د. عبد الله هلال الأستاذ بهيئة الطاقة الذرية [email protected] الحوادث المرورية فى مصر صارت بمثابة المذابح!.. كيف لم تهتز الدولة لمقتل عشرات المواطنين فى لحظة واحدة دون داع، هل هو زلزال؟.. إن الزلازل فى بعض الدول لا تسفر عن هذا العدد الهائل. والمؤسف أن هذه الكوارث لم تحرك ساكنا، فأقصى ما عرفناه من ردود الفعل هو حبس السائق المخطئ، وكأنه الوحيد المسئول!.لماذا لم يُحبس من وافق على استخدام سيارة نقل للركاب؛ تحمل العشرات وكأنهم خراف؟والذى تركها تمر من نقاط المرور دون أن يوقفها؟ والذى لم يجهز البنية الأساسية للطريق لتحذر وتنبه وتكشف الرؤية أمام السائقين؟ والذى يمنح رخص قيادة لغير المؤهلين؟ والذى جرّأ السائقين على السرعة الجنونية دون خشية من القانون؟ إن ضحايا الحادث المرورى بسيناء مثلا أكثر عددا من ضحايا الهجوم الإرهابى هناك، وهذا يثبت أن الإهمال أشد قسوة على المصريين من الإرهاب، والمفزع أن الإرهاب مجهول الفاعل ولكن (الإرهاب التقصيرى) معلوم، ولا أحد يحاسبه. وإذا تتبعنا أخبار الحوادث فى مصر نجد أرقاما مروعة: تحطم (10) سيارات نقل فى 3 حوادث فى يوم واحد بطريق واحد، مصرع عدد كبير من السياح الأجانب (بحادث مرورى)، سقوط شاحنة من أعلى كوبرى! إلخ.. أعداد هائلة من القتلى الذين يسعون إلى أرزاقهم، وكأننا صرنا حشرات تداس بأقدام المشاة!. كيف تقع كل هذه الحوادث يوميا ولا يتحرك أحد لبحث ظاهرة مؤسفة تبتلع أسرا كاملة أو ركاب حافلة أو سيارة بالكامل؟!. نعلم أن الأوضاع الموروثة من المخلوع تشكل عبئا ثقيلا، ولكن ماذا فعلت حكومة الثورة لتقليل أو منع هذه الكوارث؟ لقد حان الوقت لإلغاء شماعة القضاء والقدر الذى يختارنا دون خلق الله بأغلب دول العالم. لماذا يكثر عدد ضحايانا، وتتضخم الخسائر الاقتصادية دون مبرر؟ أليست هناك دلالات يمكن الاستفادة منها واحتياطات للعمل على تقليل الحوادث وعدد الضحايا؟!. أفيقوا أيها النائمون، فنحن أمام كارثة، وهى لا تقتصر على الطرق السريعة، بل تصل إلى شوارع المدن، ومنها العاصمة، وهذا يعنى أن هناك شيئا ما خطأ لا بد من البحث عنه وإيجاد السبل الكفيلة بعلاجه. والواقع أن حوادث الطرق تعتبر من المشكلات اليسيرة لو وجدت النية الصادقة لإيجاد حلول لها.. فنحن نعلم كيف يحصل الناس على رخص القيادة بسهولة غير عادية، لدرجة أن دولا عربية لا تعترف بالرخصة المصرية، ونعلم ما يحدث فى أثناء الفحص الفنى للسيارات عند تجديد الرخص، ونرى كيف تسير السيارات دون إضاءة خلفية ولا يوقفها أحد، ونعانى من الشاحنات التى تحمل الرمل والزلط مكشوفا وتقذف به على من خلفها، ونشاهد التقاطعات الخطرة التى تحدث بها تصادمات يومية دون أن يكلف مسئول نفسه الأمر بوضع تحذير أو إشارة، ونمر فى كل مكان على المطبات والبالوعات التى تفاجئ السائقين فيضطرون للانحراف المفاجئ والاصطدام بخلق الله أو بالسيارات الأخرى، ونعانى من الشاحنات التى يصر قادتها على احتلال يسار الطريق معطلين من وراءهم، ونرى أكوام الأتربة على الطرق!. كما أن مصر هى الوحيدة فى العالم التى نشاهد فيها سيارات الأجرة وهى تقف لتحميل وتفريغ الركاب بمطالع ومنازل الكبارى ومداخل ومخارج الشوارع والتقاطعات الخطرة، وتجد صناديق القمامة على يسار الطريق!. وهناك الجهل بقواعد المرور وإهمال الصيانة الدورية للمركبات، والسائقون المهنيون غير المؤهلين الذين لم يهتم أحد بتعليمهم سلوكيات التعامل مع الآخرين، أو حتى حمايتهم من داء الشم والسكر فى أثناء القيادة. المفروض أن قوانين المرور مصممة بالأساس بناء على البنية الأساسية المرورية بالطرق والشوارع، وهى التى يبنى عليها ضبط الحالة المرورية وتغريم المخالفين.. والطرق فى مصر حالتها معروفة؛ فليس لدينا شبر واحد مطابق للمواصفات. كما أن هناك عجزا خطيرا فى وسائل الإرشاد.. فلا نرى الشواخص العادية المنتشرة بالعالم مثل: قف، أفسح الطريق، لليمين فقط، ممنوع الدخول... إلخ. وعلى الرغم من أن أهم أسباب الأزمة المرورية هو كثرة السيارات المتوقفة بالشوارع بسبب النقص الحاد فى أماكن الانتظار المعتمدة، التى تخنق المرور وتسبب الاحتكاك والمشاجرات وتعطيل الحركة.. فلم يفكر أحد فى تحديد أماكن الانتظار برسم برواز أبيض بالأماكن المسموحة، وهذا يعنى أن الوقوف خارجها ممنوع ويؤدى إلى الغرامة. كما أن أفراد الشرطة المرورية غير مهيئين لفرض النظام، فقد رأينا فى كل الدول التى سافرنا إليها أن الشرطى دائما موجود ويسبق الجميع إلى مكان العطل أو الحادث، ولمسنا جاهزية الشرطة فى التعامل (تلقائيا) مع أى أحداث طارئة يمكن أن تؤدى إلى تعطيل المرور أو وقوع حوادث.. مثل تعطل سيارة بالطريق، أو تجمع مياه الأمطار، أو هبوب عاصفة ترابية، أو وجود ضباب كثيف، أو انقطاع الكهرباء عن إشارات مرور ضوئية... إلخ. وليس مطلوبا بالطبع أن يوجد شرطى فى كل شبر من أرض المحروسة، ولكن أن يكون لدينا الشرطى المتحرك (من تلقاء نفسه) للمراقبة وتخويف المخالفين والمستهترين. وهناك إجراءات كثيرة تساعد على الرقابة الذاتية وتجعل من المواطن شرطيا اعتباريا إن وجدت التعليمات الواضحة التى تحرج المخالف، وقد سبق أن طالبنا مثلا بتحديد اتجاهات السير بالشوارع المتجاورة ليصبح أحدها للذهاب والآخر للإياب، وهذا يضبط السير بها دون حاجة إلى الشرطى لأن المخطئ لن يجرؤ على المكابرة. لن ينضبط المرور وتقل الحوادث قبل تأسيس بنية تحتية مناسبة، ووجود شرطى مؤهل متخصص ومتحرك. همسة: قرأنا أن الحكومة ستخصص 5 لترات بنزين للأسرة يوميا.. وهذا لا يكفى فى ظل الواقع الحالى حيث الطرق مدمرة ومملوءة بالحفر والمطبات والبالوعات، والمرور (جنائزى) يستهلك الوقود دون تقدم للأمام، فأغلب الوقود يحرق عبثا دون فائدة! إن متوسط معدل السرعة الحالى لا يزيد عن 30 كم/ساعة.. لذا فالمطلوب هو ضعفا هذه الكمية من البنزين لحين إصلاح الطرق وحل مشكلات المرور الجنائزى.