قد يعتقد البعض أن ما مر بالثورة المصرية من مخاضٍ صعبٍ عسير فى أغلب الأحيان إنما هو شىء غير طبيعى، لكن حينما ننظر إلى التجارب الأخرى الشبيهة بنا نجد أننا ولله الحمد قد قطعنا شوطا كبيرا صوب تحقيق أركان الدولة الديمقراطية المدنية الدستورية الحديثة. لقد مرت الثورات الفرنسية والبرتغالية والجورجية بأكثر مما مرت به ثورتنا الغالية، ولكن بقليل من الصبر وكثير من الحكمة استطاعت تلك الدول أن تعبر طريق الديمقراطية بسلام وأمان وئام. ولعل الشبه الكبير بين مصر وتركيا هو ما جعلنى أكتب عنوان هذا الموضوع، فلقد مر حزب العدالة والتنمية التركى بأكثر مما مر به حزب الحرية والعدالة المصرى ولكنها سنة الله فى التغيير، فمن يصبر ويجتهد ويحتسب يأته النصر والبركة والتمكين. لقد جثم حزب الشعب الجمهورى على قلب تركيا لعقود طويلة مؤسسا لقواعد الدولة العلمانية بأقبح صورها، فاعتبر الحزب نفسه حزب الطليعة ونصب نفسه وصيا على الدولة كما تفعل ما تسمى بالنخبة لدينا الآن، فاعتبر الشعب أميا لا يفقه شيئا، وهم الأوصياء عليه ولقد عبر المفكر الأرمنى التركى "إتيان محجوبيان" عن ذلك بقوله "إن هذه النخبة تصر على امتلاك الدولة ومقاومة التغييرات القادمة من أسفل، من مكانها هناك بالأعلى" أى من حزب الكنبة إلى قمة الهرم الثقافى. وبالطبع هذه النخبة العلمانية التركية هاجمت بشراسة التغيير الإسلامى القادم صوب تركيا ممثلا بحزب العدالة والتنمية. ولما لم يستطع حزب الشعب الجمهورى الوقوف فى وجه الطوفان الجارف للإسلاميين حاول الاستعانة بالجيش للتدخل فى السياسة ليفسدها كالعادة، تماما كما كانت تحاول ما تسمى بالنخبة لدينا طوال الفترة السابقة. ولكن كما هو الحال لدى الشعب التركى الواعى الذى مكن لنجاح تركيا بزعامة حزب العدالة والتنمية، كان الشعب المصرى العظيم هنا أيضا، والذى أكد عبر صناديق الاقتراع فوز الإسلاميين وترك النخبة الليبرالية تبكى على الأطلال؛ لأن الشعب الواعى يدرك الفرق بين السعى وراء المصالح الشخصية والتقوّى بالخارج وبين الأمانة والحرص على الوطن والاستقواء بأبنائه أنفسهم. ظل حزب العدالة والتنمية طوال ستة أعوام فى صراع مع الجيش لتحويل تركيا إلى دوله مدنية. ولكن فى مصر استطاع الرئيس مرسى فعل ذلك فى حوالى ثلاثة أشهر. حافظ حزب العدالة والتنمية على وجود معارضة قوية، ولكنها سلمية، وهذا ما نتمناه لمصر إن شاء الله. بقى تحقيق الشبه الأكبر فى الفترة القادمة وهو أن نلحق بهم فى الثقافة والإبداع والاقتصاد وغيرها. فلقد حرصت النخبة الدينية الجدية فى تركيا على نشر الإسلام الوسطى المعتدل وإبراز مبادئ الشريعة بقيمها السامية. وتعد السلطة الدينية إحدى أكبر السلطات فى تركيا وتحتل المرتبة الرابعة فى ميزانية الدولة من حيث النفقات وهى مسئولة عن ثمانية وسبعين ألف مسجد. صرحت النخبة الجديدة بتركيا بتطوير التعليم، وأفسحت المجال للتعليم الدينى المتطور على يد مجموعة من الإصلاحيين. لقد سعت هذه النخبة إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى وكونت جيشا لا يستهان به؛ حيث يعتبر الجيش التركى ثانى أكبر جيش فى الناتو. سعت تركيا أيضا إلى مد جسور التعاون والثقة مع البعد العربى والشرق أوسطى وعادت تركيا المسلمة للظهور مرة أخرى. وارتفع مع ذلك دخل المواطن حوالى عشرة أضعاف فيما يقرب من ستة أعوام. وأخيرا أقول للمعطلين والمرجفين والمثبطين أرجوكم اتركونا نعمل، أرجوكم نريد أن ننهض ونتقدم والشعب يريد أن يعيش. أرجوكم كفوا عنا أذاكم فأنتم تلهثون وراء مصالحكم وحزب الكنبة أكثر من يعرف ذلك. وأوصى نفسى والمخلصين من أبناء شعبنا بالالتفاف حول مؤسسات الدولة برعاية رئيسها د. مرسى للنهوض والتقدم، وكفانا بكاء على ما فات؛ فعقارب الساعة دائما لا تعود إلى الوراء!. حفظ الله مصر... آمين.