نصار، هانى محمد سند، ياسر محمد إبراهيم، محمد سعيد سلام، راحوا ضحية المعارضة التى تحاول إسقاط الشرعية. شهداء الشرعية لم يقعوا أمام قصر الرئاسة فى الاتحادية فقط، وإنما كان هناك غيرهم ممن استشهد خلال حماية مقرات الجماعة وحزب الحرية والعدالة، مثل الشاب إسلام مسعود، الذى أعلن باستشهاده بدء عهد جديد يُجبر العالم بأسره على احترام معنى الشرعية واختيار شعب بأسره انحاز لشرعية الرئيس المدنى المنتخب وتعهدوا بالدفاع عن الاستقلال، بعيدا عن التبعية "الفلولية" والخارجية لهدم حلم ملايين المصريين فى ثورتهم. شهداء فترة أحداث الاتحادية وما سبقها من أحداث متزامنة مع ذكرى محمود محمود مثل الشهيد "جيكا" كانوا دلالة لا يستهان بها على أن هناك أيادى خفية أعلنت الحرب على الثورة وعلى الرئيس المنتخب الذى حاول منذ توليه منصبه ضبط إيقاع استخدام العنف. 74 شابا من خيرة وأنشط مشجعى كرة القدم فى مصر "ألتراس أهلاوى" راحوا ضحية أحداث غادرة مطلع فبراير 2012 فى استاد بورسعيد فيما عرف "بمذبحة بورسعيد" عقب مباراة كرة القدم بين الأهلى والمصرى، وما زالت دماؤهم تبحث حتى الآن عمن تحاكمه. "مجلس الوزراء.. محمد محمود.. ماسبيرو".. أحداث احتلت 3 أشهر من عمر الثورة المصرية سالت خلالها دماء جديدة خلخلت دور المجلس العسكرى فى عيون شباب الثورة والشعب المصرى لما قامت به الشرطة العسكرية من انتهاكات واستخدام شديد للعنف حينها ضد المتظاهرين، أبرزها ما أسمته وسائل الإعلام ب"موقعة العيون" خلال أحداث محمد محمود الأولى التى شهدت حالات فقأ لعيون المئات من شاب الثورة، وحادث الاعتداء على "ست البنات"! فأحداث مجلس الوزراء جسدت المعنى الحقيقى للإسلام الوسطى بعدما استشهد الشيخ عماد عفت "أحد شيوخ الأزهر" خلال تواجده فى مبادرة تهدئة بين المتظاهرين وقوات الأمن، وأعقبه بأيام قليلة استشهاد علاء عبد الهادى طالب الطب الذى حرمته رصاصة طائشة سكنت رأسه من استكمال مشواره فى كلية الطب الذى انتهى بدرجة "امتياز" رسمت الحسرة على وجه والدته بدلا من أن تشعرها بنشوة نجاحه، فمنحته تلك الرصاصة شهادة أسمى وأعلى ليخلد بجوار عفت وأقرانه. لم تكن الأحداث السابق ذكرها وليدة لحظتها، وإنما نتاج لثورة تفجرت فى 25 يناير 2011 وراح ضحيتها مئات الشباب وأصيب أضعافهم، خلال أيامها ال18 بداية من شهداء تظاهرات السويس يوم 27 ومرورا ب"جمعة الغضب" التى امتلأت فيها ميادين القاهرة والمحافظات بالدماء، ثم شهداء موقعة الجمل واللجان الشعبية وحتى إعلان إسقاط النظام. فعلى كوبرى قصر النيل قامت قوات داخلية المخلوع بمحاصرة مئات المتظاهرين خلال محاولتهم الوصول لميدان التحرير، وعقب أدائهم صلاة العصر -التى أمطرتهم خلالها قوات الأمن بخراطيم المياه الساخنة– انهمرت قنابل الغازات المسيلة للدموع وتلاها الرصاص الخرطوش والمطاطى والحى؛ ليسقط مصطفى الصاوى والدكتور أحمد بسيونى والشيخ أحمد عبد الرحمن وغيرهم أحياء عند ربهم يرزقون. انسحاب الشرطة من الشوارع وحالة الانفلات الأمنى والإعلامى، لم تكن آخر أدوات النظام البائد لحصار الثورة وإجهاضها، فتارة تقرر شركات الاتصالات مهادنة النظام بقطع الاتصالات عن المتظاهرين، وأخرى يقتحم البلطجية المحال والشوارع لإرهاب أصحابها خلال فترة اعتصام سلمى اتسم بكافة مظاهر الرقى والتحضر أمام العالم بأكمله. "الخيالة وصلوا".. جرس إنذار أطلقه معتصمو ميدان التحرير قبيل موقعة الجمل بدقائق، فقطعت الصورة السلمية التى عمت الاعتصام السلمى ليبلغ النظام السابق ذروة طغيانه بإطلاق مجموعة من البلطجية إلى ميدان التحرير مطلع فبراير 2011 ليسقط شهداء جدد يسجلون أسماءهم بأحرف من نور فى طابور شهداء الثورة. "أنا هسبقك وأسلملك على سيدنا حمزة".. آخر الكلمات التى تفوه بها الشهيد عبد الكريم رجب للشيخ صفوت حجازى قبل أن يسقط شهيدا، ليلحق بناصر عويس وغيرهم ممن كانت "موقعة الجمل" هى نقطتهم المضيئة للتحول بنجاح الثورة من مجرد حلم إلى حقيقة على أرض الواقع.