اللون الواحد لا يرسم أبدا صورة متكاملة الأركان، حقيقة كونية لا يغفلها أحد، كما لا يستطيع أحد أن يغفل دور مراسلى الفضائيات فى إنجاح الثورة المصرية وتوصيل صوت الثوار لكل منزل فى وقت كان فيه الإعلام الرسمى لا يرفع سوى شعار الكذب والتعتيم، ورغم ذلك وصلت الاعتداءات على مصورى ومراسلى الفضائيات بعد الثورة إلى حد أصبح البعض ينظر بعين الريبة إلى كل من يحمل كاميرا ويتجه إلى الميدان فى تطبيق عملى لنظرية بلهاء أطلقها "قذافى الفن المصرى" عمرو مصطفى حينما قال: "كل من يحمل كاميرا بميدان التحرير أجنبى وعميل"، واتضح هذا الأمر بشكل مخزٍ وفاضح فى أحداث الجمعة الأخيرة بالميدان التى شهدت أكبر نسبة تعدٍّ على مراسلى فضائيات تنتمى لخلفيات سياسية مختلفة كمصر 25 والجزيرة مباشر مصر والقاهرة والناس والنيل للأخبار ولكن الرابط الوحيد بينهم هو أن الجانى مجهول. ويروى المراسلون ل"الحرية والعدالة" وقائع الاعتداء عليهم وسبل التأمين التى تتخذها وسائل الإعلام العالمية مع مراسليها فى الأماكن التى تشهد أحداثا ساخنة. ويقول مجاهد شرارة مراسل قناة الجزيرة مباشر مصر: بعد الاشتباكات التى شهدتها الجمعة الماضية بالقرب من إحدى المنصات بميدان التحرير توجهت مع طاقم العمل لتسجيل لقاءات حية مع شهود العيان، لكننى فوجئت بشخص لم أره من قبل أبدا فى الميدان طوال تغطيتى لفعاليات الثورة المختلفة، وقال لى بعض الموجودين: إنه مدمن "يتعاطى برشاما" وفور انتهائى من التسجيل أخذ هذا الشخص يتعدى على لفظيا ويقول: "انتوا قناة بتطلع إخوان، انتوا بتدافعوا عنهم" واستعان بثلاثة من أقرانه لبدء التعدى الجسدى وبالفعل سقطت مع زملائى على الأرض جراء دفعهم لنا لكننا نجحنا فى الهروب منهم والاحتماء بمكتب القناة القريب من الميدان. واستدرك شرارة قائلا: فى هذا اليوم تم الاعتداء أيضا على مراسلة قناة "القاهرة والناس" رغم أنها كانت ترتدى حجابا وملابس محتشمة جدا، وتم الاعتداء على مراسل قناة النيل للأخبار أيضا؛ مما جعلنى أشعر أن هناك حالة عداء عامة ضد الإعلاميين من الأشخاص الذين نزلوا لإثارة الشغب فى الميدان ولا يريدون أن يصورهم أحد. وعن إجراءات الأمان التى توفرها لهم القناة فى مثل هذه الظروف يقول: نرتدى الخوذة الواقية حينما يكون هناك تراشق بالحجارة، ونرتدى أقنعة واقية فى حالة ضرب قنابل الغاز المسيلة للدموع، كما أن القناة بها تعليمات أمان تنص على عدم وصول المراسل لبؤرة الاحتكاك، وأن مدى اقترابه منها أو ابتعاده أمر متروك له. التقط أطراف الحديث منه المصور إبراهيم المصرى الذى قال: الهجوم علينا يوم الجمعة كان من أطراف غير معلومة بالمرة ومن كل الاتجاهات تقريبا؛ لدرجة أننا لم نتمكن من أن نقف فى مكان آمن إلى حد ما لتصوير ما يحدث وكل المصورين زملائى تعرضوا فى هذا اليوم لاعتداءات جسدية أو لفظية. وتابع: زادت هذه الاعتداءات حينما حضرت سيارات الإسعاف لإطفاء النار التى اشتعلت فى بعض الأوتوبيسات فمنعنا المعتدين بل قاموا بالاعتداء على سيارات المطافى ونفس الأمر تكرر حينما حاولنا تصوير ما يحدث فى شارع محمد محمود. وطالب المصرى بوجود نقاط شرطة متحركة بجوار سيارات الإسعاف فى الأماكن التى تشهد أحداثا ساخنة لحماية الإعلاميين، حتى يتمكنوا من تحرير محاضر سريعة بها فى حالة تعرضهم لأى اعتداء. تجدر الإشارة إلى أن ذكر الصحفيين فى معاهدات القانون الدولى الإنسانى جاء بطريقتين مختلفتين؛ الأولى فى اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب التى تغطى مراسلى الحرب، والثانية فى البروتوكول الإضافى الأول فى اتفاقيات جنيف الصادر عام 1977 الذى يتناول بشكل محدد مسألة الصحفيين الذين يقومون بمهام مهنية خطيرة فى مناطق النزاع المسلح. وكلتا المعاهدتين تسرى على النزاعات المسلحة الدولية، والإعلاميين الذين يقومون بتغطية مناطق الأحداث الساخنة فيتمتعون بما يتمتع به المدنيون من حقوق، ويلتزمون بما يلتزم به المدنيون أيضا من قواعد للسلوك، فالإعلاميون محميون مثلهم فى ذلك مثل غيرهم من المدنيين، بغض النظر عن جنسياتهم، بشرط ألا يقوموا بأى عمل من شأنه المخاطرة بوضعهم كمدنيين.