عقب الثورة.. كان المصريون يعرفون بسيماهم في شوارع الدول العربية، فيقف لهم الجميع احترامًا وتقديرًا..
احترامًا لتاريخ طويل يقدر بآلاف السنين، عاصرت مصر خلاله حضارات عديدة، واستقبلت وافدين من أنحاء الأرض، فاتحين، وغزاة، وزوارًا، ومتعلمين.. أثرت فيهم وتأثرت بهم.
وتقديرًا لثورة أيقظت المارد المصري من قمقمه، فانطلق متذرعًا بحرية يستحقها، وكرامة غابت عنه لعقود، وتفاؤل بمستقبل مبهر، واقتناعًا بحتمية تعويض السنوات الطويلة التي غاب فيها المصريون، أو غيبوا، عن ركب التطور، و... الإنسانية.
لم تستمر تلك النظرة من العرب للمصريين سوى عامين ونصف العام، هي عمر الثورة الحقيقي في مصر، والتي ما إن بلغت الفطام حتى قرر العسكر وأدها في الصغر، حتى لا تكبر، وتتعود على الحرية والكرامة، والأمل.
تغير المعاملة
ومنذ 30 يونيو 2013، عادت صورة المصريين بالدول العربية، سواء عاملين أو زوارًا، إلى أسوأ مما كانت عليه في عهد المخلوع، وتحولت الاعتداءات على المصريين من حالات فردية في عقود سابقة، إلى شبه اختفاء خلال فترة "الكرامة الثورية"، إلى منهج وطريقة في التعامل.
ويبدو أن "الأشقاء" قرروا أن يغيروا المعاملة في اللحظة التي تابعوا فيها قسوة وإجرام العسكر في التعامل مع المصريين الذين خرجوا للدفاع عن ثورتهم في "رابعة والنهضة"، كما يدركون جيدًا أعداد المصريين في السجون والمعتقلات ومقار الأمن الوطني التي تنتهك فيها كرامة المصريين بدون حساب أو سابقة عتاب، فضلاً عن مئات القتلى على يد "أمنا" الشرطة، وضباطها سواء في المستشفيات، أو الأكمنة، أو في سيناء.
كما شاهدوا الجرافات "تكنس" الأطفال، والجنود يصوبون فوهات رشاشاتهم بمنتهى البساطة والفجاجة، بالإضافة إلى "الاستئساد" على الباعة الجائلين، وهدم محلات وأكشاك الذين يجمعون الجنيه إلى جوار الآخر في محاولة لكي لا ينام أطفالهم جوعى، في ظل تجاهل منظمات حقوق الإنسان التي لا تعترف بأن هؤلا الذين تنتهك كرامتهم بشرا يستحقون التعاطف.
وترجمت تلك المعاملة غير الآدمية للمصريين في وطنهم، إلى معاملة أسوأ للمصريين في "أوطانهم الثانية"، وكانت أحدث تلك الحالات الإعلان فجرًا عن اختطاف 23 مصريًا جديدًا في ليبيا، وقبلها بيومين الاعتداء على إبراهيم مصطفى درويش، الذي يعمل حارس أمن في فنادق ومطاعم أردنية، حتى أوشك على الموت على يد أبناء رجل أعمال أردني شهير، وسط صمت دبلوماسي غير مستغرب في وطن لا يقدر سوى العسكريين والقضاة والفنانين ولاعبي الكرة.
وقائع يصعب حصرها
الوقائع أكثر من أن يتم إحصاؤها في تقرير؛ حيث لا يمر يوم دون أن تبث وكالات الأنباء خبرًا عن اعتداء جديد على مصري في دولة عربية، ويؤكد مراقبون أن الانقلاب لا يهتم بالمصريين خارج البلاد، فضلاً عن الذين لم يتمكنوا من الخروج منها حتى الآن ؛ باعتبار أن "مصر فوق الجميع"، وأن مصر يجب أن "تحيا" حتى لو مات معظم أبنائها.
ونستعرض في السطور التالية عددًا من حالات التعذيب والإهانة والقتل لمصريين في الخارج، وفي المقابل لم يكن هناك "تقريبًا" أي رد "فعلي"، سواء من جانب مصر، أو من الدول التي يعيشون فيها، مع المعتدى عليهم، أو ضد المعتدين.
وليد حمدي السيد، يبلغ من العمر 36 عامًا، ويعمل مندوب مبيعات لإحدى المؤسسات بالعاصمة السعودية الرياض، اعتدى عليه 4 شباب سعوديين ؛ بالضرب والطعن بمقص والسحل، والدهس بالسيارة ؛ لخلافهم على أولوية المرور بالسيارة.
واعتدى إيرانيون على عدد من الصيادين المصريين العاملين بالكويت، وقطعوا أصابع أيديهم بالأسلحة البيضاء والسواطير، وذلك أثناء ممارسة عملهم في صيد الأسماك على شواطئ الكويت.
وفي أكتوبر 2015، لقي شاب مصري مصرعه وأصيب 3 آخرون، خلال مشاجرة بين مصريين وكويتيين في مدينة حولي، عند شراء الكويتتيين "بلاي ستيشن" من محل يعمل فيه المصريون بسعر أقل من المطروح، وتطورت المشاجرة إلى قيام الكويتيين عمدًا بدهس المصريين الأربعة.
كما تعرض محمد صلاح يونس محمود، من محافظة سوهاج، ويعمل سائق "ديلفري" بالكويت، للضرب، نقل على إثره لأحد المستشفيات، بعد ضربه من جانب أحد العملاء الكويتيين.
وفي نوفمبر 2015 طعن شابين مصريين في الأردن "أيمن زهجر حمدي، وسوارس قطب حنا"، نتيجة خلاف وقع بينهما و5 من الأردنيين لتعدي أردني لفظيًا على مواطن مصري.
وأعلنت السلطات الأردينة العثور على جثة حارس مصري في منطقة الشونة الجنوبية بالأغوار، جنوبالأردن، مصاب بطلق ناري في الرأس.
وفي أكتوبر الماضي، اعتدى نائب أردني وشقيقه بالضرب على المصري خالد السيد عثمان، الذي يعمل بأحد المطاعم، وتداولت مواقع التواصل فيديو يظهر فيها أشقاء النائب ومرافقوه وهم يضربون خالد بوحشية، انتقامًا منه لتأخره في إحضار الطعام لشقيق النائب في اليوم السابق.
ومنذ عام قتل شاب مصري ثلاثيني، يعمل بأحد المقاهي في عمان، على يد شاب عراقي الجنسية، بعد خلاف بينهما بسبب طلب المصري من العراقي رد أموال له عنده، ليقوم الأخير وشقيقه وصديقهما باصطحاب عمرو من المقهى الذي يعمل فيه بمنطقة الرابية إلى منطقة خالية، ثم قاموا بطعنه بسكين من الخلف.
كما شهدت السعودية حوادث مماثلة، حيث اعتدى شرطي سعودي بالضرب على أحد المواطنين المصريين، أمام أحد الفنادق، في يناير 2015، ما نتج عنه تعرض المواطن لإصابات جسيمة في أنحاء متفرقة من جسده. وفي نوفمبر من نفس العام، اعتدى شاب سعودي على مصري بالسب والتهديد، بحجة أنه وقف بسيارته خلفه ما منعه من التحرك بسيارته، ثم قام باستخدام أداة من حقيبة سيارته وهشم زجاج وهيكل سيارة المصري، فضلًا عن إطفاء السجائر في مقاعده.
"الرز" يصنع المعجزات
بعض المراقبين أرجع الصمت المصري عن كرامة المصريين الضائعة في الدول العربية، وخاصة الخليج، إلى "الرز" الذي يعتبر شريان الحياة للانقلاب العسكري في مصر، وأن الانقلابيين يعملون بمبدأ "الرز مقابل الصمت"، حتى لو كان الصمت على حياة عشرات المصريين التي أزهقت، وستظل.