"أحب على إيدك يا باشا.. عايزة أشوف ابنى.. أنا تعبانة يا باشا وجاية من الصعيد"، هذا ما قالته الحاجة حسنية جنيدي -68 عامًا- للقاضي الذي تلذذ بسياط الألم التي تبدو على قسمات وجهها المتغضن بالحزن، ربما لن يمنح العمر الحاجة حسنية فرصة أخرى لتحتضن ابنها عاشور إبراهيم، وتشم رائحته للمرة الأخيرة قبل ان ترحل عن هذه القرية الظالم جيشها. لم يمضِ على مشهد الحاجة حسنية وهى تتوسل وتبكي بلا جدوى عدة أشهر، حتى نشر المحامي الحقوقي أسامة بيومي، لطمة جديدة على وجه أدعياء حقوق الإنسان، فقال في تدوينة على صفحته بموقع "فيس بوك"، اليوم الخميس: "كانت تتمناه إلى جوارها وهي مريضة وقد أجرت جراحة خطيرة لكنه كان معتقلا لا يستطيع أن يراعيها ولا تستطيع أن تزوره وبالأمس ارتقت روحها للحكم العدل تشكو ما عانته من ظلم لها ولفلذة كبدها دون أن تراه منذ ما يزيد عن شهر، بينما هو محروم من نظرة وداع.. حتى اللقاء وبينما تناديه الملائكة: ماتت حبيبتك التي كنا نكرمك من أجلها يرد الله عز وجل على دعائه ودعاء أمه الحبيبة: لأنصرنك ولو بعد حين، وبينما هو معتقل على #ذمة قضية النائب العام، تنتقل هي لتكون في #ذمة الله والدة إبراهيم شلقامي المعتقل على ذمة قضية النائب العام في ذمة الله".
وتعددت حالات الوفاة لأهالي المعتقلين، دون أن يسمح لهم بوداعهم، منها وفاة والدة المدرس "محمد خضر"، أشهر مدرس لغة إيطالية بالإسكندرية والمعتقل حاليًا بسجن الحضرة كمدًا على سجن نجلها الوحيد، ورفضت سلطات الانقلاب التصريح للمعتقل بدفن والدته ورؤيتها للمرة الأخيرة. كما توفيت والدة المعتقل الأستاذ حمدي طه -المعتقل بسجن قنا العمومي- على خلفية قضية أحداث محافظة أسوان، والذي يقبع في سجون العسكر منذ عامين ونصف، المفارقة أن "عبدالرحمن" -20 عاما- هو نجل الأستاذ حمدي طه، محكوم عليه ب25 عاما، في قضية ملفقة، ورغم ذلك فهم صابرون وواثقون في نصر الله. مقابر سيدنا يوسف! وبات السجن هو الملمح الرئيسي لمصر في عهد العسكر، ومنذ نبي الله يوسف وحتى الآن يعتبر السجن هو المكان الذي تقهر فيه الإرادة؛ فلا شيء أغلى عند الإنسان من حريته، وباتت زيارة المعتقلين عبارة عن موسم يومي يبحث فيه ذئاب المباحث عن غنائم من خلال استنزاف أموال أهالي رافضي الانقلاب. زيارة أم أو زوجة أو أطفال لوالدهم في أحسن الأحوال مدتها ساعة لكنها لا تتعدي 10 دقائق، يلتقي فيها المعتقل بأهله يبث فيها شكواه وألمه وأمله في الوقت نفسه. والدة أحد المعتقلين يدعى "أحمد" تشعر بدنو الأجل دون أن تراه، كل ما تعرفه أن ولدها إلى الآن في أسوأ سجون الانقلاب يموت بالبطيء، أحمد الذي لم تره والدته منذ شهور لأنهم منعوا الزيارة عنه وعن كثير مثله، وما زال في زنزانته الانفرادية لا يذكر آخر مرة رأى فيها الشمس، لا يعرف أي يوم هذا، لا يعرف التوقيت، لا يعرف كيف حال أهله، لا يعرف من بالزنازين التي بجواره، لا يعرف شيئا إطلاقا، كل الذي يعرفه أن الفرج والنصر آت لا محالة، جرد من جميع أشيائه وملابسه، في هذا البرد يشعل نار الثأر يتدفأ بها حتى يأتي الصباح الذي لا يراه، فقط يشعر به، لا شيء معه غير مصحف صغير استطاع تهريبه بعد أن أرضى المخبر بكثير من النقود! يغوص السفيه عبدالفتاح السيسي كل دقيقة في دعوات المظلومين ودماء الشهداء، ويجهل أن الدماءُ لا تجف وإن تَوَّهَمَ القَتَلَةُ ذلك، والجراح لا يُسَّكِنُ آلامَها إلا الإحساسُ بالعدل، لا راحة للأحرار وبينهم أم مكلومة وزوجة ملتاعة ومعتقلون فقدوا أحبابهم وقرة أعينهم من الأبناء والآباء والزوجات. لك يوم يا سيسي المعتقلون في عتمة الزنازين يتألمون أَلَماً فوق الألم، ففوق أَلَم فقد الأحبة، ألَمُ عدم رؤيتهم في اللحظات الأخيرة أو تشييع جنازاتهم ومواراتهم الثرى، منذ عدة أشهر اندلع حريق بمنزل عادل نافع، المعتقل في سجون الانقلاب، ما أسفر عن وفاة أطفاله الثلاثة، في شقته الكائنة بمنطقة حلوان جنوبي العاصمة القاهرة، وهم عبدالرحمن 7 أعوام، وفارس 6، ومحمود 4. يقول الناشط عبدالرحمن عز: "نادوا على أبوهم كتير وصرخوا بس أبوهم معرفش ينقذهم ولا يأخدهم في حضنه ولا حتى يودعهم ويضمهم آخر ضمة لصدره لأنه معتقل في سجون السفّاح السيسي والجيش المصري ومحروم من ولاده وحريته بقاله أربع سنين، أبوهم اسمه #عادل_نافع، ادعوا له الله يصبره ويفرج عنه ويرزقه وزوجته الأم المكلومة أم الأطفال الثلاثة القصاص من ظالميهم، اللهم اشف صدورهم واربط على قلوبهم". وقبلها بعدة أشهر توفيت، بعد صراع طويل مع المرض عن عمر يناهز 30 عاما، زوجة المعتقل أيمن حسيني الأشقم، المعتقل على خلفية رفضه الانقلاب العسكري بمعسكر قوات الأمن بالشرقية، ولم يسمح له بالخروج لتشييع جنازتها أو وداعها الوداع الأخير. يعلم "الأشقم" أن حالة زوجته الصحية كانت قد تدهورت عقب اعتقاله، حيث كان الراعي الوحيد لها، بعد إصابتها بمرض السرطان، وأخذت حالتها في التدهور إلى أن لقيت ربها، وهي لم تر زوجها منذ ما يزيد عن 200 يوم. أما السيدة هناء عبدالغني من قرية الكوم الأحمر، زوجة رجب عثمان المعتقل بسجون الانقلاب، فقد صعدت روحها إلى بارئها في إحدى المسيرات ضد الانقلاب بمدينة بني سويف، بعدما أصيبت بأزمة قلبية مفاجئة أثناء سيرها وعلى الفور نقلتها السيدات المصاحبات لها في المسيرة إلى المستشفى لكن روحها صعدت إلى بارئها وهي تدعو الله على الظالمين وبصرها معلق بالسماء. عذرًا حبيبتي وتحكي خديجة الشاطر قصة زوجة أحد المعتقلين والتي توفيت تاركة خلفها 5 أطفال قائلة: يا إلهي.. لا يفارق عيني صورتها وهي تسقط علي الأرض.. كانت بيننا تحمل طفليها وإذا بها في ثوان تهوي إلى الأرض.. فصعقني حالها مفزوعة هل يا ترى ماتت أم سقطت مغشيا عليها.. وصرخات أطفالها من حولها وأنينهم فزعا على أمهم.. زوجة أحد المعتقلين التي أغرقت عيوننا دمعا اليوم.. بجسدها الهزيل جاءت تجر أطفالها.. وأم زوجها المسنة واحتياجات زوجها المعتقل.. فأثقل الحمل كاهلها فلم تعد تحتمل.. فهوت إلى الأرض مرتطمة بأسوار الحديد.. فغابت عن الوعي راحلة عن قبح ما حولها لترقد في سلام.. حالها كحال مئات من زوجات المعتقلين اللاتي يقفن لا تحملهن أقدامهن من المشقة.. جال في خاطري سيدنا عمر بن الخطاب.. لو أبصرتنا لبكيت من حال نسائنا.. ولتعجبت من كم تطيق حرائرنا اليوم من أحمال.. ففوق ألم الفراق وغياب الزوج تحمل نساء المعتقلين.. ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة من الرجال. وتضيف: "سقطت امرأة اليوم مغشيا عليها، لا أدري هل من وقوفها في الطوابير الطويلة ل#مقبرة_العقرب من قبل الفجر أم من الإذلال والهوان الذي نلاقيه ومنع الطعام والملابس أم من الدقائق الزهيدة لزيارة من خلف حائل زجاجي يقطع خلوتها المخبر بعد كل هذا الانتظار، أم من برد الصحراء أم من حمل هم عبور الطريق الدائري بصغارها بعد كل هذا التعب أم من كل هذه الأشياء مجتمعة". وتابعت: "لكن الشاهد أن سقوطها لعنة على كل ظالم لم يتقِ الله فينا لم يراعِ حرمة كبير ولا صغير وأذاق قومنا سوء العذاب قربي لبني صهيون.. عذرا حبيبتي فكونك من الشعب الآخر الذي لم يرقص فرحا علي أنغام الانقلاب العسكري الغاشم و يقدم القرابين للبيادة من الشعب الذي ذاق الأمرين في السجون حين كانت "مصر بتفرح" جريا وراء ذويهم ممن أراد الكرامة والعزة للمصريين، فلا قيمة لنا أو وزن عند من وعد شعبه إنهم "نور عينيه"، عذرا حبيبتي فسقوطك اليوم خنجر يدمي قلوبنا ووصمة عار علي جبين رجال العرب!".