على طريقة الطغاة والاستبداد نفسها التي اتبعها المخلوع مبارك في تلميع وترفيع ابنه جمال على طريق التوريث، يفعل اليوم قائد الانقلاب بشكل مختلف. ففي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن التعديلات الدستورية المرتقبة لتوسيع سلطات السيسي، وتمديد ولايته إلى 6 سنوات، مع إلغاء تحصين منصب وزير الدفاع.. وهي أمور يمكن قراءتها في إطار حماية السيسي لمقعده وسط تصاعد الأزمات، إلا أن التعديل الأهم بنظر محللين، نية السيسي توسيع سلطات جهاز الرقابة الإدارية، الذي يعمل فيه نجله مصطفى في المكتب التنفيذي والذي يرأسه أحد أصدقاء السيسي محمد عرفان. وأصبحت هيئة الرقابة الإدارية منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي واستيلائه على منصب الرئاسة واحدة من أهم الأجهزة التي يعتمد عليها في ترسيخ دعائم حكمه. ومؤخرا طلبت الدائرة الخاصة بالسيسي -التي يديرها مدير مكتبه عباس كامل- من الدوائر التشريعية المختصة في الحكومة ووزارة العدل إعداد مشروع قانون جديد وكامل لهيئة الرقابة الإدارية، والهدف من ذلك يتمثل في إقرار نصوص تحدد بوضوح السلطات والاختصاصات الفعلية التي اكتسبتها الهيئة خلال العامين الأخيرين، وتسمح لها باستخدام مواردها المالية في مشاريع استثمارية أسوة بالجيش ووزارة الداخلية. والقانون الذي تريده دائرة السيسي من شأنه أن يبسط رقابة هيئة الرقابة الإدارية على جميع الأجهزة والجهات العاملة في الدولة، بما في ذلك الهيئات القضائية وقطاع الأعمال العام وشركات القطاع الخاص التي تشترك في أعمال مع الحكومة، وكذلك الشركات التي تسهم فيها الدولة وأجهزتها المختلفة مع القطاع الخاص، حسب تقارير إعلامية. أهداف التعديل يستهدف التعديل إطلاق يدها للرقابة على كبار رجال الدولة والعاملين فيها ومنشآتها، وزيادة أهمية التحريات التي تجريها على المرشحين للمناصب الوزارية أو للتعيين في الدولة أو للالتحاق ببعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة. ويريد السيسي الاستعانة بالهيئة لأداء أدوار تختص بها الحكومة في الأصل، مثل الاشتراك مع الجيش والاستخبارات العامة في بيع السلع الغذائية بأسعار أرخص، واشتراكها في إدارة عدد من المشاريع الخدمية. وترغب دائرة السيسي في منح الهيئة صلاحيات أوسع فيما يتعلق بتفتيش المقار الحكومية دون إذن مسبق، تحت مظلة اختصاص سيتم تحديده، وهو المتابعة الدورية لمدى كفاءة عمل الجهاز الإداري في الدولة بناء على قرار من رئيس هيئة الرقابة الإدارية نفسه. وهذا سيسمح لأعضاء الهيئة (وهم يتمتعون بصفة الضبطية القضائية مثل ضباط الشرطة) بدخول الأماكن الحكومية بمختلف أنواعها ودرجاتها دون اشتراط إذن مسبق من النيابة العامة، سواء لضبط جرائم بعينها أو التفتيش بهدف الكشف عن أي جرائم، أو التفتيش العادي بشكل يجسد سيطرة الهيئة على أروقة الحكومة. تأديب القضاة أما بالنسبة للقضاة، فتسعى دائرة السيسي إلى إخضاعهم بشكل كامل لرقابة الهيئة، باعتبارهم عاملين عاديين في الدولة، ردا على اعتراض مجلس القضاء الأعلى أخيرًا بشكل سري لدى وزير العدل حسام عبدالرحيم، على توسع هيئة الرقابة الإدارية في الرقابة على تحركات وهواتف واتصالات القضاة بصفة عامة.. استنادًا إلى حكم سابق أصدرته محكمة النقض في تسعينيات القرن الماضي، يؤكد عدم خضوع القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بصفة عامة لهيئة الرقابة الإدارية، باعتبارهم ليسوا أفرادًا من الجهاز الحكومي للدولة. وتحاول السلطة بتلك المقترحات التشريعية سد الثغرات التي قد ينفذ منها دفاع المتهمين في القضايا التي تضبطها الرقابة الإدارية، وهي ظاهرة انتشرت بوضوح في الآونة الأخيرة في أروقة المحاكم. فعلى سبيل المثال تمت تبرئة معظم الأطباء والموظفين الذين حركت هيئة الرقابة الإدارية قضايا ضدهم بدعوى إخلالهم بواجبات الوظيفة وتقصيرهم المهني، بعدما أثبتت المحاكم عدم صحة إجراءات التفتيش والمعاينة التي قام بها أعضاء الرقابة في أماكن عمل هؤلاء الموظفين، وبصفة خاصة الأماكن ذات الطبيعة الخاصة مثل المستشفيات والمحاكم. طريق التوريث وشهدت الفترة الماضية مئات القضايا الكبرى التي اختصت الرقابة الإدارية بالكشف عنها، تلميعا لدورها المتصاعد.. وأوْلى السيسي اهتمامًا كبيرًا بهيئة الرقابة الإدارية، وأجرى تعديلات واسعة على هيكلها، دافعًا بأعداد كبيرة من ضباط الاستخبارات الحربية والاستخبارات العامة للعمل في الهيئة بدلاً من ضباط الشرطة، ثم عيّن أحد أصدقائه خلال فترة خدمته في الجيش، وهو محمد عرفان، رئيسًا للهيئة عام 2015. وعيّن السيسي نجله مصطفى عضوًا في المكتب الفني لرئيس الهيئة، ثم بدأت حملة إعلامية مستمرة لإبراز دور الهيئة وانضباطها ودورها في الرقابة على الأجهزة الحكومية ومشاركتها في بعض الحملات الخدمية والاجتماعية، وصولاً إلى إسناد اختصاص الإشراف على إدارة مشاريع بعيدة تمامًا عن اختصاصها المحدد قانونًا، مثل المشروع القومي للمعلومات المعروف ب"بناء ذاكرة الأمة" ومدينة دمياط للأثاث، وتطوير ميناء الإسكندرية، وميناء سفاجا البحري. وخلال تلك الفترة كان لهيئة الرقابة الإدارية النصيب الأكبر في كشف قضايا الفساد ابتداء من قضية رشوة وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال، ومدير مكتبه محيي قدح، ثم قضية رشوة مجلس الدولة التي تورط فيها الأمين العام السابق للمجلس وائل شلبي، الذي انتحر في حجرة احتجازه داخل مقر الرقابة الإدارية بمدينة نصر، ثم قضية رشوة نائبين سابقين لرئيس محكمة في الزقازيق، وأخيرًا قضية الرشوة المتهمة فيها سعاد الخولي نائبة محافظ الإسكندرية. كارثة فيما يرجع مراقبون أن طلبات دائرة السيسي ستصطدم ببعض الإشكاليات التشريعية، أبرزها تراكم الاختصاصات المطلوب إسنادها للرقابة الإدارية مع هيئات قضائية ورقابية أخرى، مثل النيابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما ينبئ بحدوث صدام بين مختلف تلك الأجهزة للحفاظ على اختصاصاتها ومكتسباتها من التشريعات والدساتير السابقة. كما أن بعض الوزارات المتعاملة مع المستثمرين والقطاع الخاص مثل "الاستثمار، وقطاع الأعمال العام، والمالية"، حذّرت من مغبة توسيع رقابة الهيئة على الشركات التي تسهم الدولة فيها، أو الشركات التابعة للشركات القابضة. وهذه المؤسسات هي مساحات تتقاطع فيها مصالح وأعمال القطاع العام بنشاط القطاع الخاص. ويمكن الربط بالتالي بين التحذيرات الموجهة لدائرة السيسي بشأن توسيع رقابة الهيئة، وبين تخوف القطاع الخاص من تعدد الأجهزة الرقابية الحكومية، مما قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين المصريين والأجانب عن مشاركة الحكومة في مشاريعها والشركات التي تطرحها للمساهمة. إلا أنه من المؤكد أن السيسي لا يعبأ بالكوارث في سبيل وصول نجله لسدة الحكم، الذي يعد على نار هادئة وبعيدا عن أعين الإعلام، والذي ينتظره عراقيل وعواقب وخيمة في حال طرح تلك الخطط التي تسير بهدوء.. ودون إغضاب الجيش الذي يعتبر مصطفى أحد أبنائه، كما يجري السيطرة على قياداته بالاستثمارات الاقتصادية، وتلجيم قائده الأعلى بإلغاء التحصين الدستوري لمنصب وزبر الدفاع!!!