خلص الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "إيريك تريجر" في كتابه الجديد "الخريف العربي.. كيف فاز الإخوان المسلمون بمصر وخسروها في 891 يوما؟"، إلى نتيجة مختلفة تماما عما يتردد في وسائل الإعلام المصرية والعالمية بأن الاخوان ركبوا ثورة يناير 2011، مؤكدا أنهم هم أصحاب الثورة والسبب في تفجيرها. "تراجر"، الذي زار مصر أكثر من مرة لعمل رسالته للدكتوراة، أكد أنه سعى في كتابه لمناقشة هذه "الرواية" المزعومة، التي ينشرها مناهضون للإخوان وصحف أجنبية، والتي تقول إن الإخوان المسلمين اختطفوا الثورة وفازوا في الانتخابات البرلمانية ونصبوا واحدا منهم رئيسا. حيث أكد أنهم "لم يخطفوا أي شيء، فالإخوان كانوا في الواقع الحركة الوحيدة المنظمة والمنضبطة في مصر لدرجة تكفي لتحدي النظام القديم في الانتخابات". وتابع- بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية التي استعرضت كتابه- "إن الكتاب يذكر أن الإخوان كان لهم وجود قوي، وإن كان هادئا، منذ بداية احتجاجات 2011". ولكنه هاجم الإخوان بعنف في كتابه واتهمهم بالفشل في إدارة الدولة، وزعم أن تحرك الجيش ضد مرسي "لم يكن النتيجة الحتمية لتصميمه على حرمان الإخوان من مكانهم في هيكل السلطة السياسية، وإنما كان افتقار الإخوان للرؤية والكفاءة هو الذي دفع أكبر حشود في مصر على الإطلاق إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح". وبحسب "وول ستريت جورنال" اعتمد تريجر في كتاب "الخريف العربي" على عشرات المقابلات التي أجراها المؤلف، مع زعماء وأعضاء الإخوان المسلمين قبل الثورة وبعدها. وأضافت أن الكتاب يتضمن تفاصيل هائلة، مشيرة إلى أنه "يروي فيه أن فشل الإخوان بصورة أشبه بالكارثة في حكم مصر، إنما يرجع أيضا بحسب تحليله لكيفية فشل واشنطن بنفس الدرجة في فهمهم". قصة الإخوان منذ الإسماعيلية ويتضمن الكتاب قصة جماعة الإخوان المسلمين كأقدم وأكبر جماعة إسلامية في العالم أسسها الشهيد حسن البنا عام 1928، الذي كان مدرسا في الإسماعيلية، وأنشأ حركته من هناك. ويقول: إن الإسماعيلية في ذلك الواقع تحت الحكم الملكي جسدت الصراع بين أنصار البنا وبين الاحتلال البريطاني، حيث الأجانب الذين يتربحون من قناة السويس التي يسيطر عليها الاحتلال. وكتب يقول: "كان هذا الوضع يعذب "البنا"، المدرس التقي الذي كان مقتنعا بأن الاسلام يقدم كل ما يحتاجه أتباعه للنهوض السياسي والمادي والأخلاقي، فرفع شعاره الذي ما زال شعار الإخوان المسلمين حتى اليوم، وهو أن الإسلام هو الحل". وشرح كيف يمتد برنامج البنا من القاع إلى القمة، حيث يبدأ بإصلاح الفرد، وبعد ذلك يرعى هؤلاء الأفراد بيوتا إسلامية نموذجية تشكل كلها مجتمعا مؤمنا يخشى الله أو "دولة إسلامية"، حسب قول البنا، تتواصل في نهاية الأمر مع مجتمعات اكتسبت الصبغة الإسلامية على نفس النسق لاستعادة الخلافة. ويشير إلى أن الإخوان بمثابة طليعة لتحقيق ذلك، ويختارون بعناية من يثبت فقط التزامه المطلق بمهمتهم، وأن تحول شخص إلى أن يصبح "أخا" عملية شاقة تستغرق ما بين خمس إلى ثماني سنوات، من الصعود عبر مراتب طبقية للغاية. وأنه بمجرد الوصول إلى آخر مرتبة (أخ عامل) يعلن العضو نفسه "جنديا مخلصا"، ويتعهد بعدم "مخالفة الأوامر"، وببذل "جهده ونفسه وماله في سبيل الله. أمريكا والإخوان ويرصد الكاتب رد الفعل الأمريكي على الثورة ودور الإخوان فيها، مؤكدا أنه في اليوم السابق على تنحي مبارك، أكد مدير المخابرات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر للجنة في مجلس النواب، أن "مصطلح الإخوان المسلمين هو مظلة لتشكيلة من الحركات، وفي حالة مصر فهي مجموعة متنوعة جدا، وعلمانية بدرجة كبيرة"، بحسب زعمه. ويتابع "يبدو أن البيت الأبيض أيضا لم يكن مدركا لطبيعة الحركة التي قد تحل محل مبارك"، و"إذا كانت إدارة أوباما تعرف القليل عن الإخوان، فما تعرفه عن مرسي كان أقل". وكتب تراجر يقول: إنه "مع اقتراب مرسي من خوض الانتخابات، بدأ المسئولون الأمريكيون التزاحم على باب الإخوان"، ولم يكن هناك أحد أكثر دهشة من الإخوان أنفسهم من احتضان واشنطن لهم. وفي الأول من فبراير 2011، بعد أسبوع فقط من بدء المظاهرات، أعلن الرئيس باراك أوباما عن أن تغيير الحكومة في مصر "يجب أن يبدأ الآن"، وتنحى مبارك بعد ذلك بعشرة أيام، وحكى دبلوماسي أمريكي لاحقا أن مستشاري أوباما احتفلوا بشرب الفودكا والبيرة. ويقول الكاتب: إنه "في الشهور التالية للثورة، تعهد الإخوان بعدم السعي للرئاسة أو للأغلبية في البرلمان؛ خشية أن تثير تلك التحركات مخاوف المصريين القلقين من مسعى الإخوان للأسلمة". ولكنه يزعم "تلاشي التعهدين في نهاية الأمر، وحين استبعد الاختيار الأول للجماعة كمرشح رئاسي (خيرت الشاطر) على أساس عدم الأهلية لأسباب فنية، وقع الاختيار على محمد مرسي الموظف الذي لا يحظى بالجاذبية الجماهيرية". وتابع "بحلول وقت انتخابات صيف 2012، كان واضحا أن الإخوان ابتعدوا عن قوى المعارضة الأخرى، مثل الليبراليين الذين أغرم بهم المراقبون الغربيون، والذين كانوا على أي حال قوى سيئة التنظيم، ولا تحظى بدعم شعبي كبير". ويروي "تراجر" في كتابه كيف التقى الرئيس محمد مرسي قبل توليه الرئاسة، ويقول إن مرسي أبلغه أنه "يمارس المعارضة الداخلية في الحركة، وأنه مخلص لسيد قطب، المفكر الإخواني الذي أعدمه نظام جمال عبد الناصر. ونقل تراجر عن مرسي قوله: "برنامجنا طويل الأجل، وليس قصير الأجل"، وأضاف "هدفنا ليس أن نصبح حكاما. بلدنا يجب أن يحكمه الإسلام". أخطاء مرسي لصالح الجيش ويستعرض الكاتب ما يسميه "أخطاء مرسي"، زاعما أنه "بمجرد انتخابه في يونيو 2012، بدأ مرسي الحكم بعدم كفاءة صدمه هو شخصيا"، وأن الإخوان "لم تكن لديهم رؤية سياسية حقيقية سوى ملء الحكومة المصرية بمسئولين من الإخوان المسلمين أو ممن لهم عقلية مشابهة". وقال: إنه لدعم الاقتصاد المصري المتداعي، قدمت حكومة مرسي "مشروع النهضة" الذي وعد بخفض التضخم بمقدار النصف، وحماية كرامة الفقراء، ومضاعفة عدد العائلات التي تحصل على ضمان اجتماعي، ولكن "لم يظهر تفسير على الإطلاق للكيفية التي سيحقق بها مرسي هذين الهدفين اللذين يبدوان متناقضين". ويزعم أنه "مع هذا الإهمال للاقتصاد، انطلق مرسي ليستهدف الصحافة، وفي أول سبعة شهور له في السلطة، اتهم عددا من الصحفيين بإهانة الرئيس، يعادل أربعة أمثال من اتهمهم مبارك بذلك على مدى 30 عاما"!. كما يزعم الكاتب أنه "في نوفمبر 2012، انتزع مرسي لنفسه سلطة بطريقة لم يكن حتى مبارك نفسه يجرؤ عليها، حيث حصن قراراته من سلطة القضاء، وبعد أسابيع، دفع بدستور أعده نواب من الإخوان والسلفيين". ونقلت "وول ستريت" عن الكاتب قوله: إنه مع تزايد المعارضة على مدى الشهور التالية، تحول مرسي إلى نظريات المؤامرة، قائلا: إن "من يغذي الاضطراب أجانب أو فلول نظام مبارك أو مصالح رجال أعمال أقوياء". وبمجرد تحول المعارضة إلى مظاهرات حاشدة، أكبر مما حدث عام 2011، وصفها (مرسي) في أحاديث مع مسئولين أمريكيين قلقين بأنها "غير مهمة". وتابع "حين زود الإخوان في يونيو 2013 مئات من كوادرهم بالخوذات والدروع والعصي "لحماية الثورة"، أكدوا بغباء المخاوف من اشتباكات في الشوارع بين مؤيدي ومعارضي مرسي، وبالتالي عززوا التفويض للجيش بالتدخل". مرحلة الانقلاب العسكري ويقول "تريجر": إنه "حين قدم مرسي تنازلات جزئية في الثاني من يوليو 2013، كان الوقت قد فات"، وأفادت تقارير بأن وزير الدفاع حينئذ ورئيس البلاد حاليا عبد الفتاح السيسي قال لزعيم من الإخوان، في اليوم التالي قبل قليل من احتجاز مرسي: "هذا مطلب الجماهير". ومع تدخل الجيش، اعتقد الإخوان أن الاحتجاجات الطويلة ستجعل النظام يجثو على ركبتيه، بما يمهد الطريق لعودة مرسي، بحسب تراجر، الذي كتب يقول: إن "الإخوان أخطئوا في الحسابات بدرجة سيئة مرة أخرى". وأضاف أن الجماعة "بالغت بشدة في تقييم قدراتها، وهونت بدرجة تصل غلى حد الكارثة من حماس النظام الجديد لسحقها، وكما هو حال الإخوان، اعتبر النظام الجديد المدعوم من الجيش الفترة التالية لمرسي معركة وجود، وهي معركة كان يبدو مصمما بنفس الدرجة على كسبها". ويتابع "الآن وبعد مرور ثلاث سنوات، تضاءلت قوة الإخوان المسلمين بشدة مع سجن قادتها، والكثير من قاعدة تأييدها أو تعرضهم للنفي أو القتل في ظل حكومة السيسي". ولكنه يؤكد أن "هذا لا يعني أن الجماعة انتهت، فحركة عمرها 88 عاما لا تختفي في يوم وليلة، لكن اكتسابها لأهمية سياسية قد يستغرق سنوات أو عقودا". ويقول: إنه "في تلك الأثناء، فقد تستخلص الإدارة الأمريكية درسين مهمين من تجربة مصر التعيسة، وهما أن "المشاركة في الانتخابات مجرد عنصر واحد من الحكم الديمقراطي، وأن وضعا راهنا سيئا يمكن دائما أن يزداد سوءا، وهو في هذه الحالة الحكم المستبد لمبارك الذي استمر عقودا.