معلومة لا يعملها كثير من المصريين، أن الشيخ صاحب العمامة الأزهرية البيضاء والقبعة الحمراء، الذي طالما شنف أسماعهم وبكى وأبكاهم وأحترق قلبه أسى على حال أمته ودولته، محمد محمد الراوي ابن الصعيد في اللهجة والملامح، هو من رفض الإنقلاب العسكري على الدكتور محمد مرسي، ورفض الدماء التي أريقت بعد الثالث من يوليو، توارى الشيخ الراوي عن الإعلام، إلا أنه رفض أن يذعن ولو كان الثمن بسيطا في أن يمنع من السفر لأداء العمرة، وهو في مرضه وعلى سريره، يجرم من زيارة بيت الله، رغم أنه شرف بالاشتراك في التوعية الإسلامية في الحج لمدة خمسة عشر عاما لنشر التوعية بين حجاج المسلمين بإشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية مع صفوة من علماء المملكة وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز. فلا عجب لمن تربي في سجون عبد الناصر، وبتعذيب حمزة البسيوني أن يأخذ موقفا كهذا الموقف، فلقد رآه يوما يحرق المصاحف، بعد أن سمع خلية نحلة وصفها "المعذب" بالذباب، فيجد الشيخ الصغير أن كل الزنانين ما زالت تدوي قرآنا.
الأجمل في سيرة الراحل الذي ترجل هو نسبه المقاوم لحكم الظالمين، فهو علاوة على أنه ابن أزهر سليمان الحلبي والشرقاوي وعمر مكرم، هو أيضا وابن شقيقة الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان في حرب فلسطين 1948، وعضو مكتب إرشاد الجماعة، ورئيس منطقة الإسماعيلية والقناة، وتم ترشيحه شيخا للأزهر عدة مرات، وقد أعدمه الرئيس جمال عبد الناصر في 7 ديسمبر عام 1954، ضمن عدد من قادة الإخوان الذين تم اعدامهم بعد محاكمات عسكرية، إثر حادث المنشية الشهير بالاسكندرية الذي قيل إنه كان محاولة اغتيال لعبد الناصر.
حفظ شيخنا الراوي القرآن الكريم في سن مبكرة في القرية، حيث كانت المعاهد الأزهرية لا تقبل الطالب في السنة الأولى إلا بحفظ القرآن الكريم كله، ويبقى الطالب في المعهد تسع سنوات، أربع سنوات في القسم الابتدائي وخمس سنوات في القسم الثانوي، وبعد الانتهاء من الدارسة في معهد أسيوط تقدم إلى كلية أصول الدين بالقاهرة وحصل منها على الشهادة العالية عام 1954م، حصل على الشهادة العالمية مع تخصص التدريس من كلية اللغة العربية – جامعة الأزهر عام 1956م.
وعمل بعد تخرجه بقسم الدعوة في وزارة الأوقاف، ثم أصبح مفتشا عاما في مراقبة الشؤون الدينية بعد مسابقة عامة لجميع المفتشين كان ترتيبه الأول على الناجحين، نقل بعدها إلى مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة وعمل بالمكتب الفني بالمجمع، ابتعث من قبل الأزهر الشريف إلى نيجيريا لتدريس اللغة العربية وعلوم القرآن.
طلب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وانتقل إليها بداية من العام الدراسي 1390* 1391ه واستمر بها مدة تزيد على خمس وعشرين سنة عمل خلالها في: كلية اللغة العربية – مدرسا للتفسير والحديث كلية العلوم الاجتماعية – من بداية إنشائها، وساهم في قيام كلية أصول الدين – وعمل بها أستاذا للقرآن وعلومه ورئيسا لقسم القرآن أكثر من ثلاثة عشر عاما، وساهم في إنشاء المعهد العالي للدعوة الإسلامية وقام بإلقاء المحاضرات فيه وأشرف على بعض رسائل الماجستير للذين أكملوا الدراسة فيه، كما أشرف على كثير من الرسائل العلمية ما بين ماجستير ودكتوراة في كلية أصول الدين وغيرها من كليات الجامعة.
اشترك في مناقشة كثير من الرسائل العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الملك سعود.
وشيع المسلمون الشيخ الراوي صباح اليوم الجمعة الأولى من رمضان 1438، الموافق 2 يونيو 2017، وهو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وأستاذ التفسير، وعضو مجمع البحوث عن عمر يناهز ال88 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، من الجامع الأزهر، بحضور مجموعة من المسؤولين في الأزهر.
وولد الشيخ محمد محمد الراوي في قرية "ريفا" محافظة أسيوط غرة فبراير 192, وتخرج من جامعة الأزهر الشريف وهو عضو في مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة.
ومن أوراقه مؤلفاته كتاب الدعوة الإسلامية دعوة عالمية (مجلد كبير) طبع عدة مرات، وكلمة الحق في القرآن الكريم – موردها ودلالتها (مجلدان) طبع أكثر من مرة، وحديث القرآن عن القرآن (مطبوع)، والقرآن الكريم والحضارة المعاصرة (كتيب مطبوع)، والقرآن والإنسان (مطبوع)، والرسول في القرآن الكريم (مطبوع) الرضا (مطبوع)، ومنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله (مخطوط)، وكان خلقه القرآن (مخطوط)،والمرأة في القرآن الكريم (مخطوط).
ومن محاضراته؛ وحدة المسلمين في مواجهة الأخطار – سبيلها وغايتها، والقرآن الكريم بين الدراسة والتطبيق، ومكانة الآمة الإسلامية في تحقيق السلام العالمي، والمسلمون بين ثبات القرآن ووثبات المدنية، وقضية السلام في ميزان الإسلام.
وعمل الشيخ محمد الراوي – رحمه الله- مقدمة للمصحف الوثائقي الذي جمعته إذاعة القرآن بالقاهرة، فجمع بين القراء القدامى ووصل بينهم في مصحف متكامل بلا انقطاع، وقد طُلب منه عمل مقدمة لما يتلى في كل صباح من إذاعة القرآن الكريم بالقاهرة، وقد تم ذلك حيث اكتمل تسجيل 392 حلقة تذاع يوميا قبل تلاوة القرآن في إذاعة القرآن بالقاهرة بصورة دائمة.