جاء اعتقال نظام آل سعود لعدد من الدعاة والعلماء، منهم الدكتور سلمان العودة، والدكتور عوض القرني، والشيخ علي العمري، تزامنا مع حملة تحريض إعلامية تمتد أيضا للشيخ محمد العريفي، والشيخ عادل الكلباني، والدكتور ناصر العمر، لتثير كثيرا من علامات الاستفهام حول أسباب حملة الاعتقالات في هذا التوقيت بالذات. وبحسب مراقبين، فإن هذه الحملة تأتي تمهيدا لاعتلاء محمد بن سلمان العرش السعودي، خلفا لوالده الملك سلمان "81" عاما، والذي ينوي التنازل عن العرش لابنه، وقد أطاح منذ شهور بولي العهد محمد بن نايف لصالح نجله؛ من أجل تمهيد الطريق لتوليه عرش المملكة. وكانت وكالة رويترز للأنباء، قد نشرت منذ يومين تقريرا مثيرا حول ترتيبات نقل السلطة في العرش السعودي، وتصعيد ابن سلمان من ولاية العهد إلى ملك البلاد. ومن الأسباب الواضحة وراء اعتقال هؤلاء الدعاة، هي شعبيتهم الواسعة بين الشباب السعودي وجميع أطياف المجتمع السعودي، حيث يبلغ عدد متابعي حساب د.عوض القرني أكثر من مليوني متابع، والعريفي 19 مليونا، وناصر العمر 5 ملايين و600 ألف تقريبا، والعودة 14 مليونا. ويهدف ابن سلمان إلى تكميم الأفواه وترهيب الشعب؛ من أجل نقل سلس للسلطة وتصعيده ملكا، في ظل عدم رضا من جانب أمراء آل سعود وكثير من أطياف الشعب السعودي. ويرى بعض المراقبين أن حملة الاعتقالات تأتي تعزيزا لتوجهات المملكة نحو علمانية النظام والمجمتع، والذي كشف عنه السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتبية، الذي أكد أن دول الحصار تستهدف إقامة نظم علمانية لبلاد المنطقة، وهو ما قابلته الحكومة السعودية بصمت مريب يؤكد تبينها لنفس الموقف. ترتيبات تصعيد ابن سلمان وبحسب مراقبين، فإن السبب الحقيقي وراء حملة الاعتقالات بحق الدعاة والعلماء، أنها جزء من ترتيبات أمنية على أعلى مستوى، لتصعيد ابن سلمان لخلافة والده على عرش المملكة، في ظل عدم قبول شعبي واسع، لا سيما وأن هؤلاء الدعاة ليسوا من النوعية التي تطبل للحكام وتنافقهم في المحافل المختلفة. وكلهم يتمتعون بسمعة طيبة وشعبية واسعة بين أطياف الشعب السعودي. يعزز من هذا التفسير، أن الناشط المثير للجدل "مجتهد" قد غرّد، منذ يومين، عن اعتقال الأمير السعودي عبد العزيز بن فهد ووضعه تحت الإقامة الجبريّة. وقال: "تأكد الآن أن عبد العزيز بن فهد دُهم في قصره في جدة، يوم الأربعاء الماضي، واعتقل من قبل قوة تابعة لمحمد بن سلمان، وهو في مكان غير معروف حتى الآن"، مضيفا "وقد حاولت والدته (الجوهرة) تتبع خبره فلم تحصل على أي معلومة، كما حاولت الاتصال بالملك ولم تفلح، ويقال إنها لم تذق طعاما منذ يوم اعتقاله". وأكّد مجتهد أنّ "خطة محمد بن سلمان أنه لا تساهل مع المعارضين في الأسرة، والجميع إلى السجون، ولا حصانة لأحد حتى لو كان المعارض ممن تبقى من أبناء عبد العزيز". وأتت تلك التغريدات بعدما نشر ابن فهد، الأسبوع الماضي، تغريدةً قال فيها إنّه مهدّد بالقتل، قبل أن يحذفها ويُعلن أنّ حسابه تعرّض للقرصنة. وسبق أن هاجم ابن فهد، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة. تهمة "الصمت" كثير من وسائل الإعلام الموالية للنظام السعودي، فسّرت حملة الاعتقالات بحق هؤلاء الدعاة والعلماء، بصمتهم حيال الأزمة الخليجية مع قطر، وعدم تبنّي الموقف السعودي ضد الشقيقة قطر. وكان التعليق الأكثر تداولا وانتشارا، يُشير إلى انتقال السعوديّة من منع حريّة التعبير إلى منع حريّة الصمت. وقال أحد المغردين "لم نعد نتمنى حرية الرأي، أصبحنا نتمنى حرية الصمت". وكتب تركي شلهوب: "كان الناس يطالبون ب(حرية التعبير)، واليوم لا يريدون أكثر من (حرية الصمت)! إلى أين يا وطني! #اعتقال_الشيخ_عوض_القرني #اعتقال_الشيخ_سلمان_العودة". صحيفة "الوطن" السعودية، صدّرت مقالا لها اليوم الإثنين، بالقول "منذ بداية الأزمة الناشبة بين دول الخليج وقطر، تابع كثير من السعوديين حسابات عدد من الدعاة على مواقع التواصل، خاصة تويتر، مطالبين الدعاة بإعلان مواقفهم بعد صمت استمر طيلة الفترة الماضية، في حين كانت حساباتهم تصدح بآرائهم أيام الثورة المصرية، ومحاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا". وفي لهجة هجومية، قالت "الداعية ناصر العمر، وعوض القرني، وسلمان العودة، لم يظهر أي منهم موقفه، ملتزمون بالصمت حتى اللحظة، ليكتفي الأخير بالتغريد بفيديوهات وهو يلاعب أطفاله بعد أن كان مندفعا إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا مع غيره من الدعاة المذكورين آنفا". وتابعت "أما الداعية عادل الكلباني، ففضل عدم التحدث بشأن الأزمة، وغرد في تاريخ 7/ 6/ 2017 قائلاً: لا تطلب مني رأيا فيما ليس لي فيه رأي"، مضيفة "كان للكلباني رأي لافت في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، حيث غرد حينها قائلا: فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك، وانقلبوا صاغرين #فشل_الانقلاب_في_تركيا. وغرد الكلباني في 18/ 12/ 2016 قائلا: صغيرة الحجم قوية العزم، إنها قطر، في الخير كالمطر #اليوم_الوطني_القطري». دعوتهم للتصالح مع قطر ومن الاتهامات الموجهة لهؤلاء العلماء الذين يحظون بشعبية واسعة، لا سيما بين الشباب السعودي، هي دعوتهم للتصالح مع قطر، وإصلاح ذات البين بين الحكام والأمراء لصالح شعوب المنطقة. ومع تداول الأخبار التي نشرتها وكالتا الأنباء القطرية والسعودية، ليلة الجمعة الماضية، حول اتصال هاتفي جرى بين الأمير تميم وابن سلمان، من أجل بدء الحوار سعيا لحل الأزمة الخليجية، وقبل أن تصرح السعودية، بعد ساعات من الاتصال، عن تعطيل الحوار والتواصل مع قطر، لتعود الأزمة بذلك إلى نقطة الصفر. عبر هؤلاء الدعاء عن أمانيهم بحل الأزمة والتصالح بين الأشقاء. وجاء اعتقال الشيخ سلمان العودة على خلفية تغريدة له اعتبرها المغردون سببا رئيسيا في القبض عليه، قال فيها "ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم".