آلاف من أفراد الأمن والداخلية يصطفون على جنبات الطريق من قصر الاتحادية وحتى مطار القاهرة، ومعها آلاف السيارات بداخلها عشرات الآلف من المواطنين، تنتظر قرار الإفراج والسماح لها بالمرور، ولكن هيهات فالضيف القادم يحمل معه معلمًا جديدًا من معالم الخراب الذي يرعاه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي. لم يأت بوتين الذي تعطلت من اجله حياة المصريين لمدة بيوم كامل، من أجل التباحث مع السيسي لصد عدوان القرار الأمريكي بنقل السفارة للقدس، ولكن لاستكمال صفقة المليارات في بناء فنكوش"الضبعة" الذي تحول به إعلام الانقلاب من القدس للصفقة المعلنة، التي اعتبرتها وسائل الإعلام الروسية أكبر صفقة اقتصادية تاريخية لروسيا.
25 مليار دولار وقال مدير عام شركة "روس أتوم" الروسية الحكومية المُنفِذَة لمفاعل الضبعة النووي "أليكسي ليخاتشيوف"، إن العقود المُوقعَة تعتبر صفقة عملاقة في تاريخ الصناعات النووية العالمية؛ حيث تبلغ القيمة الإجمالية للعقود الأربعة عشرات المليارات من الدولارات، كما أنها أكبر اتفاقية تصدير لمنتجات غير الخام في تاريخ روسيا.
ولفت ليخاتشيوف أمس الإثنين، إلى أن الشركة قدمت للجانب المصري اتفاقا شاملا فريدا يغطي كامل فترة تشغيل محطة الطاقة النووية لمدة 70 – 80 سنة، مشيرًا إلى أنه سيتم تشغيل وحدة الطاقة الأولى لمحطة الضبعة النووية سنة 2027.
وأوضح أن الشركة ستقوم، وفقا للعقود الموقعة، ببناء محطة (الضبعة) للطاقة النووية من أربعة وحدات للطاقة من طراز (1200 VVER) وتزويدها بالوقود النووي الروسي طوال فترة التشغيل ما يضمن التكلفة التنافسية للطاقة الكهربائية لمدة 60 عاما.
وأشار إلى أن المفاعل بطاقة 1200 ميجاوات، يعتبر محطة نووية حديثة من الجيل (الثالث بلس) والتي تتوافق مع معايير ما بعد (فوكوشيما) التي تطلبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأن التشغيل الفعلي انطلق في روسيا الأسبوع الماضي لوحدة الطاقة رقم (1) من الجيل (الثالث بلس) لمحطة (لينينجراد للطاقة النووية- 2) وهي المحطة المرجعية لمحطة الضبعة للطاقة النووية.
ويقدم الطرف الروسى قرض تصدير حكومى لصالح الطرف المصرى من أجل تمويل الأعمال والخدمات والشحنات الخاصة بمعدات الإنشاء والتشغيل لوحدات الطاقة، والخاصة بمحطة الطاقة النووية فى جمهورية مصر العربية، كما هو منصوص عليه فى الاتفاقية بين الحكومتين والمشار إليها فيما بعد بالمشروع بقيمة تقدر حتى خمسة وعشرين مليار دولار.
يسدد الطرف المصرى القيمة المتبقية للتمويل، والتى تمثل نسبة 15% فى أقساط، إما بالدولار الأمريكى أو بالجنيه المصرى لصالح المؤسسات الروسية المفوضة بما يتوافق مع العقود فى صورة دفعة سداد أو أية مدفوعات بعد تنفيذ الأعمال والخدمات وتسليم التوريدات.
يؤكد الطرفان على التزامهما بتأمين الحصة المذكورة فى المادة الحالية فى تمويل المشروع، وحسبما نصت الاتفاقية فإن القرض يستخدم بواسطة الطرف المصرى لمدة 13 عاما خلال الفترة الزمنية من 2016 إلى 2028، ويحتفظ الطرف المصرى فى إلغاء أى مبالغ غير مستخدمة من خلال إخطار كتابى قبلها بعام.
ونصت الاتفاقية على أن يسد القرض على مدار 22 عاما، على 43 قسطا، فى 15 إبريل و15 أكتوبر شريطة أن يتم سداد الدفعة الأولى من أصل القرض يوم 15 أكتوبر 2029.
ويدفع الطرف المصرى الفائدة من القرض بمعدل 3% سنويا، واشترطت الاتفاقية أن تكون خلال فترة استخدام القرض الواردة بالفقرة الأولى من المادة الثانية، وفى حالة عدم سداد أى من الفوائد المذكورة خلال 10 أيام عمل، يحتسب هذا المبلغ بعد تاريخ استحقاق الدفعة على أنه متأخرات، ويخضع لفائدة قيمتها 150% من معدل الفائدة المذكورة.
وتعادل ال25 مليار دولار تقريبا 70% من الاحتياطي النقدي المصري بالعملة الصعبة، ولفت متابعون إلى أن مصر حصلت مؤخرا على قرض آخر من السعودية، في يونيو قبل الماضي الماضي، بقيمة 23 مليار دولار لتمويل شراء مشتقات بترولية، وأن مجموع القرضين 48 مليار دولار.
عقد ظالم
وكشف مراقبون أن مصر حقوقها مهدرة في تلك الاتفاقية، حسب النص الذي اقترحه الجانب الروسي. فالعقد ينص على “قبول مصر بمسئوليات” ربما تكون مبهمة وربما تكون لها عواقب بالغة الصعوبة من الناحيتين الأمنية والمالية.
ومن ذلك ضياع حق اللجوء للتحكيم الدولي في حال ما رأى الجانب المصري إخلالاً روسيًا بما تراه القاهرة من مقررات العقد، بينما يمنح الجانب الروسي مساحة واسعة بكل ما يتعلق بهذا الحق، بما يقرره الجانب الروسي من التزام مصر بمقتضيات الإنشاء والتأمين والتمويل. ورأى محللون أن فائدة الأقساط المطروحة على القرض الذي ستحصل عليه مصر من روسيا في حال التأخر عن سداد الأقساط هي نسبة شديدة الارتفاع، كما أن ضمانات القرض التي تطالب بها روسيا هي ضمانات مكلفة للغاية.
وكتب الناشط المهندس محمد حافظ، على حسابه، تغريدة بعنوان “الضبعة وعلي بابا”، “في عام 2008، وقَّع حسني مبارك اتفاقية مفاعل الضبعة ذات ال4800 ميجاوات بتكلفة تراوحت بين 1.5 إلى 2 مليار دولار. وأنه في عام 2015، زار السيسي موسكو وناقش إنشاء مفاعل الضبعة ذات ال4800 ميجاوات بتكلفة 6 مليارات دولار أمريكي“.
وأضاف أنه “بعد سقوط الطائرة الروسية في مصر نهاية أكتوبر 2015.. تم الإعلان عن موافقة المجلس العسكري برئاسة السيسي، على التوقيع على عقد الضبعة بتكاليف تعادل 10 مليارات دولار أمريكي.. وبعد يوم واحد من اجتماع المجلس العسكري، تم توقيع اتفاقية الضبعة مرة أخرى بتكلفة 20 مليار دولار وليس 10 مليارات مثلما أعلن المجلس العسكري“.
وفجأة تدخل النائب العام وعمل حظرًا على أخبار اتفاقية الضبعة، ومنع النشر عن تفاصيلها.. ومع ذلك في 19 مايو 2016، يوقع السيسي قرارا جمهوريا بتوريط الدولة المصرية في قرض الضبعة بتكاليف 25 مليار دولار أمريكي. ولنفس المواصفات التي وقع عليها حسني مبارك عام 2008 بسعر 2 مليار دولار.
خبراء يحذرون
ويحذر خبراء من إصرار حكومة العسكر على إقامة المشروع الذي يقضي باقترض 25 مليار دولار من روسيا، إضافة إلى إشراف موسكو على تشغيل وصيانة المحطات الأربع، ما يجعل القاهرة تحت رحمة موسكو لعقود طويلة.
وحذر المهندس إبراهيم تاج الدين يس، من تواجد محطة الضبعة بالساحل الشمالي، مؤكدا أنها “8” قنابل نووية، لو انفجرت واحدة منها لأصبحت كارثة على المنطقة المحيطة، بل وكارثة على القاهرة والجيزة، التي يسكنهما 18 مليون نسمة، حيث يصل الغبار النووي إلى القاهرة ليصيب سكانها، مسببًا أضرارًا فادحة خلال ساعات!.
ويشير إلى أن الرياح الشمالية الغربية هي الاتجاه الغالب على حركة الرياح الداخلة على الشاطئ الغربي لمصر، لتصل القاهرة وسائر محافظات مصر. وعند حصول عطل خطير- بسبب أخطاء بشرية وهو أمر كثير الحدوث- أو قيام عدوان على المحطة، فسوف يؤدي ذلك إلى دمار شامل يصيب المناطق القريبة، والبعيدة على حد سواء.
ويستشهد- في مقال له بالوفد بعنوان «مشروع الضبعة أكبر خطر على أمننا القوم»- على ذلك بكارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل بأوكرانيا، حيث انتقل الغبار النووى على بعد 300 كيلو متر من المفاعل ليصيب 900.000 مواطن في بيلا روسيا!! بل اضطرت كل من فرنساوبلجيكا على بعد أكثر من 1000 كيلو متر لإعدام كميات كبيرة من الألبان من إنتاج بعض مصانعها القريبة، بعد اكتشاف نسب غير مسموح بها من الإشعاعات نتيجة حادثة تشيرنوبيل!.
ويؤكد أن العالم المتحضر تحول عن اللجوء للطاقة النووية لإنتاج الكهرباء «ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بلجيكا، إسبانيا، النمسا» فقد قررت كلها هجر الطاقة النووية والاتجاه نحو الطاقات المتجددة النظيفة خلال السنوات القليلة القادمة.
ففي ألمانيا سوف توقف كل مفاعلاتها وعددها 18 مفاعلا، وفي غضون عام 2020 لن يكون على أرض ألمانيا مفاعل واحد، وفي فرنسا وبها أكبر شركة في العالم لبناء المفاعلات النووية «شركة أريڤا» الفرنسية، لم تبن فرنسا مفاعلا واحدا على أرضها منذ عام 2002!!.
وبحسب خبراء، حتى لو كانت مصر في حاجة ملحة وماسة وعاجلة للطاقة الكهربائية، فإن بناء أول مفاعل لن يكتمل إلا بعد 5 سنوات على الأقل للحصول على 900 – 1000 ميجاوات، ذلك إذا شرعنا فورا في البناء، في حين أن محطة حرارية بالغاز- خُمس تكاليف هذا المفاعل- تعطي نفس كمية الطاقة الكهربائية، ويمكن بناؤها في سنة إلى سنتين فقط!.