جاءت الوثائق البريطانية السرية التي كشفت عنها شبكة «BBC» البريطانية اليوم الأربعاء 29 نوفمبر 2017م، لتكشف عن قبول واستعداد الرئيس الأسبق حسنى مبارك خلال مباحثاته مع رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق مرغريت ثاتشر في فبراير 1983م، للتخلي عن جزء من أرض سيناء من أجل توطين فلسطينيين، وذلك في إطار تسوية سلمية شاملة، وذلك رضوخا لضغوط من الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ريجان. يأتي ذلك رغم أن مبارك نفى ذلك في بيان أصدره اليوم الأربعاء، نشرته صفحة "أنا آسف يا ريس"، وكذلك نفى رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي تسريبات اجتماع العقبة، إلا أن التجارب التاريخية تؤكد صحة ما يصدر من تسريبات عن عواصم غربية أو حتى عن تل أبيب والتي تتعمد العواصم العربية الموالية لها إخفاء الصفقات السرية عن شعوبها.
يعزز من ذلك أن الرئيس الأسبق حسني مبارك تجاهل تمامًا وطوال حكمه الذي استمر 30 سنة، أي حديث عن تحرير منطقة "أم الرشراش" التي احتلها الصهاينة من أرض مصر عام 1948م، كما أبرم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي صفقة تنازل بمقتضاها عن تراب الوطن في جزيرتي "تيران وصنافير".
ويتفق هذا الطرح تماما مع التسريبات التي خرجت من اجتماع العقبة السري الذي جرى في فبراير 2016م، وضم قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وجون كيري وزير الخارجية الأمريكية في إدارة الرئيس باراك أوباما حيث كشفت التسريبات أن السيسي طرح التنازل عن أجزاء من سيناء لتوطين الفلسطينيين وسط ترحيب واسع من الصهاينة.
وبعد عام من الاجتماع الذي سربت تفاصيلة صحيفة هآرتس العبرية، وفي 12 فبراير 2017؛ أعلن عضو حزب الليكود «أيوب قرا» أنه أثار مع نتنياهو مقترح دولة فلسطينية في سيناء وفق "خطة السيسي"، لتعبيد طريق السلام الشامل مع "الائتلاف السني" حسب وصفه، وأن نتنياهو سيعرض المقترح على الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ترحيب صهيوني
وفي الثامن من سبتمبر 2014م، نقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مصادر لم تحدد هويتها قولها إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفض مقترحًا قدمه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لوطن بديل للفلسطينيين في سيناء.
وأوضحت الإذاعة بحسب موقع "الجزيرة نت" أن السيسي عرض على عباس خطة لتوسيع مساحة غزة بخمسة أضعاف بتقديم 1600 كلم مربع من سيناء بغية إقامة دولة فلسطينية.
وتقضي الخطة بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وموطنًا للاجئين تحت سيادة مطلقة للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وإضافة للدولة الفلسطينية في صحراء سيناء، تمنح المناطق الفلسطينية في الضفة الغربيةالمحتلة حكمًا ذاتيًا "تدير السلطة الوطنية شئونها الحياتية بشكل كامل".
بالمقابل، يتنازل الرئيس عباس عن مطالبه بإنهاء الاحتلال وانسحاب إسرائيل لحدود 1967 بعد حصوله على "تعويض جغرافي" في سيناء؛ ما يساعد على إيجاد حل لمشكلة الحدود بين إسرائيل والسلطة الوطنية.
كما نقلت الإذاعة عن المصادر ذاتها أن السيسي حاول إقناع عباس بقبول العرض بقوله له إنه بالثمانين من عمره، وإن رفضه سيقبله من يخلفه، لكن الرئيس الفلسطيني رفضه بالمطلق حينها.
ترويج صهيوني للفكرة
وبحسب خبراء ومحللين، فإن الترويج لإقامة وطن فلسطيني يضم غزة وأراض من سيناء، فكرة صهيونية بالأساس؛ فأكاديميون إسرائيليون ورئيس مجلس الأمن القومي السابق الجنرال غيورا آيلاند عرضوا فكرة مشابهة جدا تم طرحها في مؤتمر هرتزليا للأمن القومي.
وجاء في الخطة أن قطاع غزة شريط جغرافي ضيق يحتاج لتوسيعه على حساب سيناء، لكن مصر وقتها رفضت الفكرة، والتي قبل بها رئيس الانقلاب مؤخرا.
ولم تخفِ أوساط إعلامية وشبه رسمية تفاجئها مما وصفتها ب"المقترحات المصرية الكريمة"، وقال الوزير يعقوب بيري رئيس الشاباك الأسبق إن "عرض السيسي جدير، مفاجئ بالتأكيد رغم عدم توفر تفاصيل وافية".
وقال لإذاعة الجيش إن الخطة المصرية تترك أسئلة مفتوحة، منها ما يتعلق بمصير الضفة الغربيةوالقدس، وتابع "الخطة مثيرة، وعلينا قراءة تفاصيلها رغم رفضها من قبل الرئيس عباس".
ويرجح بيري أن السيسي يهدف بذلك لخدمة مصلحة أمنية مصرية من خلال إقامة دولة في منطقة يعجز فيها عن حل مشاكلها، وفرض سيادته عليها.
ورغم أن رئيس الانقلاب كما هو متوقع أعلن نفيه لهذه التسريبات إلا أن التجارب التاريخية في المنطقة تؤكد مصداقية ما يخرج عن تل أبيب أكثر من العواضم العربية الموالية لها.
وبحسب مراقبين فإن إثارة الإرهاب والعنف في سيناء بصورة وحشية كما جرى في حادث مسجد الروضة الجمعة 24 نوفمبر 2017م والذي أسفر عن استشهاد 305 مصليا بينهم 27 طفلاً يصب في خدمة التصور الإسرائيلي الذي يهدف إلى تعزيز فشل سلطة الانقلاب على الأوضاع الأمنية في سيناء ما يدفعها إلى التخلي عنها من أجل تسوية أكبر تمنح بعض الدعم والمشروعية لنظام انقلاب 30 يونيو الذي يواجه صعوبات بالغة في فرض سيطرته على سيناء.
وإزاء هذا، فإن الاحتمال الأكبر أن يكون العنف والإرهاب في سيناء صناعة صهيونية بالأساس، إما بتوافق مع سلطات الانقلاب أو حتى بعيدا عنها، من أجل تمهيد الأجواء نحو تفريع سيناء من سكانها؛ لإبرام صفقة القرن التي تمنح أجزاء من سيناء للفلسطينيين، وتبقى القدس للعربدة الصهيونية، ويضمن حكام العرب المستبدين عروشهم لسنوات أخرى قادمة.