في ظل مناخ الوشاية والتحريض الذي أوجده الانقلاب العسكري أصبح المواطن "المخبر" صاحب القدرات الخاصة في الإبلاغ و الإرشاد "هو المثالي الذي يستحق أن تحيطه الدولة برعايتها ويطالب الموالين للنظام بمنحه العطايا والمزايا التي يحرم منها الملايين غيره. وكان أحدث هذه الدعوات دعوة الدكتور هاني الناظر، رئيس المركز القومي للبحوث السابق والذي طالب حكومة الانقلاب بتوفير فرصة عمل حقيقية لكل مواطن يرشد الشرطة عن مكان تواجد إرهابي أو مخازن سلاح في سيناء أو كل أنحاء الجمهورية.
وبرر الناظر دعوته بأن كثيرًا من الشباب لا يعمل ويعاني من البطالة، ويبحث عن فرصة عمل شريفة، وعلى جانب آخر هناك كميات كبيرة من الأسلحة غير المرخصة في أيدي المواطنين، وفي داخل البيوت وغيرها، وكلا الظاهرتين تلعب دورًا خطيرًا في الحوادث الإجرامية والإرهابية، موضحًا في تصريحات لليوم السابع أن منحه فرصة عمل مستدامة ستكون حافزًا للتشجيع وتطهير البلاد من الأسلحة والإرهابيين.
دعوات سابقة سبق هذه الدعوة المشبوهة دعوات سابقة قادها بعض إعلاميي الانقلاب وبعض شيوخ السلفية تصب في نفس الهدف نشر الوشاية في المجتمع, فكتب صبري غنيم بجريدة "المصري اليوم" بتاريخ 18 / فبراير 2015، مقالاً بعنوان: "ماذا يحدث لو اكتشفت أن جارك إرهابي؟"، قال فيه: "أطالب كل مواطن بأن يدقق في جاره.. فقد يكون على حق في التنشين يوم أن يبلغ عنه إذا كان يقوم بعمل غامض"! فيما أطلق عدد من شيوخ الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور فتاوى بوجوب الإبلاغ عمن وصفوهم بالمحرضين والممارسين للعنف من جماعة الإخوان المسلمين وأنصارهم، كونه واجبًا وطنيًا وشرعيًا.
وأفتى محمد الأباصيري الداعية السلفي بأن الإبلاغ عمن سماهم أنصار الجماعات الإرهابية بات واجبًا شرعيًا، واعتبر الأباصيري في مقابلة صحفية "من يمتنع عن إبلاغ المسؤولين بمعلومات عن تلك الجماعات آثمًا في حق الدين، ويعد مشاركًا في إراقة الدماء". كما ذهب الشيخ محمود عبد الحميد، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، لوصف "إبلاغ الأجهزة الأمنية عن أي شخص يقوم بزرع المتفجرات بالواجب الشرعي، وأضاف عبد الحميد في تصريح صحفي: "نحن لسنا جهة تحقيقات، ولكن جميع الظواهر تقول إن الإخوان وراء التفجيرات.
استجابات لقيت هذه الدعوات المشبوهة استجابة من قبل بعض ضعاف النفوس وتحولت على إثرها مؤسسات العمل والشوارع والنوادي وحتى المقاهي لساحات للتجسس, وهو الأمر الذي لم تسلم منه حتى الأسرة المصرية فكان من أغرب القضايا التي أثارت غضب الكثيرين قيام أب مصري بالإبلاغ عن ابنه، وتسليمه إلى الشرطة، لمجرد أنه يشارك في المظاهرات السلمية المناهضة لحكم العسكر ولا يزال الابن على في غياهب معتقلات الانقلاب.
وأشادت فضائيات وصحف الانقلاب بتصرف الأب الذي وصفته بالبطولي والوطني وسبق بلاغ هذا الأب بلاغ آخر لأم عن ابنها "خريج كلية الحقوق" في أكتوبر الماضي بدعوى عضويته في حركة شباب 6 أبريل.
وبدأت القصة بتوجه والدة الشاب علي الزيات، إلى قسم النزهة بمصر الجديدة، لتطلب عمل محضر يتهم ابنها بالانتماء لحركة شباب 6 أبريل، فتوجهت قوة من الشرطة إلى المنزل واعتقلته، واستولت على متعلقاته الشخصية، إلا أن الأم طلبت من ضباط الشرطة أن يأخذوا جهاز الكمبيوتر الخاص به؛ لأن عليه صورًا تخص أنشطته، كما أنها أعطتهم هاتفه المحمول للسبب نفسه.
وفي القسم، قالت الأم: "الولد ده لازم يتربى.. وأنا هافضل ورا 6 أبريل، يا أنا.. يا هما"، وأضافت: "اللي مالوش خير في جيشه.. مالوش خير في حد"، وتم احتجاز علي في القسم، ثم عرضه على النيابة؛ حيث وجهت له تهم الانضمام لجماعة إرهابية محظورة تعمل على تعطيل القوانين، وتكدير السلم العام، ومؤسسات الدولة، وحمل شعارات خاصة بتلك الجماعة، للدعاية لأهدافها، وتنفيذ أغراضها، والتحريض على التجمهر بدون تصريح مسبق، وبث الرعب في قلوب المواطنين، بالإضافة إلى تهمة "التعدي بالضرب على والدته". وفي أقواله، أنكر علي انتماءه لحركة شباب 6 أبريل، وقال إنه كان ينتمي لها قبل 30 يونيو 2013، وكان يقتصر على الأنشطة الاجتماعية والخيرية مع زملائه بها، كما أنه أنكر أي علاقة له بجميع الأحراز، باستثناء الأجهزة الخاصة به.
وفي صباح اليوم التالي، تغير حال الأم، التي أتت صباحًا، بعد أن هدأت، وغيرت أقوالها في المحضر، فنفت انتماء ابنها لأي تنظيم سياسي، وقالت إن سبب ما فعلته هو غضبها من ابنها بسبب مشادة عائلية معه، وطلبت التنازل عن المحضر، بينما أمرت النيابة باستمرار حبس الشاب في القسم بتهمة الانتماء لجماعة إرهابية!.