في السابع عشر من فبراير 2011، ثار الليبيون على نظام العقيد معمر القذافي الذي حكمهم بشكل متواصل لمدة 42 عاما. وكما جرى في مصر وتونس، كان تحرك الثوار مفاجئا وشاملا وضخما لم يحتمله النظام، فواجهه مباشرة بالحديد والنار، وكان ذلك بدايةً لعنف دموي استمر تسعة أشهر، ولم ينته إلا عند مقتل العقيد نفسه يوم 20 أكتوبر 2011، في مسقط رأسه بمدينة سرت، وإعلان المجلس الوطني الانتقالي تحرير كامل البلاد. وبعد خمس سنوات على الثورة، ترزح ليبيا تحت وطأة الانقسام والاقتتال وانعدام الاستقرار السياسي؛ بسبب النزاعات المسلحة بين التشكيلات والكتائب العسكرية المختلفة. وقد فاقم هذا الوضع تحول ليبيا إلى مجرد ساحة للنزاعات المحلية والإقليمية، مما سهل لتنظيم الدولة الإسلامية عملية اختراقها في بعض المدن الساحلية. وفتح ذلك الباب لتعقيد جديد في المشهد الجاري على أرض ليبيا، وأدخلها ضمن جغرافيا الحرب التي يقودها الغرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ويتأهب لشن تدخل عسكري واسع؛ طمعا في السيطرة على مصادر النفط الليبية ذات الاحتياطي الضخم. ونرصد في هذا التقرير أهم القوى المتصارعة على الساحة الليبية. قوات "فجر ليبيا" هو تحالف الثوار الذي يضم جماعات مسلحة، بعضها إسلامية، ويضم في أساسه مجموعات من مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، الأفضل تسليحا في البلاد. نشأ هذا التحالف في يوليو 2014 خلال عملية عسكرية ضد جماعات "الزنتان" المسلحة، التي نجح في طردها من طرابلس لتعود إلى مدينتها الواقعة على بعد 170 كلم جنوب غربي العاصمة. وانضم إلى تحالف "الثوار" هذا مدن في الغرب الليبي والسكان الأمازيغ وجماعات إسلامية معتدلة، بينها "غرفة عمليات ثوار ليبيا" المتمركزة في طرابلس، بحسب هافنغتون بوست. وتسيطر قوات "فجر ليبيا" على كل المدن الساحلية تقريبا، من مصراتة إلى الحدود التونسية مرورا بالعاصمة وجزء من جبل نفوسة جنوبا، حيث انضمت إليها مدن مثل الغريان ونالوت وجادو. كما تحظى بوجود في الجنوب مثل سبها، وتقول إنها تسيطر على الجزء الأكبر من البلاد. تحالف حفتر هي قوات خاصة أنشأها الفريق أول المثير للجدل خليفة حفتر، وضباط سابقون من شرق البلاد انشقوا في بداية الانتفاضة على نظام معمر القذافي في 2011. وكان سلاح الجو بما يملكه من عدد قليل من مقاتلات ميغ-23 وميغ-21 ووحدات القوات الخاصة بقيادة ونيس بوحماد القوات الرئيسية التي انضمت إلى تحالف حفتر لمكافحة ما أسمه ب"الإرهاب"، بدعم من الحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي في مدينة طبرق. واضطرت وحدات الجيش التي طُردت في يوليو الماضي 2015 من بنغازي (1000 كلم شرق طرابلس) إلى الانكفاء شرقا باتجاه مدن موالية مثل المرج والبيضاء وطبرق على الحدود المصرية. ومنذ أكتوبر2014، نجحت قوات حفتر في استعادة جزء كبير من بنغازي، ثاني مدن البلاد، لكنه ما زال يواجه مقاومة جماعات إسلامية. وغربا، يعتمد خليفة حفتر على جماعة الزنتان القوية المناهضة للإسلاميين التي أعلنت انضمامها إليه، وعلى قبائل في المنطقة مثل قبائل ورشفانة والرجبان. ويؤكد الزنتانيون أنهم يشكلون لبّ ما يطلقون عليه «الجيش الليبي». قوات أخرى - تنظيم الدولة الإسلامية: يسيطر على مدينة سرت الساحلية (450 كلم شرق طرابلس)، مسقط رأس القذافي، منذ يونيو، ويسعى للتمدد نحو المناطق المحيطة بالمدينة. كما يتمتع بوجود في بنغازي ودرنة (شرق)، المعقل التاريخي للجهاديين في ليبيا، إلى جانب جماعات جهادية أخرى. ولهذه الجماعة خلايا في طرابلس تبنت تفجيرات وهجمات مسلحة عدة. - مجلس شورى ثوار بنغازي: تحالف لجماعات إسلامية شكّل للتصدي لهجوم قوات حفتر. علاقاته مع قوات "فجر ليبيا" غير واضحة، رغم أن الحكومة التي تدير العاصمة بمساندة قوات "فجر ليبيا" ولا يعترف بها المجتمع الدولي، أعلنت تأييدها له. ويضم خصوصا جماعة "درع ليبيا" و"سرايا شهداء 17 فبراير" و"كتيبة راف الله السحاتي" و"جماعة أنصار الشريعة" المعروفة بقربها من تنظيم القاعدة. - أنصار الشريعة: تعتبر الأممالمتحدة هذه المجموعة "منظمة إرهابية"، ولها فروع في درنة (شرق) وصبراتة (غرب). ويبدو أن عددا من أعضائها انشقوا عنها ليلتحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية. - قوة برقة: تحالف مُعادٍ للإسلاميين من قبائل محلية في شرق ليبيا بقيادة إبراهيم الجدران. وتدعو إلى الفيدرالية وتطالب بحكم ذاتي للمنطقة. عطلت قواتها خصوصا المرافئ النفطية في الشرق ومنع التصدير منها. ولم تعلن هذه القوة بشكل واضح حتى الآن انضمامها إلى الفريق أول حفتر، لكنها معادية بشكل واضح لقوات "فجر ليبيا". يشار إلى أن مباحثات قادتها الأممالمتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، أسفرت عن اتفاق بين حكومتي طرابلس "الثوار" وطبرق "حفتر والثورة المضادة" على تشكيل حكومة توافق وطني برئاسة فائز سراج، إلا أن هناك مشاكل تحول دون التوافق التام بشأنها. ويعول الغرب كثيرا على تشكيل حكومة توافق وطني ويرهن تدخله العسكري في ليبيا لتوجيه ضربات لداعش بإعلان هذه الحكومة، وطلبها الرسمي من الغرب بالتدخل لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يحذر خبراء من التدخل الغربي، وأنه يخفي وراءه أطماعا في ثروات ليبيا الضخمة من النفط.