أوضحت الباحثة السياسية شيماء بهاء الدين بداية أنه كان واحدًا من أهم أهداف ثورة 25 يناير 2011 استرداد الكرامة المصرية على الصعيد الخارجي عبر انتهاج سياسة خارجية مستقلة لائقة بالمكانة الاستراتيجية والحضارية المصرية. وهو ما انعكس في بعض الملامح السريعة عقب الثورة كالحديث عن دعم دول الثورات واتخاذ مواقف إيجابية فيما يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن هذه الملامح سرعان ما تراجعت مع استمرار المجلس العسكري في الحكم. مضيفة في إطار تحليلها للسياسة الخارجية للسيسي في مائة يوم في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" أنه مع وصول أول رئيس مدني منتخب للحكم تبلورت سياسة خارجية أكثر وضوحًا واستمرارية، وهو ما تناقض مع مصالح ضيقة لأطراف داخلية وخارجية، جعلتهم يحشدون لانقلابهم.
وبدا عقب الانقلاب التراجع المستمر في سياسة مصر الخارجية، حتى تولى قائد الانقلاب السلطة بانتخابات هزلية باطلة من أساسها، ليصبح التراجع والتهاون في جميع الثوابت والمبادئ وكأن ذلك أصبح الاستراتيجية المعتمدة للسياسة الخارجية المصرية أو بالأحرى لقائد الانقلاب. ورصدت أن ذلك التراجع تجلى على أكثر من مستوى أهمها: تغيير العقيدة العسكرية المصرية وتبدل مفهوم العدو الخارجي، فنجد الحديث عن دور مبهم وغامض لمصر في الحرب على "الإرهاب"، في ثوبها الأخير، ألا وهو التحالف ضد داعش!! ولا ينفصل ذلك بالطبع عما حدث من تورط في المواجهات العسكرية في ليبيا بين أطراف داخلية.
وأشارت إلى أن هذه المواقف التي عكست ملمحًا آخر مهمًا من ملامح التغير في السياسة المصرية خلال المائة يوم الأخيرة، وهو ترسيخ العداء العلني مع الثورات العربية، وهو ما يتماشى مع المنطق الانقلابي بالطبع. وبالتالي، فخلال المائة يوم استمر مسلسل العداء للسوريين وللثورة السورية لصالح النظام الوحشي لبشار الأسد.
وكشفت أن موقف "السيسي" من العدوان الصهيوني الأخير على غزة عكس تغييرا ذا طبيعة مزدوجة، فمن جانب هو تغيير ينم عن تجاهل تام لأدنى متطلبات الأمن القومي المصري ولغزة كعمق استراتيجي في مقابل إعطاء أولوية لتحالفات الانقلاب الصهيو أمريكية دون سواها. أما الجانب الثاني برأيها فهو اختفاء الحد الأدنى من أثر الروابط الحضارية بين أبناء الأمة، والتي كانت أعتى النظم استبدادًا تحافظ عليها حتى ولو من باب حفظ ماء الوجه، إلا أن سلطات الانقلاب لم تستح أن تتحدث في بيانها عما أسمته "عنف الطرفين" في مساواة تامة بين المعتدي والمعتدى عليه! وتكرر مشهد تجاهل المصالح العليا لصالح التحالفات الصهيو أمريكية للانقلاب مع إهمال ملف سد النهضة والمعروف للجميع الدور الصهيوني في بنائه. ونبهت أيضا إلى البعد الاقتصادي كعنصر شديد الأهمية لا يمكن إغفاله في إطار تقييم السياسة الخارجية خلال المائة يوم الماضية، فقد وجهت الاتهامات للرئيس محمد مرسي بأن سياسته الخارجية تقوم على الاستجداء في تجاهل لما قام عليه من مشروعات واتفاقات مع العديد من الدول. بينما السياسة الاقتصادية الخارجية للسيسي لم تعكس أي رؤية للمصلحة المصرية بل إنها لم تنم عن أي رؤية فنية عميقة، وكان الاستمرار في طلب دعم شركاء الانقلاب في الخارج الأصل. أما ما يتصل بالاستثمار الأجنبي، فإنه لم يكن سوى العجز عن جلبه، واللجوء إلى اللوائح والقوانين التي تبيح التملك للأجانب دون معايير منضبطة. وتفاقم مهزلة استيراد الغاز من إسرائيل بأضعاف الثمن الذي يصدر به لهم.