كلما رسخ الإيمان فى القلوب يمضغ الإنسان الآلام، وتبقى ساحة الآمال واسعة تستوعب الكثير من الأعمال، وكلما طاش عقل الإنسان، وخفّ وزن الإيمان يرى الإنسان مع كل أزمة أن هذه نهاية الثورة، وبزوغ الفتنة، وضياع الأمة، وعندما ننظر إلى ما يجرى فى عالم الشهادة دون أن نربطه بعالم الغيب الذى لا يملكه إلا علّام الغيوب سبحانه تتورم الآلام، ويتضاعف اليأس والإحباط، والخوف والهلع، والحيرة والفزع فيرى الإنسان أن هناك ردة إلى الوراء، أما من يوقن بأن الأمر لا يُدبر فى الأرض، وإنما يدبره مَن فى السماء، وهو رب العزة وحده، كما قال سبحانه: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد: من الآية2)، وقال سبحانه: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) (السجدة: من الآية 5)، ولقد طال انتظار أغلب هذا الشعب المصرى أن يتخذ فخامة الرئيس محمد مرسى قرارا يطهر فيه هذا الصرح الشامخ فى عقل ووجدان كل إنسان وهو القضاء حيث أفسد النظام السابق كل القطاعات، ولم يكن النظام غبيا غباء مطبقا أن يفسد كل جوانب الحياة دون القضاء، حيث قد يحكم على المفسدين، ويواجه ظلم الطغاة المستبدين، فكان لا بد من ترويض فئة من القضاة المنافقين، والعملاء الظالمين الذين لا يخشون ربّا، ولا يرعون حرمة، ولا يهتدون سبيلا، وبقى أكثر القضاء يحترمون شرف منهتهم، وثقل أمانتهم. لكن أكبر الآلام أن يجتمع قوم من رجال الثورة عُرفوا فى سماء مصر بالطهارة والنقاء، والصدق والوفاء، والتضحية والفداء، فينضمون إلى فريق الغوغاء، وقد قال الشاعر: وظلم ذوى القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد ومن أكبر الآلام أن تتفتت قوى الثورة التى جمعت المسلمين والمسيحيين، الرجال والنساء، العلمانيين والإسلاميين، الشباب والفتيات، وأن نتحول إلى شيطنة الثورة، وأن يُدفع إلى ميدان التحرير شباب يواجه بعضهم بعضا، بعد أن كان رمزًا للنبوغ الحضارى لشعوب العالم فى ثورته السلمية، وحرصهم بعضهم البعض، وإيثارهم لبعضهم فى ثوبهم الحضارى الذى شهد له العالم أجمع أن شباب الثورة المصرية علّموا العالم كيف تكون الحضارة والرقى، وشهد لهم العدو قبل الصديق، لكن قوما من شياطين الإنس فاقوا شياطين الجن نثروا الأموال فى حجور بعض هؤلاء الذين كانوا أحرارا فصاروا عبيدا لهذا المال، حتى إن جريد الأهرام يوم 21/11/2012م لتذكر أن هناك ستة ملايين ونصف مليار دولار قد مُوِّل بها قطاع الإعلام شاشة وجريدة وصفحات على الإنترنت من أجل شيطنة الثورة، وتمزيق وحدتها، وتلطيخ قادتها، وصناعة رموز من القش التى لا ترى فيه نفعا، والسخرية من الإسلاميين، والنيل من مهابة الرئاسة، وعلى كل لن أطيل فى ذكر الآلام فهى أكثر مرارة من وصف الأقلام، لكنى أريد أن أطمئن فخامة الرئيس وأهلى من مصر الكنانة، ومحبى مصر من مئات الملايين من خارج محيطها الجغرافى، وإن كانوا من أهلها حبا وولاء وتقديرا ووفاء، أما عناصر الآمال التى لا أشك لحظة واحدة أنها ستغير وجه مصر والعرب والأمة والعالم، فأولها: أن للبيت ربًّا يحميه، وقد نصر الله تبارك وتعالى عبد المطلب جدّ النبى -صلى الله عليه وسلم- عندما أراد أبرهة أن يهدم بالفيلة بيت الله الحرام، وأن يعتدى على الكعبة المشرفة، وقد بذل لهم عبد المطلب أقصى ما يملك، فلما تمنَّعوا قالها فى رسوخ: "للبيت رب يحميه"، فكانت النتيجة هذه الطير الأبابيل التى رمت أبرهة وجنوده والفيلة بحجارة من سجيل فجعلهم الله كعصف مأكول، وعندما بذل النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه أقصى الأسباب، وهم يحفرون الخندق لمواجهة الأحزاب كما قال تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هنالك ابتُلى المؤمنون وزُلزلوا زلزالا شديدًا) (الأحزاب: 10-11)، واجتمع على المسلمين كفار العرب ويهود المدينة والمنافقون، ولم يكن أحد يستطيع أن يتحرك إلا ومعه سلاحه، حتى بلغت القلوب الحناجر كما عبرت الآيات وبقى أصحاب الرسوخ الإيمانى كما وصفهم الله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22)، وكانت النتيجة النهائية هى التى قالها تعالى: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا) (الأحزاب:27)، ومن هنا فلا بد من اليقين أن الله لن يريد بمصر إلا الخير؛ ففيها العلماء، وحَفَظة كتاب الله، والشرفاء، والعظماء، والصالحون من الأغنياء والفقراء، والشباب والفتيات، وفيها من رجال البر ونساء الخير، فى مصر تغرف من بحر ولا تنحت من صخر، فى مصر رجال ونساء شباب وفتيات من كل التيارات والجماعات والأحزاب، من المسيحيين والمسلمين من الأنقياء الذين لا يبيعون الأرض، ولا يهتكون العرض، ولا يفرّطون فى الوطن، ولا ينجرفون وراء الفتن، ولا تستهويهم الأهواء، ولا يثنيهم الابتلاء، وفى أمثال هؤلاء قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: من الآية 143)، ولابد من اليقين أن حاكما -مثل د. محمد مرسى - حافظا للقرآن، متبعا هدى سيد الأنام، صوّامًا قوّامًا، لا يمكن أن يدعه الرحمن فريسة لأتباع الهوى والشيطان، ومسعّرى الحرب، ومؤججى الفتن، الذين لا يزأرون أمام الصهاينة المعتدين، ولا الأمريكان الباغين، ولا العلويين الظالمين، كما لا يمكن أن يدع الله عبده محمد مرسى دون أن يكشف له المؤامرات التى جلس لها كبار القضاة فى النيابة والدستورية والتجار الذين نهبوا مصر فى العهد البائد، وكبار الصحفيين الذين قال الله فيهم: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (الواقعة: 82)، وبعض رجال الأمن الذين فقدوا صوابهم، ويتآمرون لإعادة البلاد إلى الفوضى التى وعد بها مبارك! أو استعادة من خرج من البلاد معتمرا إلى غير بلد الله الحرام، وأصبح كما قال الشاعر: إذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا أقول ما قلته فى اليوم الأول من أحداث رفح الموجعة يوم أن قتل أبنائنا ذبحا عند الإفطار، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم، وقلت إن ما حدث فى رفح سيعود خيرا على د. محمد مرسى ومصر والعرب والأمة كلها، ورأينا كيف أفاقت مصر من سيطرة العسكر، وغدا أقول ستفيق مصر بعد هذا الإعلان الدستورى الذى يحفظ خلق الوفاء لدماء الشهداء، كما وعد الرئيس بالقصاص من قاتليهم، ويحفظ مؤسسات مصر مثل التأسيسية والشورى من ألاعيب وكلاكيع بقايا النظام السابق، وأقول غدا جاء دورك يا إعلام مصر حيث يجب أن يطهّر من الأقزام، وأن يقوده بحق الأعلام. يا قومنا ثقوا بالله علام الغيوب، وأجمعوا أمركم، ووحدوا صفكم، واعملوا بالليل والنهار، وتيقنوا أن مصر والأمة ستعود إلى القمة بإذن الله ولو كره المشركون فى الخارج، والمنافقون فى الداخل.