موعد مباراة نابولي ضد أودينيزي اليوم الإثنين 6-5-2024 والقنوات الناقلة    ترامب يتهم بايدن بقيادة "إدارة من الجستابو"    خبير تحكيمي: حزين على مستوى محمود البنا    محمد صلاح: هزيمة الزمالك أمام سموحة لن تؤثر على مباراة نهضة بركان    حالة الطقس اليوم.. تحذيرات من نزول البحر فى شم النسيم وسقوط أمطار    بسعر مش حتصدقه وإمكانيات هتبهرك.. تسريبات حول أحدث هواتف من Oppo    نجل هبة مجدي ومحمد محسن يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية تيران وصنافير في ضوء قواعد القانون الدولي (2-2)
نشر في المصريون يوم 18 - 04 - 2016

عرفنا في الجزء الأول من هذا المقال جملة من الحقائق التاريخية والجغرافية والقانونية عن جزيرتي تيران وصنافير وما حولهما في المدخل الجنوبي لخليج العقبة. وقد يسأل سائل: هل أوضاع الحدود الدولية: البرية، والبحرية، والنهرية عوماً هي أوضاع أزلية أبدية لا تتزحزح؟ وهل يتم ترسيم الحدود وفق معيار "الحق التاريخي" أو الحق القانوني وحده؟. والإجابة على مثل هذه الأسئلة تقودنا إلى معمعة التغير المستمر في موازين القوى في العلاقات بين الدول. ويتبين من وقائع التاريخ أن صاحب القوة، هو الذي يستطيع عادة أن يفرض وجهة نظره في أغلب الأحوال؛ إما طوعاً، وإما كرهاً بخوض الحروب والانتصار فيها على الخصم. أي أن قانون القوة، وليس قوة القانون؛ هو الحَكَم الفصل. وفي أحوال أخرى يتم التوافق على اللجوء للتحكيم الدولي مثلما حدث في قضية "طابا" التي استردتها مصر بحكم باتٍ من محكمة العدل الدولية.
والحقيقة أن الوقائع التاريخية الخاصة بجزيرتي تيران وصنافير ومضيق تيران موغلة في القدم. وقد خضعت الجزيرتان مع خليج العقبة ومدينته لكثير من التحولات عبر الأحقاب الزمنية المتوالية. فكانت حيناً تتبع والي الحجاز، وحينا آخر تتبع والي مصر. وإذا بدأنا بأحدث نقطة مرجعية في تحديد تبعيتهما سنجد أنها ترجع إلى زمن الحملة الفرنسية وخرائطها التي توضح تبعيتها لمصر(خريطة رادفيلد)، ثم معاهدة لندن سنة 1840م، ومن بعدها اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا سنة 1899م، واتفاقية الحددود بين مصر والدولة العثمانية في سنة 1906م التي اعتبرت الجزيرتين وأم رشراش ضمن حدود إقليم الدولة المصرية على ما أسلفنا، ولكن دون أن يتم ترسيم الحدود ترسيماً إجرائياً موثقاً في وثيقة خاصةلهذه المنطقة.
وكانت نقطة التحول الأساسية بشأن تبعية تيران وصنافير والمضيق هي الحرب العربية الإسرائيلية في سنة 1948م، فقد عمدت الدول الكبرى آنذاك إلى إبرام سلسلة من اتفاقيات الهدنة الثنائية بين كل دولة من الدول العربية التي شاركت في تلك الحرب وبين إسرائيل، فانعقدت هدنة إسرائيلية مصرية ، وأخرى إسرائيلية سورية، وثالثة إسرائيلية أردنية وهكذا. وكان السبب الأساسي غير المعلن لاختيار صيغة الهدنة الثنائية هو: أن تتجزأ قوة المفاوض العربي لصالح قوة المفاوض الصهيوني، وينفرد الطرف الصهيوني بكل طرف على حدةليحقق أكبر مكسب له على حساب الطرف العربي الذي خرج مهزوماً في حرب سنة 1948م. وتم توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل في ردوس في 24 فبراير سنة 1949م. وكانت نصوص هذه الهدنة نطقة انطلاقة جديدة في تاريخ مضيق تيران، وجزيرته وجزيرة صنافير بشكل خاص، وعموم خليج العقبة والمدخل الجنوبي لشبه جزيرة سيناء بشكل عام.
وما حدث هو أنه: قبل هدنة رودس في سنة 1949م لم يكن المركز القانوني للجزيرتين محدداً بدقة أو بشكل إجرائي من خلال عملية ترسيم للحدود كما أسلفنا. وتشير وثائق هدنة رودس إلى أن اللجان القانونية بذلت جهداً كبيراً من أجل إنجاز عملية الترسيم، ومن ثم تحديد التبعية القانونية للجزيرتين في ضوء بحث أشمل منهما وهو: بحث التبعية القانونية لمدينة العقبة ذاتها، وهي الواقعة في المدخل الجنوبي الشرقي لخليج العقبة.
وتشير محاضر هدنة رودس أيضاً بخصوص هذه النقطة إلى أن اللجنة انتهت إلى أن "مدينة العقبة مصرية، وأنها تشكل مع أم رشراش جزءاً من الإقليم المصري"، وكاد اتفاق هدنة رودس ينص على تبعيتها وعودتها لمصر؛ لولا ما طرأ من ظروف(لم تحددها وثائق رودس) اضطرت المجتمعين لإرجاء النص على ذلك. وكانت أهم حجة سيقت آنذاك لتبرير عدم النص على عائدية الجزيرتين ومدينة العقبة لمصر، هي أن أحكام اتفاقية الهدنة "مستوفاة من الاعتبارات العسكرية فقط، وأنها لا تحدد حدوداً سياسية أو إقليمية، ولا تمس بالحقوق والمطالب التي تنتج عن تسوية القضية الفلسطينية تسوية نهائية". ومن هذا النص يلوح لنا أن القوى المؤيدة للطرف الصهيوني والمشاركة في وضع اتفاقية هدنة رودس قد نجحت في تلغيم العلاقات المستقبلية بين مصر والمملكة العربية السعودية. وظهر النص في هدنة رودس باعتباره قرينة على أن المركز القانوني لتيران وصنافير ليس محدداً، أو أنهما في أظهر تأويلات نصوص هدنة رودس "ليستا تابعتين للسعودية". واستقر النص النهائي في هدنة رودس على أساس أن تتولى مصر السلطان الفعلي أو الإدارة والحماية، "دون الإخلال بأي مطالبة من جانب السعودية". وعلى هذه النقطة اتكأت المطالبة السعودية بعائدية الجزيرتين لها، وفي تلك النقطة غرست بذور المشكلة الراهنة.
وثمة ملاحظة مهمة هنا وهي أن هدنة رودس في سنة 1949م لم تأت على عملية الحصار البحري أو فتح مضيق تيران أو خليج العقبة بالنسبة لإسرائيل. وإهمال مثل هذا النص يؤشر على مسألة مهمة، وهي أن العرف الدولي قد جرى على أنه ما من هدنة بين دولتين متحاربتين إلا ونظمت عمليات رفع الحصار البحري أو الإبقاء عليه. مثل هدنة حرب القرم في سنة 1856، وهدنة الحلفاء والمانيا في سنة 1919. أما وإن شيئاً من هذا لم يحدث في هدنة رودس فإنه يكون إقراراً بأن قرار الملاحة عبر مضيق تيران هو قرار مصري صرف، باعتبار أن هذا المضيق يحجز خلفه مياهاً مصرية داخلية لا تشاركها في السيادة عليها جهة أخرى، ومن ثم لم تكن حاجة للنص على مسألة الحصار البحري إبقاءً عليه أو رفعاً له.
وبرهن السلوك المصري بعد هدنة رودس على تمسك مصر الدائم بتبعية الجزيرتين لسيادتها، وأنهما ومضيق تيران ضمن مياهها الداخلية وليست الإقليمية فقط.
ففي 21 ديسمبر 1950م أرسلت الحكومة المصرية منشوراً إلى شركات الملاحة الأجنبية وإلى البعثات القنصلية تبين فيها الإجراءات المتبعة للملاحة في المياه الإقليمية المصرية في مضيق تيران. وتتلخص هذه الإجراءات في منع السفن الإسرائيلية من المرور في مضيق تيران، ومنع أية سفن أجنبية تحمل مواداً استراتيجية لإسرائيل. وواقعة مرور السفينة الإنجليزية إمباير روش Empire Roach قاطعة في الدلالة على وجود اعتراف دولي لسلطة الحكومة المصرية في السيادة والإشراف على الملاحة في مضيق تيران. فعندما خالفت هذه السفينة التعليمات الخاصة بالمرور في مضيق تيران في 21 ديسمبر 1950 واحتجزتها السلطات المصرية تبين من تبادل المذكرات بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية في سنة 1951 أن الحكومة البريطانية تقبل تفتيش سفنها المتجهة إلى خليج العقبة، وبشرط أن تكون سفناً غير حربية، أما إذا كانت حربية فيتم منعها منعاً باتاً، وهذه قرينة قانونية لا يرقى إليها الشك في سيادة مصر على المضيق.
وبعد عدوان سنة 1956م حاولت إسرائيل تأجيل تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 2 نوفمبر 1956م والخاص بإدانتها وضرورة انسحابها إلى خارج خطوط هدنة رودس، وذلك حتى تحصل إسرائيل على ضمانات من الأمم المتحدة تتعلق بحرية الملاحة في خليج العقبة، وبأن قوات الطوارئ الدولية التي تقرر تشكيلها، تتولى المرابطة في منطقة شرم الشيخ المصرية على مدخل الخليج. وآنذاك؛ رفض سكرتير عام الأمم المتحدة إعطاء ضمانات من هذا النوع، وقرر في تقريره الذي رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 فبراير 1957م أن القوات الدولية لن تُستعمل لغرض فرض أي حل لمشكلة سياسية أو قانونية ، وإنما تنحصر وظيفتها في منع وقوع أعمال حربية. وإن الأمين العام يرفض أيضاً تعزيز القوات الدولية في منطقة شرم الشيخ بطريقة تمكن إسرائيل من كفالة حرية الملاحة في خليج العقبة. وفي النهاية انسحبت القوات الإسرائيلية من المنطقة دون أن تحصل على مزايا بحرية أو إقليمية جراء عدوانها على مصر.
صحيح أن مصر لم تتمكن من ممارسة إشرافها على مضيق تيران منذ العدوان الثلاثي في سنة 1956م، وحتى قرار عبد الناصر بإغلاقه في 23 مايو سنة 1967م. إلا أن هذا الإجراء أعاد الحالة التي كانت قائمة قبل العدوان الثلاثي في سنة 1956م ، وكانت محاولة من عبد الناصر لإلغاء كل آثار هذا العدوان، ولكنها أسهمت في وقوع عدوان وهزيمة سنة 1967م.
وعلى أية حال فإن عدم تمكن مصر من بسط إشرافها وسيادتها الفعلية على الجزيرتين والمضيق في الفترة من سنة 1956 إلى مايو سنة 1967م، لا يمكن الاحتجاج بها للتدليل على خروج المضيق والجزيرتين من سيادتها. كما لا يمكن الاحتجاج بما تم أثناء وجود قوات الطوارئ الدولية في شرم الشيخ من عرقلة مصر عن ممارسة إشرافها على مضيق تيران؛ وذلك لأن مصر كانت طوال الوقت بعيدة عن المواقع التي يمكنها فيها فرض هذا الإشراف(حالة تعذر بمفهوم القانون الدولي)، فضلاً عن أن مدة بقاء هذه القوات لم يتجاوز عشر سنوات، وهي مدة غير كافية لإنشاء حقوق ملكية للغير في ميدان القانون الدولي.
الحضور الصهيوني/الإسرائيلي ظل فاعلاً ومصراً على تغيير المعالم الجيوسراتيجية البرية والبحرية في هذه المنطقة التي تقع في مدخل خليج العقبة؛ نظراً لخطورتها المستقبلية على وجود الكيان الصهيوني نفسه. وظلت إسرائيل تتحرك في المحافل الدولية، واستطاعت فعلاً أن تسهم في تغيير بعض قواعد القانون الدولي الخاصة بالبحر الإقليمي في المعاهدة الموقعة في جنيف في سنة 1958م. وطبقاً لنصوص هذه المعاهدة جرى اعتبار مضيق تيران مضيقاً دوليا؛ بهدف أساسي هو: تمكين إسرائيل من الوصول إلى ميناء إيلات عبر المضيق، وترسيخ قوة الأمر الواقع بغطاء "قانوني"، وحرمان مصر، أو أي بلد عربي آخر من الانفراد بتنظيم قواعد الملاحة في المضيق، وبالتالي في خليج العقبة. وبذلك أنهت معاهدة جنيف حقاً تاريخياً توارثته الدول العربية الحديثة عن الدولة الإسلامية في عصر الخلافة.
تحتاج قضية تيران وصنافير وما حولهما إلى بحوث تاريخية وقانونية واستراتيجية متعمقة يقوم بها خبراء ذوي خبرة واختصاص. ولا وجه أبداً للتسرع والخفة في مثل هذه القضايا ذات الحساسية المرهفة وطنياً ووجدانيا. وقد لفت نظري في مقالة نشرتها جريدة الحياة اللندنية(16 أبريل 2016) للأستاذ جمال خاشقي ما ذكره بخصوص ملاءمة توقيت الإعلان عن ترسيم الحدود وتبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فقد ذهب إلى أن هناك أربعة أسباب تبرر هذا الإجراء. وأنا أنقل ما كتبه حرفياً وأضعه أمام مثقفي مصر ونخبتها القانونية والسياسية للتأمل فيه ملياً قال الأستاذ خاشقجي:
"هناك أربعة أسباب تفسر ذلك:أولها أن الوقت مناسب، فالعلاقة بين البلدين في أوجها، والرئيس عبدالفتاح السيسي يمتلك الشعبية والقدرة اللازمة لتمرير قرار كهذا، والثاني، أن الرياض باتت القوة الأهم في المنطقة، وحان وقت تحمّل مسؤوليتها في تلك المنطقة الحساسة، التي تتمتع فيها إسرائيل بقوة ونفوذ لا تستحقه، وثالثها، مشروع جسر الملك سلمان، الذي سيغير سياسة المنطقة واقتصادها وجغرافيتها، والأفضل أن تعود الجزر إلى السيادة السعودية التي تستطيع حماية هذا المشروع وتمريره، وآخرها هو ما بدأت به المقالة، أن الحدود الجيدة والواضحة، تصنع جيراناً جيدين، فلا أحد يعرف تحديداً ما الذي يحويه خليج العقبة وجنوبه من مكامن غاز ونفط يمكن أن تكون موضوع خلاف مستقبلي بين الأشقاء، إذا لم تكن هناك حدود واضحة".(أ.ه) .
من جانبي أتوجه للأستاذ خاشقجي، وهو معروف بدماثة الخلق والأدب الرفيع، بأن يسارع إلى الاعتذار لمصر والمصريين جميعاً عن هذه المبررات التي ساقها، لأن فيها من الإهانة وعدم اللياقة ما لا يرضاه هو لمصر ، وما لا نرضى قول مثله بحق الشقيقة السعودية. ولنقرأ مرة أخرى بعض ما كتبه: "أن الرياض باتت القوة الأهم في المنطقة"، ولم يقل أنها "الأهم إلى جانب مصر، أو أنهما جناحا الأمة" مثلاً!، وقال أيضاً " الأفضل أن تعود الجزر إلى السيادة السعودية التي تستطيع حماية مشروع جسر الملك سلمان وتمريره"، و"لا أحد يعرف ما الذي يحويه خليج العقبة وجنوبه من مكامن غاز ونفط يمكن أن تكون موضوع خلاف مستقبلي بين الأشقاء"؟!!. هل هذا كلام يقوله من يكتب عن "حسن الجيرة"؟!
ما سبق في هذه المقالة التي كتبناها لوجه الله والوطن والأخوة العربية، يعني جملة من الحقائق يتعين أن يضعها كل مصري وكل مصرية وكل مسئول في مصر نصب عينيه وأهمها:
1 أن مسألة تيران وصنافير ومضايق تيران وخليج العقبة، ليست مسألة محصورة فحسب في الجزيرتين والمضيق، وإنما هي مسألة ذات أبعاد تتعلق بصميم السيادة المصرية على أرضها، وتتعلق أيضاً بقضية "فلسطين كلها". وأن الخطر الأكبر لا يتعلق بتبعيتها لمصر أو السعودية، وإن كان حسم هذه المسألة أمراً مهما، وإنما الخطر آت من جهة التخطيط الاستراتيجي الصهيوني الذي يسعى لتغيير المعطيات الجيوستراتيجية في المنطقة لصالحه، وعلى نحو يسلبنا حقوقنا التاريخية والدينية ومصالحنا الاستراتيجية وأمننا القومي .
2 أن الممر الصالح للملاحة من مضيق تيران يدخل بأكمله في نطاق المياه الإقليمية المصرية. حتى بافتراض أن مياهه ليست مياها داخلية. وبافتراض تبعية الجزيرتين للسعودية فمن غير الممكن التسليم لها بالممر الصالح للملاحة في المضيق لأنه جزء لا يتجزأ من مياه مصر الإقليمية، ومن ثم فإنها تخضع للسيادة المصرية، والسيادة لا يمكن التنازل عنها، كما أنها واحدة ودائمة ولا تتجزأ.
3 ضرورة الانتباه إلى أن معاهدة فرساي في سنة 1919م التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، قد حددت الدول الوريثة للدولة العثمانية وهي: مصر، وبلاد الحجاز(ساعتها لم تكن المملكة قد نشأت)، ولبنان، والعراق، وشرق الأردن، وفلسطين. ولم يكن هناك شيء اسمه "إسرائيل"، فلا يمكن بالتالي التسليم لها لا بأم الرشراش، ولا بأي حقوق أخرى تتعلق بالملاحة في خليج العقبة ومداخله الجنوبية، ناهيك عن ادعاءاتها وأكاذيبها الخاصة بأرض فلسطين من البحر إلى النهر. وقد عرفنا أن خليج العقبة "خليج تاريخي" استمرت السيادة العربية الإسلامية عليه خلال قرون طويلة، فحكمه حكم البحر المغلق، ومياهه مياه داخلية خاصة بالدول العربية فقط، ووجود إسرائيل على شاطيء العقبة عمل غير مشروع ليس لها فيه أي سند قانوني.
4 إن ما تردد عن أن تبعية جزيرتي تيران وصنافير ومضيق تيران ستنتقل إلى المملكة العربية السعودية وهي محملة بكل الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، هو أمر يحوطه الغموض من جميع الجهات. وإذا رجعنا لكلام الأستاذ خاشقجي مثلاً، سيزداد الأمر غموضاً وغرابة. فهو لابد يعرف أن الجزيرتين والمضيق ضمن المنطقة "ج" منزوعة السلاح ويوجد بها قوات طوارئ دولية، وشرطة خفيفة التسليح بحسب معاهدة السلام؛ وعليه إذا كانت السعودية ستلتزم بهذه الالتزامات فما معنى كلام الأستاذ خاشقجي أن "الأفضل عودة الجزيرتين إلى السيادة السعودية التي تستطيع حماية مشروع جسر الملك سلمان وتمريره"؟؟. كيف تستطيع حماية الجسر بأفضل مما تستطيع مصر في ظل الالتزام بنفس الالتزامات الواردة في معاهدة السلام؟. ثم إننا نتساءل وأعيننا مفتوحة على آخرها: هل انتقال الجزيرتين للسعودية (إن حدث) وهما محملتان بأعباء والتزامات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية يعني فيما يعني دخول المملكة العربية السعودية بطريق غير مباشر في معاهدة سلام مع إسرائيل أيضاً، ودون تكلفة سياسية أو ضجة إعلامية؟؟. ثم لماذا يا ترى عرضت إسرائيل موضوع تيران وصنافير على الكنيست للموافقة على ما توافقت عليه حكومتا مصر والسعودية؟؟!.
5 إن الإجراءات التي تمت بشأن تيران وصنافير منذ حرب سنة 1973م، وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في سنة 1979م، وحكم المحكمة الدولية بعودة طابا للسيادة المصرية، وكذلك المراسلات الدبلوماسية بين الحكومة المصرية والحكومة السعودية بشأن الجزيرتين منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم؛ وغير ذلك مما تتداوله وسائل الإعلام المصرية والسعودية؛ كل ذلك يظل محكوماً بالمعطيات التاريخية والوثائق القانونية التي أوجزناها، ولا يصح أبداً أن تصبح تلك الإجراءات والتصريحات المستحدثة حاكمةً لتلك المعطيات والوثائق القانونية، فضلاً عن أن تكون ناسخة لها. فما سمعنا بشيء كهذا في سوابق القانون الدولي ولا في أحكام المحاكم الدولية. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.