فى إحدى قاعات مركز إعداد القادة اجتمع المؤتمرون على الديمقراطية والإرادة الشعبية وغلقوا الأبواب ليعدوا أطرا دستورية شملت جميع أبواب الدستور القائم تمكن لهم البقاء بغريزة غابوية تسيطر على مقدرات الشعوب، وضعوا دستورا مجحفا فى شكل تعديلات على دستور البلاد يمثل انقلابا على دستور البلاد ليمهد لحكم ديكتاتورى يتلاءم مع النظام العولمى السائد فألغوا تحالف قوى الشعب العاملة وحظروا أى نشاط سياسى تكون مرجعيته دينية وأنشئوا لجنة عليا ذات صلاحيات مطلقة لا يستطيع المواطنون الوصول إليها إطلاقا لتقديم طعون أو شكاوى خاصة بالانتخابات وهمشوا الإشراف القضائى وزادوا فى إرهاب المواطن فوضعوا له مادة للإرهاب، وتم وضع مادة مفصلة على مقاس الحزب الحاكم تستبعد كل المستقلين، وكان من الطبيعى موافقة كل معاونى المؤتمرين على هذه المواد وهم أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الشعب. فكر المعارضون فى الاستقالة الجماعية لوقف صلاحية التعديلات، ولكن تبين أن تقديم الاستقالة سيتم بصورة فردية وليس بصورة جماعية، وأن قبولها لا بد أن يمر عبر إجراءات قد تستمر عدة أسابيع وليس لبضعة أيام وحسب، ومن ثم ستُمرّر التعديلات فتراجعوا وعلل هذا التراجع بأن تقديم الاستقالات دفع ثمن بلا مقابل فتمسكوا بسياسة النفس الطويل. رفض العديد من القوى الشعبية هذه التعديلات، وتم تكوين الجمعية الوطنية للتغيير شارك فيها "الإخوان المسلمون"، ودُشنت حملة للتوقيعات على مطالب سبعة اجتمعت عليها القوى الشعبية تكون هى بداية الطريق إلى الإصلاح، ووقّع عليها مرشد جماعة الإخوان المسلمين وأعضاء مكتب الإرشاد، ودعوا كل فئات الشعب المصرى إلى المشاركة بفاعلية فى الحملة من أجل القضاء على الفساد، ومنع التزوير، ووقف التعذيب، والحفاظ على كرامة المواطن المصرى فى الداخل والخارج من خلال إنهاء حالة الطوارئ، وفى الوقت الذى كان أعوان النظام يحتفون بملصقات مؤيدة لنجل الرئيس كانت الشرطة تعتقل شباب الإخوان وغيرهم الذين يقومون بنشر المطالب السبعة وجمع التوقيعات؛ بدعوى أنهم يهددون الأمن والسلم الاجتماعيين. وفى أقل من سبعة أشهر تم تجميع حوالى المليون توقيع فكانت بداية عصر جديد للمشاركة الفعالة للمواطن المصرى من أجل أخذ حقوقه كمواطن، وشكل جديد من أشكال المشاركة السياسية مارسه الشباب المصرى بحرفية. ولدواعى الدين فى السياسة دعم أعضاء من مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والأزهر المشاركة فى التوقيعات، وأكدوا عليها من خلال الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، ثم جاءت انتخابات نوفمبر 2010 وحملت معها القشة التى قصمت ظهر البعير فكان التزوير الفاضح وكان فجور أعوان النظام فى كل مراحل العملية الانتخابية بداية من استخراج البطاقة الحمراء إلى إعلان النتائج مما أدى إلى مقاطعة الإخوان الانتخابات فى الإعادة وبعض القوى الشعبية، ونتج مجلس شعب باطل بكل المقاييس السياسية سمح فيه لحزب التجمع فقط بدخول أربعة من خمسة من مرشحيه وثلاثة من أحزاب أخرى. كان الظلم قد تفشى ومارست الدولة شتى أنواع الإرهاب السياسى والقمع الشرطى فلم يمر سوى أسابيع (من 6 ديسمبر حتى 25 يناير) حتى ثار ملايين الشعب المصرى ما عدا فئة ممن ليس لهم توجهات سياسية محددة وممن يهابون المشاركة السياسية ويؤثرون المشاهدة والاستماع وممن كانوا فى زمرة النظام البائد وهم من أطلق عليهم فلول النظام ليثوروا فى شكل وهمى تظهره وسائل إعلامهم بأنه الثورة الحقيقية وتأسفوا لرئيسهم على ما بدر من غيرهم. فى 13 فبراير 2011 وبعد تنحى الرئيس السابقعن الحكم استجابة لمطالب ثورة 25 يناير وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة حكم البلاد صدر إعلان دستورى تم بموجبه تعطيل العمل بالدستور وحل مجلسى الشعب والشورى،ثم تم إصدار بيان بثمانى مواد دستورية خاصة برئيس الجمهورية وأعضاء مجلسى الشعب والشورى وإلغاء حالات الطوارئ والمادة الخاصة بالإرهاب وأجرى عليه الاستفتاء فى 19مارس ببطاقة الرقم القومى لأول مرة فى تاريخ مصر. نشأ بعد موافقة الأغلبية على الاستفتاء الذى قرر إجراء انتخابات مجلس الشعب قبل وضع دستور للبلاد صراع جديد بين فريق من قالوا نعم ومعظمهم من الإخوان المسلمين والسلفيين والفريق الذى قال لا، وكانت حجة الفريق الأخير أن الأوضاع الأمنية فى مصر غير مستقرة ومن الصعب إجراء الانتخابات مبدين تخوفهم من سيطرة الإخوان المسلمين على البرلمان وعدم استعداد الأحزاب السياسية الجديدة لحشد مؤيدين والترويج لها. وهو ما خالفه الواقع المصرى بكل صوره فقد دخل السلفيون الانتخابات وهم حزب جديد واستطاعوا أن يكونوا ثانى قوة على الساحة السياسية بعد الإخوان المسلمين، وتمت العملية الانتخابية بشكل ديمقراطى غير مسبوق. إلا أنه فى الوقت الذى اتجهت فيه القوى الإسلامية نحو الإجراءات الشرعية نجد العناصر الليبرالية أخذت تسعى بشتى الطرق إلى العمل على وضع دستور أولا دون أن تطرح صيغة مقبولة لتشكيل لجنة وضع الدستور، بل سعت بقوة إلى وضع دساتير مختلفة منها وثيقة السلمى ووثيقة الأزهر، وهو ما يمثل شكلا من أشكال ممارسة السياسة فى الدين والدين فى السياسة لكن من خلال فئة من الليبراليين الذين استعانوا بالأزهر للوقوف أمام قوة الإسلاميين، وحاولوا أن تكون هذه الوثائق فوق دستورية وغير قابلة للتعديل أو الإلغاء وإلزامية للشعب، وكلها أمور لا يقبلها العقل السليم ولا يقبلها شعب استطاع بثورته البيضاء التحرر من نظام مستبد ومتسلط ومزور للإرادة الشعبية عقودا، كما دعوا إلى مليونية باسم جمعة الدستور أولا، ورغم أن التظاهر لا يمكن أن تنكره القوى الثورية إلا أن رفض الديمقراطية والقفز على الإرادة الشعبية يخرجه من أطره الثورية ليصبح صراعا معوقا ولا جدوى له. ولجأ المعارضون للشرعية إلى سبل سياسية من خلال التفاوض مع المجلس العسكرى لإيجاد طريقة لإلغاء نتيجة الاستفتاء ولكنهم فشلوا؛ فاستمروا فى حملات الإعلام المضاد للفكرة الإسلامية برمتها. وخلال شهر مارس لهذا العام تم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية بعد عقد ثلاثة اجتماعات لمجلسى الشعب والشورى تم فيها تلقى اقتراحات من النواب وأفراد الشعب حول آلية اختيار أعضاء الجمعية وطريقة ونسب تشكيلها ثم التصويت على مقترحات نسب التشكيل ثم التصويت النهائى على اختيار أعضاء الجمعية. بعدها جاءت نتيجة التصويت بنسبة 50% لأعضاء الجمعية من داخل البرلمان و50% من خارجها، ولكن هذا التشكيل تم إلغاؤه بحكم محكمة وأعيد تشكيله مرة أخرى بشكل أثنت عليه العناصر الوطنية المخلصة. ومن خلال العمل المتواصل التطوعى الذى ضرب مثالا رائعا لمخرجات ثورة 25 يناير استطاعت الجمعية إحداث توافق بين أعضائها على جميع مواد الدستور ما عدا 10 مواد وقد تم التوافق والنقاش حول 6 مواد وتبقى 4 أخرى، من أجل الوصول إلى الاستفتاء على الدستور المقترح. وبشكل متواز تعددت أشكال الاعتراض على الشرعية الديمقراطية وتغليب روح الخلاف والمطالبة بمعايير لم يضعوها ولم يستطيعوا وضعها من قبل، منها البدء بتشكيل جمعية تأسيسية يعهد إليها بسلطة التشريع حتى الانتهاء من الدستور، والتخويف والتشكيك من أن التطبيق الصحيح لأحكام الشريعة فى جانبى المرأة والطفل يمثل تقييدا لحقوق المرأةوتراجعا لحقوق الإنسان، وأن مصادر مبادئ الشريعة المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة أفسدت عليهم الهدوء وفتحت مجالا لأخطار عديدة، واعتبار قيام النظام الديمقراطى على مبادئ الشورى زج بعبارات لا محل لها فى الدستور. إلا أن أشكال التوافق على مسودة الدستور قد تعددت داخل الجمعية والمطروحة لجميع المواطنين للتعديل والإضافة والحذف من خلال سبل عديدة لم تتح للمواطن المصرى عبر التاريخ، فهناك جلسات الاستماع للقوى الوطنية المختلفة والهيئات والنقابات والشخصيات الاعتبارية داخل الجمعية، وهناك موقع الجمعية الذى تقوم عليه لجنة فنية تستطيع رصد وتجميع وتحليل تعليقات الجمهور للاستفادة منها، وحملة اكتب دستورك التى تتيح للمواطنين التواصل المباشر مع أعضاء الجمعية التأسيسية من داخل مؤسساتهم، منها الجامعات والنقابات والهيئات المختلفة. كل هذه الأشكال تدعم الحوار الوطنى الذى يمكن أن يسفر عن توافق وطنى حقيقى يتم فى أطره الشرعية والقانونية، ولا يحقق مصالح فئات متناثرة ضعيفة بل يعلى مصلحة الوطن ويقيم الدولة على أسس شرعية ودستورية سليمة.