لم يكتف الانقلاب العسكري في مصر بقمع وقتل الأبرياء المصريين من معارضي ظلمه، بل امتدت يداه الباطشة إلى شرفاء المقاومة من حركة حماس الفلسطينية فقامت غدرًا باعتقال اثنين من شبابها كانا يعبروا رفح بوثائق رسمية إلى مطار القاهرة الدولي ابتغاءً لحياة علمية ومعيشة أرفع. الصورة الفاضحة التي نشرتها قناة "الجزيرة" الفلسطينية أمس الإثنين نقلاً عن أسر فلسطينية لاثنين من مختطفي حركة حماس بالقاهرة في حالة مزرية داخل أحد السجون المصرية، أكدت ما كانت تنفيه سلطات الانقلاب المصرية من وجود المختطفين لديها منذ عام.
وفي الصورة يجلس الشاب عبد الدايم أبو لبدة القرفصاءَ، وجسده المنهك مرتكز إلى جدار الزنزانة، وفكره شارد خارج تلك الغرفة الصغيرة، مفكرًا بأمه، وهو الوحيد لها، كحال من معه في الغرفة التي يتكدس بها أسرى مجهولو الهوية ظهروا في صورة مسربة وأجسامهم شبه عارية، داخل سجن لاظوغلي الشهير بمصر وإلى جانبه ياسر زنون مستلقيًا على الأرض كما استقلت أحلامه بحياة كريمة وأشقاء مخلصون في العالم العربي.
وكان كل من ياسر فتحي زنون، حسين خميس الزبدة، عبد الله سعيد أبو الجبين، وعبد الدايم أبو لبدة، في طريقهم إلى مطار القاهرة الدولي عبر حافلة ترحيل مصرية، وتحت حراسة قوات الأمن المصرية، ضمن مجموعة من الفلسطينيين سُمح لهم بعبور معبر رفح إلى القاهرة بتاريخ 19 أغسطس 2015 بعد حصولهم على الموافقات الأمنية المطلوبة، وأثناء استقلالهم الحافلة على الطريق الدولي باتجاه العريش تعرضوا للاختطاف من قبل مسلحين، بعد قراءة أسمائهم من كشف بحوزة أولئك المسلحين، بحسب شهود عيان.
مطالب حقوقية
ودعت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا" السلطات المصرية إلى إجلاء مصير الفلسطينيين الأربعة الذين تعرضوا للاختطاف على أيدي مسلحين شمال سيناء في مصر، منذ أكثر من عام، بعد عبورهم من قطاع غزة عبر معبر رفح في منطقة خاضعة للسيطرة الكاملة للجيش المصري.
وبتاريخ 22 أغسطس الجاري أعلنت أسر اثنين من بين المختطفين الأربعة، وهما ياسر فتحي زنون وعبد الدايم عبد الباسط أبو لبدة، عن تلقيهم صورة- رفضا الإفصاح عن مصدرها تظهر تواجد الشابين داخل أحد مقرات الأمنية بالقاهرة بمصر؛ حيث ظهر بالصورة الشاب ياسر زنون مستلقيا على الأرض، وعبد الدايم أبو لبدة جالسا القرفصاء وحولهم مجموعة من المحتجزين تعدادهم حوالي 9 في الصورة وجميعهم شبه عراة.
وأكدت المنظمة أنه من واقع شهادات مئات المعتقلين داخل مقار الاحتجاز المصرية، فإن هذه الصور التقطت في فصل الصيف، حيث يخلع المعتقلون غالبًا جزءًا من ملابسهم، نظرًا لارتفاع درجات الحرارة في الصيف في ظل رداءة التهوية والتكدس الكثيف داخل تلك المقار.
داخلية الانقلاب تنفي
ورغم الصورة الكاشفة استطاعت داخلية الانقلاب العسكري في مصر التجوؤ بمزيد من الكذب؛ حيث صرح مصدر أمني بوزارة الداخلية بأنه لا توجد أماكن احتجاز لأحد بمنطقة لاظوغلى، كما ذكرت قناة الجزيرة باحتجاز الأمن لعدد من الأشخاص، وقال إن منطقة لاظوغلى لايوجد بها أي مواقع شرطية بعد نقل مقر وزارة الداخلية للتجمع الأول بالقاهرة الجديدة.
# الصورة_المسربة
وغرد نشطاء عبر مواقع التواصل منذ صباح أمس، على وسم (#الصورة_المسربة) يدعون فيها لمتابعة قناة الجزيرة مباشر ومشاهدة صورة الشبان الأربعة.
وبعد نشر الصورة عبر عدد من السياسيين والمفكرين عن صدمتهم من أن الصورة لا تخص معتقلاً إسرائيليًّا ولكنها في أرض دولة شقيقة مثل مصر.
خيارات حماس
وأجمع محللون سياسيون على أن خيارات حركة حماس في التعامل مع جمهورية مصر بشأن الشبان الأربعة المختطفين لن تعدو عن تفعيل قنوات التواصل مع المخابرات المصرية للوصول إلى حل وسط للإفراج عنهم.
وأكد المحللون أن قيادة حماس لم تكن تشك في أن الشبان الأربعة ليسوا في مصر، بل كانوا متأكدين من ذلك، ورغم ذلك تعاملوا طوال الفترة الماضية بكل عقلانية، موضحين أن الموضوع سيبقى في إطار الحوار مع مصر.
وقال المحلل السياسي طلال عوكل: إن قيادة حماس ستتعامل بكل عقلانية مع ملف المختطفين الأربعة في مصر، مبينًا أنه ليس لدى حماس فائض علاقات حتى تدخل في سجال جديد وتوتير علاقات مع مصر.
وأضاف: "لا أطن أن قيادات حركة حماس كانت تشك أن الشبان الأربعة ليسوا في مصر، بل كانوا متأكدين من ذلك، ورغم ذلك تعاملوا طوال السنة الماضية بكل عقلانية، والموضوع سيبقى في إطار الحوار مع مصر"، مستبعدًا نهائيًّا أن تدخل حماس في حملة اعلامية موجهة ضد مصر.
وأشار المحلل السياسي مصطفى الصواف إلى أن هذه الصور ستبقى دليلاً واضحًا بيد قيادة حماس أمام جهاز المخابرات المصري الذي أنكر مرارا وجود الشبان الأربعة لديهم، والمسألة لن تكون مفاجئة لحماس أو ذوي المختطفين.
إلى ذلك قال المفكر والمحلل السياسي المصري، د. فهمي هويدي، إنه لا بد التعامل مع الصورة المسربة التي نشرتها قناة الجزيرة لاثنين من مختطفي كتائب القسام الأربعة، من خلال اتصالات هادئة تطلب التثبت من صحتها، وتطلب لقاء هؤلاء الشخصين في حال تم التعرف عليهما وعلى أسمائهما.
وأضاف هويدي أن طريقة التعامل مع الحدث يمكن أن تؤدي إلى التصعيد أو التخفيف من خلال شكل وطريقة تعاطي حركة حماس مع الموضوع.
وأوضح أنه في حال تم التأكد من صحة هذه الصورة فإنها تعطي أملاً لأهالي المختطفين بأنهم ما زالوا على قيد الحياة، لكن هذا الأمر سيتسبب بإحراج شديد للسلطات المصرية، التي نفت مرارًا وتكرارًا اعتقالها للأشخاص الأربعة.
وطالب في الوقت ذاته، بعدم إحداث إثارة إعلامية كبيرة، مضيفًا: "أتمنى أن يكون التعامل الهادئ الأسلوب الذي لا بد التعاطي معه في الصورة حتى لا يؤدي إلى مزيد من الضرر"، حسب تعبيره.
وعن إمكانية تأثير العلاقة بين حماس ومصر، في حال تم التثبت من صحة الصورة، تابع المفكر المصري: "إن هناك قدرًا مكتوبًا على حماس كي تتعامل مع السلطات المصرية بحكم الجغرافيا".
وأردف قائلاً: "حماس لا تستطيع أن تتخاصم أو تشتبك مع مصر، لكن لا ينبغي بأي معيار أن يتم استغلال الأمر في إثارة أو قطيعة، لأن العلاقات حساسة بدرجة أو بأخرى".
وكان الناطق باسم كتاب الشهيد عز الدين القسام أبو عبيدة أكد أمس أن قيادة القسام تبذل جهدها في أكثر من اتجاه لإعادة أبنائنا المختطفين، وأن ملفهم حاضر في كل وقت.
وأضاف: "نجدد العهد اليوم معهم ومع عائلاتهم بأنّ قضيتهم لن يطويها النسيان، وأن حمل هذه القضية هو بالنسبة لنا دينٌ وواجبٌ والتزام، بإذن الله تعالى".
وأكد أحد مسؤولي حماس خلال الساعات الماضية لمقربين منه، أن الحركة ظلت تلتزم الصمت طوال مدة ال 12 شهرًا الماضية، وهي فترة خطف الشبان الأربعة، خشية على مصيرهم في مصر، وأنها كانت متأكدة أنهم موجودين بقبضة جهاز أمني كثيرًا ما كان يشن هجمات ضد الحركة باستخدام وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل، وتلفيق اتهامات خطيرة للحركة.
وأكد أن حماس كانت متأكدة من اعتقالهم في “امن الدولة” وأنها لم تصعد ذلك خشية من تعرض حياتهم للخطر، ويشير إلى أن الصور المسربة من الجزيرة باتت وثيقة ستستخدم في الحوار أولا بين قيادة الحركة ومصر.
مطالب صعبة
وجاء ذلك بعد كشف الدكتور صلاح البردويل، مسئول الإعلام في حركة حماس، بأن مصر طلبت من الحركة مقابل الشبان الأربعة، كشف "مطالب صعبة لا تملك حماس أو أي فلسطيني وطني وغيور تنفيذها أو الضلوع بها من أجل الإفراج عن المختطفين الأربعة”.
ورغم أن البردويل لم يشر لهذه المطالب الصعبة، بل ألمح إليها فقط بالقول "عملنا محدود ولا علاقة لنا بالشأن المصري وما يحدث في سيناء، ولا تطلب مني التدخل في سيناء أن تأخذ الشباب رهائن"، وكان بذلك يرد على الطلب المصري، إلا أن ما ورد من معلومات يقول أن مصر طلبت خلال لقاءات سابقة بقيادات من حماس، أن يشارك الجناح المسلح للحركة المدرب جيدًا في غزة، في عمليات القتال التي يشنها الجيش المصري ضد الجماعات المسلحة في صحراء سيناء.