بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، يومي 20 و21 مايو الماضي، اندلعت نيران الفتنة في دول الخليج العربي، فبعدها بأيام قليلة تم حجب عشرات المواقع الإخبارية في مصر، وفي 5 يونيو جاءت عاصفة الحصار السعودي الإماراتي على قطر، وفي 14 يونيو وافق برلمان العسكر على تمرير التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية!. وفي هذا التقرير نرصد أبرز الملاحظات على بيع تيران وصنافير، وتهديد ذلك للأمن القومي المصري والعربي على حد سواء، ومكاسب الكيان الصهيوني من تمرير الاتفاقية، وتحويل السيادة للجانب السعودي. فتنة بين الشعبين المصري والسعودي الملاحظة الجوهرية الأولى، أن أزمة بيع الجزيرتين للجانب السعودي خلقت أزمة مزمنة، ليس بين النظامين بل بين الشعبين؛ فالأزمات بين النظم سرعان ما تندمل، ولكن هذه الأزمة تحديدا خلقت جرحا غائرا في العلاقات بين الشعبين، بحسب مراقبين. فالعلاقات المصرية السعودية (شعبيا) لم تتضرر في تاريخها مثلما تضررت جراء ما شاب هذا الاتفاق، أو بالأحرى ما شاب أسلوب إدارته، وعلى المهتم برصد ما جرى (شعبيا) أن يعود إلى ملاسنات «شوفينية» تجاوزت كل حد، من شأنها أن تترك ندوبا لن تندمل قبل وقت طويل، بحسب الكاتب والمحلل أيمن الصياد. جزيرتان ثمن التقارب مع السعودية الملاحظة الثانية، أن تنازل رئيس الانقلاب عن الجزيرتين للسعودية، يأتي ثمنا للمصالحة معها بعد فترة توتر امتدت شهورا. يعزز من هذا ما ذكره موقع "جيوبوليس فرانس تي في إنفو"، الذي اعتبر في تقرير له أمس الأربعاء، أن موافقة مجلس النواب على اتفاقية ترسيم الحدود، المثيرة للجدل، بين مصر والمملكة العربية السعودية، والخاص بجزيرتي تيران وصنافير، هو إجراء يشكل جزءا من التقارب بين القاهرة والرياض. وأشار التقرير إلى أن هذه القضية حساسة للغاية في مصر، فمنتقدو السيسي نددوا سريعا ب"الاستسلام" أمام عائدات النفط السعودية، خاصة أن الجيش اتهم الرئيس محمد مرسي بأنه أراد بيع سيناءلقطر وحلايب للسودان؛ لتبرير الإطاحة به في يوليو 2013. إهدار أحكام القضاء أما الملاحظة الثالثة، فهي إهدار أحكام القضاء ونسف مفهوم دولة القانون، فرئيس الانقلاب دفع ببرلمانه الذي تشكل عبر أجهزته الأمنية، إلى مناقشة اتفاقية «تيران وصنافير»، على الرغم من حكم بات ونهائي يجعلها كالعدم، وعلى الرغم من نص دستوري صريح يحرم التنازل عن «الأرض» تحت أي ظرف من الظروف. وعلى الرغم مما يعنيه ذلك كله سياسيا من إهدار المجلس النيابي لحكم قضائي بات، وهو ما يضرب في مقتل مشروعية النظام القائم دستوريا على الفصل بين السلطات، وعلى إعلاء القانون، بحسب المحلل السياسي الدكتور أيمن الصياد، في مقاله بالشروق بعنوان «ما هو أبعد من «الجزيرتين».. حقائق الأمن القومي». خطورة التفريط في الجزيرتين على الأمن القومي والملاحظة الرابعة ما ذكره الصياد، في مقاله، من خطورة سعودة الجزيرتين على الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء. يقول الصياد: «السيطرة على الممرات البحرية هي من أهم العوامل التي تعزز الأمن القومي، فلماذا نفرط هكذا في أمننا القومي؟". خلاصة القول إذن يمكننا أن نقرأها واضحة في حقائق الجغرافيا، والتاريخ، والقانون الدولي، فضلا عن الأمن القومي: 1 في حقائق الجغرافيا: أن مضيق تيران (الذي يفصل بين جزيرة تيران وساحل سيناء) هو المنفذ الوحيد لخليج العقبة، بوصفه الممر الوحيد الصالح للملاحة. 2 وفي حقائق القانون الدولي: أن الجزيرة إذا ظلت على حالها «مصرية»، فإن هذا الممر يظل مياها داخلية مصرية. ويظل لمصر «العربية» جميع حقوق السيادة على الممر. وعلى الرغم من أن اتفاقية السلام مع إسرائيل وبقواعد القانون الدولي تفرض حرية المرور «البريء» بالمضيق. (أكرر: البريء)، فإن هذا المبدأ يجري تعطيله زمن الحرب، ليصبح لمصر «العربية» الحق المطلق في فرض ما تريد من قواعد للمرور (أو منع المرور) في المضيق. أما في حال أصبحت الجزيرتان سعوديتين (بغض النظر عن الأسباب) فإن الممر يصبح تلقائيا ممرا «دوليا» بالتعريف، لا تملك مصر (ولا السعودية) قانونا أي سلطة عليه، لا في زمن السلم، ولا في زمن الحرب. 3 وفي حقائق التاريخ: أن ذلك جرى فعلا غير مرة، وأوقفت مصر سفنا غربية كانت تحمل أسلحة إلى إسرائيل في الخمسينيات من القرن الماضي. 4 وفي حقائق الأمن القومي: أن السيطرة على الممرات البحرية التي تؤمن المسارات التجارية «والعسكرية» هي من أهم العوامل التي تعزز الأمن القومي لأى دولة. ولذلك مثلا نفهم لماذا لا تزال بريطانيا متمسكة بجزر جبل طارق أمام الساحل الإسباني. ولماذا خاضت أحدث حروبها في العصر الحديث (أبريل 1982) لتسترد سيطرتها على جزر الفوكلاند المقابلة للأرجنتين، على الرغم من أنها تبعد عن الأراضي البريطانية آلاف الأميال. مكاسب إسرائيل من تمرير الاتفاقية الملاحظة الخامسة هي مكاسب الاحتلال الإسرائيلي من تمرير الاتفاقية وتحويل السيادة عليهما للجانب السعودي، الأمر الذي يحوّل مضيق تيران إلى ممر دولي لا مصري خالص، ما يسمح وفق القانون الدولي بمرور السفن الإسرائيلية، وليس من حق أحد منعها بعد ذلك، بعكس الوضع السابق عندما كان المضيق مصريا خالصا. وثاني مكاسب الصهاينة هو أنه من حقهم رفع دعوى تعويض ضد مصر؛ على خلفية إغلاق عبدالناصر المضيق أمام الملاحة قبل حرب 67، ما يعني أن مصر معرضة لدفع تعويضات باهظة جراء هذا. يقول الصياد: «على هامش المسألة برمتها، لا أعرف إن كان هناك من انتبه (أو يعنيه أن ينتبه) إلى أن الإقرار بعدم تبعية الجزيرتين لمصر، يفقد قرار عبدالناصر بإغلاق خليج العقبة (مضيق تيران)، بوصفه «مياها مصرية» أمام الملاحة الإسرائيلية (22 مايو 1967) مشروعيته، ويجعل من حق الإسرائيليين مقاضاة مصر ومطالبتها بالتعويض».