عام على أحداث مجلس الوزراء التي لم تعرف دماء شهدائها قصاصا حتى الآن، والثابت ما بين العامين الماضي والحالي هو مشهد الدماء، والمتغير هو تبدل الأرقام في أجندة الوطن وفقا لترتيب عددي للسنوات، والأشخاص الذين أدركهم التغيير بفعل ضغط ثوري أدى إلى صناديق انتخابات رئاسية ممهورة في كافة أرجائها بلون الدم. المشاهد الدامية التي لايعرف فيها المقتول لماذا قُتل؟ عرض مستمر من مجلس الوزراء إلى محيط قصر الاتحادية، لم يتغير في وطن فارقته بوصلة «استقراره» سوى رئيس أتى بشرعية الصناديق بديلا عن مجلس عسكري تقلد مقاليد الحكم على حين غفلة من الثوار بعد تنحي الرئيس المخلوع. قبيل منتصف ديسمبر من العام الماضي كان المد الثوري بالغا ذروته في أعقاب نهر من الدماء جرى في محيط شارع محمد محمود، انقسم الميدان إبان اعتصام طويل المدى استمر قرابة 15يوماً حول مطلبين أحدهما مجلس رئاسي مدني يدير شئون البلاد نظير سقوط شرعية النظام الحاكم حينئذ بعد فقء أعين الثوار، ومضاعفة قائمة الشهداء، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من بين شخصيات طرحها الميدان من هم «د.محمد البرادعي، ود.عبدالمنعم أبوالفتوح، وحمدين صباحي»، إزاء المطلبين فاجأ المجلس العسكري الجميع بتشكيل حكومة يتزعمها د.كمال الجنزوري بمباركة «إخوانية» تسير عكس تيار الميدان أملا في إمضاء انتخابات مجلس الشعب وقتئذ. ورئيس الوزراء الذي لم يرض عنه قطاع كبير من الثوار، افتتح خطابه بتأكيد عدم استخدام العنف ضد أي متظاهر في عهده، حتى ولو بالقول. تراصت الخيام على جانبي شارع مجلس الوزراء، وأغلق الشارع من الجانبين تأميناً للمعتصمين، بينما ظل مبنى مجلسي الشعب والوزراء في حراسة قوات الجيش. هادئة كانت أجواء اعتصام مجلس الوزراء حسبما عايشتها ليالى متتابعات غاب عنها ضجيج الباعة الجائلين، وتوسط الشارع نعوش رمزية ل«شهداء محمد محمود»، معتقة ب«رائحة الوطن» الهائم عشقا ل«ثورته» حينئذ.. ضيق مساحة محيط الاعتصام يضع المعتصمين طوعا تحت قاعدة «نحن هنا عايشين في كبسولة»، فيما يعني استحالة عمليات الكر والفر إبان إلى إقدام على فض الاعتصام بالقوة، في المقابل يتوقع المعتصمون «إراقة دماء» الجميع، أو على أسوأ تقدير «إلقاء القبض» عليهم، رغم ذلك يبقى سقف المطالب محتفظا بعلوه، وملخصا في «إقالة حكومة الجنزوري».. على أعتاب بوابة الاعتصام تقف شرعية «حكومة الإنقاذ» حسبما أطلق عليها المجلس العسكري وقتئذ.. القصاص عنوان يتوسط بوابة «مجلس الوزراء»، يخطف أبصار من اقترب من محيط منطقة الاعتصام، يبرز بجلاء لون الخط الأبيض، على أرضية البوابة «الصماء» ذات اللون الأسود، لمقر لم يطأه كمال الجنزوري إلا بعد 30 يوماً أو يزيد من توليه مهام منصبه إلا على دماء جديدة وفضيحة»تعرية فتاة مصرية» ستلاحق من عايشها مسئولا حتى حين، وعلى امتداد الخيام كانت لافتة تحتضن مايدور بالعقل الجمعي ل«الثوار» عبر أبيات زجلية ثلاثة تقول: «وفروا كل الكلام،مش هنفض الاعتصام، إحنا عايزين دم الشهداء، زي ماقال شرع الإسلام، ولوهتمشونا بالعافية.. هنسكن حارة الانتقام».. تلك العبارات تختصر على المسئولين مهام التفاوض «منزوع الفائدة»، وتنذر ب«خطر المواجهة» الذي يزيد الجراح عمقا، وكأن ليل تلك الأجواء لم يرحل بعد. فض الاعتصام بالقوة، خيار لم يكن بعيدا عن أذهان الجميع، يعزز منه وفقا لتقديرات أحمد سليمان-أحد المعتصمين حينئذ تصريحات متتابعة من وزراء الحكومة الجديدة تحمل نفيا قاطعا ل«استعمال» القوة مع المعتصمين، وربما اعتبروا أن تشكيل وزارة الإنقاذ كما يسمونها خطوة نحو تعليق الاعتصام، لكن ذلك لم يحدث. خطتان معدتان مسبقاً ل«استقبال الجنزوري» ، إذا أصر على عقد اجتماع بحكومته في مقر «المجلس»، أحدهما والحديث ل«سليمان»،الدفع ب« عشرة أفراد» من المعتصمين لاستقباله ليس لعرض مطالب، وإنما لتوصيل رسالة مختصرة هي «يادكتور كمال ياجنزوري حكومتك غير شرعية»، أما الثانية فستحددها مجريات الأحداث. «لدي يقين أن مطالب الثوار ستنتصر، بس مش عارف هيبقى فيه دم كتير ولا قليل»، كانت تلك العبارة التي يمتزج فيها التفاؤل بالقلق ل«مايكل يوسف» أحد مصابي أحداث محمد محمود وصاحب العلم الأشهر في الميدان الممهور ب«رسم تعبيري» ل«الهلال والصليب» من ناحية، وكلمة «حرية» من ناحية أخرى، لافتاً إلى أن الثورة تثبت يوما بعد يوم أنها ثورة مستقلين بعد، تخلي بعض القوى السياسية عن أهدافها. مايكل الذي أصيب ب«خمس طلقات خرطوش» في الصدر والبطن، كان يخشى من فض الإعتصام، بسبب قلة عدد المشاركين، وعن نية الانتقام وقتئذ قال «الانتقام بالنسبة لي هو رفع العلم، والمشاركة مع المعتصمين، فقط من أجل دماء الشهداء»، وبنبرة غالبتها الدموع تضاعفت الجراح بعد مقتل صديقي «مينا دانيال»، وهو ما يدفعنا إلى التضحية في سبيل تحقيق مطالبنا، حكومة ثورية بقيادة البرادعي، أو مجلس رئاسي مدني، والعام بلياليه وأحداثه مر والعودة لاتزال إلى النقطة صفر. مايكل يوسف، لم ينس في ثنايا حديثه الإشادة بصديقيه «مايكل كرارة، وطارق معوض» اللذين حملا العلم خلال الأحداث، مما دفع بعض الفضائيات إلى عمل «فيلم تسجيلي» عنهما يحمل عنوان «حكاية علم»، وأذكر مدخل الخيمة الذي كانت تجاوره حينئذ لافتة تحتضن صورة «مينا دانيال» وتحمل عبارة «عندما يذهب الشهداء إلى النوم، اصحو وأحرسهم من هواة الرثاء، وأقول لهم تصبحون على وطن».. نقطة التحول في أحداث مجلس الوزراء جاءت في واقعة «عبودة» أحد شباب الألتراس الذي تجاوز سور مبنى المجلس لإحضار الكرة التي أشعلت الموقف بين المعتصمين وقوات الجيش، وسقط «عبودة» ضحية فاتحا الباب أمام صراع استمر مايقرب من 10أيام. ظل الاعتصام قائماً، بينما انتشرت بعض الخيام بميدان التحرير لدعم المعتصمين هناك، وجاءت واقعة الفتاة التي تمت تعريتها أثناء فض الاعتصام بالقوة في 16ديسمبر، لتحول مسار الأحداث إلى عنف مضاد ،دفع إلى تواصل المسيرات الغاضبة في كافة المحافظات اعتراضاً على سياسات المجلس العسكري، وتوافد المعتصمون إلى الميدان.. شهدت الأحداث التي تشبه في بدايتها ماجرى أمام قصر الاتحادية هذا العام، وحريق المجمع العلمي، ومقتل الشيخ عماد عفت، وبناء الأسوار الخرسانية في شارع قصر العيني، ومطاردات مستمرة بين الأمن والمتظاهرين، ثم اعتداءات صارخة على أطباء المستشفى الميداني بمسجد عمر مكرم، ودخل أطفال الشوارع على خط المعادلة الدائرة بين الثوار من ناحية والمجلس العسكري من ناحية أخرى. الفارق بين ماجرى أمام مجلس الوزراء في العام الماضي، ونظيره أمام قصر الاتحادية يتلخص في عبارة «أخونة العسكر، وعسكرة الإخوان»، اعتصام مجلس الوزراء شرع في فضه قوات الجيش بالتعاون مع جنود الأمن المركزي، بينما في محيط الاتحادية تطوع شباب الإخوان بفض اعتصام قليلة خيامه ضاق بها محيط القصر حسب رؤيتهم ، والتبريرات لدى الجانبين كانت ولاتزال تصب في الدفاع عن الشرعية، الأولى كانت ل«الجنزوري» الذي أصبح شرعيا على جثث شهداء مجلس الوزراء المحسوبين ضمن شهداء الثورة حسبما أكد الرئيس محمد مرسي هذا الذي استمد شرعيته من ميدان التحرير ،وسقط في معركة الدفاع عنها 10 شهداء أمام قصره. كان البرادعي إبان أحداث مجلس الوزراء قاب قوسين أو أدنى من تولي رئاسة حكومة الإنقاذ الوطني –بحسب إرادة الشارع الثوري، بينما إرادة الإخوان حينئذ حالت بينه وبين الوصول إلى قيادة مصر الثورة. وفي ديسمبر 2012 يهدد البرادعي منزوع المنصب الرسمي عرش الرئيس مرسي هذا الذي فضل عليه كمال الجنزوري بعد هدوء عاصفة أحداث محمد محمود. وديسمبر ما بعد الثورة يبدو أنه شهر العزل الشعبي ل«الإخوان المسلمين»، إبان أحداث مجلس الوزراء دعت القوى الثورية إلى مليونية «حرائر مصر» دفاعا وتضامنا مع الفتاة التي جردت ملابسها أمام كاميرات الفضائيات التي كانت ترصد فض الاعتصام، والإخوان المسلمون وقتئذ يجهزون للبرلمان دون تضامن مع الفتاة يحفظ للميدان –من وجهة نظر الثوار وحدته تجاه المجلس العسكري. فعاليات تلك «المليونية» تضمنت لافتة تسخر من مقاطعة الإخوان المسلمين والسلفيين للميدان تحمل عبارة «انت فين ياسلفي.. انت فين يا إخواني... أختنا اتعرت في التحرير... فالح بس تاكل وداني..أنا عايز أختي كاميليا وعايز أختي عبير»، واللافتة كانت ل«الشاب إكرامي عبد العظيم»، القادم من دمياط للقاهرة للمشاركة في جمعة «رد الشرف لحرائر مصر». حمل إكرامي لافتته وسط الميدان، ساخرا من حرص الإخوان والسلفيين، على كعكة مجلس الشعب، وخروجهم في مسيرات حاشدة، للمطالبة بكاميليا شحاتة وعبير فتاة إمبابة في الوقت الذي لم يسمع لهم صوت بعد تعرية إحدي الفتيات في أحداث مجلس الوزراء من قبل قوات الجيش. وديسمبر «الاتحادية» فوجئ الإخوان المسلمون بمسيرات حاشدة تستهدف قصر الاتحادية اعتراضا على إعلان دستوري صادر عن الرئيس محمد مرسي يتضمن تحصين قراراته من الطعن. الجماعة التي باتت حاكمة فعلياً تعرضت لحملة منظمة نالت من مقرات ذراعها السياسية حزب «الحرية والعدالة» بالحرق، ومثلما لم تصدر الإدانة في ديسمبر الماضي ل«تعرية الفتاة» شربت الجماعة من الكأس ذاتها وتأخرت إدانات القوى السياسية الرافضة لممارساتها لحرق مقراتها. في أعقاب مجلس الوزراء كانت الجماعة ومعها التيارات الإسلامية منشغلين ب « البرلمان»، وعقب «الاتحادية» تأتي غزوة أخرى من غزوات الصناديق وهي المعركة الحاسمة «الاستفتاء على الدستور». أي فوز تحققه جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» في الجولة الأخيرة من المرحلة الانتقالية محمل بصعاب «تحقيق القصاص» للشهداء الذي تعهد به الرئيس محمد مرسي، مع إضافة ال10 الأواخر من شهداء الاتحادية إلى القائمة.. كان النظام الحاكم الذي لم يظهر في عهده جانيا على مدار أحداث متتابعة قد افتتح عهده بتحية عبقرية ل«شهداء 25يناير»، ومثله فعل الرئيس على منصة التحرير فاتحا صدره للجميع وصادعا بعبارة «حق الشهداء في رقبتي».. في ذكرى مجلس الأحداث التي تتواكب مع اهتزاز واضح في مؤسسة الرئاسة ستخرج قطعا مسيرات الذكرى إلى القصر المتعهد ب«القصاص» ويدوي الهتاف هنالك في جنبات القصر من قتل «الشيخ عماد عفت» قبل عام ..وشهداء مجلس الوزراء هؤلاء الذين سقط معظمهم في فترة الشروق على مدار 5أيام متواصلة.. وحددت دماؤهم موعد الانتخابات الرئاسية التي جاءت بك سيادة الرئيس... ومن قتل الحسيني أبو ضيف هذا العام.