فى خضم الأحداث الجسام التى تتعرض لها الأمة المصرية، وإزاء حالة الانقسام التى يتعرض لها الوطن جراء الحديث عن الدستور والإعلان الدستورى، لا يجد الإنسان الحيران سوى هذا الدستور العظيم الذى وضعه رب العباد -القرآن الكريم- دستور الدساتير، الذى وضعه الخالق جل وعلا للبشرية لكى تسعد إذا ما تمسكت به وعملت بمقتضاه، وتشقى إذا ما أعرضت وألقت به جانبا، ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ)) (طه: 124). فى خلال هذا الأسبوع وبينما أقرأ فى هذا الكتاب العظيم وردى اليومى إذا به يرد على ما أنا فيه من تيه وحيرة، وبينما أتساءل: لماذا يحدث كل هذا الضجيج؟ وما المخرج من هذه الأزمة؟ يلح علىّ سؤال: لماذا يقف فصيل من الناس ويجمع حوله فصائل عدة ليحولوا دون أن يكون لهذا البلد دستور يحكمه وشريعة غراء يرضاها رب العالمين لكى نهنأ بالأمن والاستقرار والتنمية؟ فإذا بآيات القرآن الكريم ترد على هذا السؤال ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِى عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)) (الأنعام: 112) وليس شرطا أن يكون هذا العدو من شياطين الإنس والجن للنبى بعينه ولكن يمكن أن يكون أيضا لكل أصحاب الحق أو القائمين عليه، فالعبرة فى نصوص القرآن بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد ينساق جموع الناس وراء هؤلاء المضللين من شياطين الإنس والجن والذين لا تحركهم إلا الأطماع الشخصية والأهواء وحب الزعامة وأحيانا الحرص على مغانم تحققت فى عصور الظلام والاستبداد أو قد يحرك بعضهم الخوف من ظهور الحق وتطبيق الشرع، ظانين أن هذا الشرع سيعود بالأمة إلى الوراء كما يزعمون وكما تعلموا فى مدارس الشيوعية والاشتراكية أو من خلال مراجعهم الغربية، ويرد القرآن الكريم على هؤلاء المنخدعين بهذه النخب ذات البريق الإعلامى قائلا ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)) (الأنعام: 123)، بل يحذر القرآن الكريم فى موضع آخر هؤلاء المنخدعين إذا استطاع هؤلاء المجرمون أن يحركوا المئات أو الآلاف من الجماهير أو يدفعوا إليهم غسيل بعض أموال المنحرفين ويحشدوهم فى الميادين العامة، يحذر القرآن الكريم من الاغترار بهذه الحشود قائلا ((وإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)) (الأنعام: 116) فالمولى جل وعلا يعلم ويطلع على خفايا القلوب والضمائر، ويعلم من يتحرك على الساحة ويحشد من أجل الحق أو من أجل تعويق هذا الحق ((إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (الأنعام: 117). ثم لا أجد فى نهاية خاطرتى إلا أروع إسقاط على هؤلاء الذين تحركهم الغيرة والحقد على أنهم لم يتبوءوا منصب الرئاسة أو لم ينلهم نصيب من الزعامة أو المناصب مثلما فعل بعض المتشوقين للنبوة إبان نزول الوحى والرسالة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت النبوءات والإرهاصات التى جاءت فى الكتب السماوية السابقة للقرآن الكريم تبشر بقدوم نبى جديد، وكان بعض المطلعين والعالمين بهذا يتشوقون لذلك من أمثال أبى عامر الراهب الذى سمى بعد ذلك بأبى عامر الفاسق، الذى ناصب الرسول -صلى الله عليه وسلم- العداء طيلة حياته حقدا وحسدا منه ((وإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِى رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ)) (الأنعام: 124). اللهم نج مصر واحفظها من أعدائها، ومن شياطين الإنس والجن الذين يتربصون بها، ومن هؤلاء المغيبين عن الحق والحقيقة. ------------------- أ. د. مصطفى هيكل أستاذ بطب بنها ومدير عام مستشفيات جامعة بنها