هل هي مجرد خطوة اقتصادية أم مؤشر جديد على إفلاس دولة السيسي؟ في خطوة جديدة تثير تساؤلات أكثر مما تطمئن، أعلنت وزارة المالية المصرية عن تخصيص مساحة ضخمة من الأراضي العامة – تبلغ 174 كيلومتراً مربعاً (أكثر من 41 ألف فدان) في منطقة رأس شُقير على البحر الأحمر – لصالح إصدار صكوك سيادية، بهدف "خفض المديونية الحكومية"، وبينما تُصرُّ الوزارة على أن الأرض لن تُعرض للبيع المباشر، بل ستستخدم كضمانة للحصول على تمويل، إلا أن دلالات هذه الخطوة تتجاوز الطابع التقني المالي، إلى عمق الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد المصري تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
صكوك على أرض السيادة: بيع بالالتفاف
رغم نفي الحكومة وجود نية للبيع الفوري للأرض، فإن تخصيص أصول استراتيجية كهذه لطرح صكوك مالية يعني عملياً رهنها مقابل ديون جديدة، تلك الصكوك، التي سيشارك فيها على الأرجح صندوق ثروة سيادي خليجي، تمثّل أحد أشكال الاستدانة غير التقليدية، لكنها تحمل جوهرياً نفس المخاطر: تآكل الأصول العامة لصالح الدائنين، وتزايد فقدان الدولة السيطرة على مواردها، ولو بشكل غير مباشر. اقتصاد مرهون… إلى متى؟ التبرير الرسمي – استخدام الصكوك لتغطية عجز الموازنة – يعكس ببساطة واقعاً مريراً: دولة مفلسة فعلياً، عاجزة عن تمويل نفقاتها إلا من خلال رهن ما تبقى من أصولها، ومن المثير أن الحكومة تشير إلى هذه الخطوة بوصفها وسيلة لخفض الدين، بينما هي عملياً اقتراض جديد بشروط مختلفة. وبحسب تسريبات حكومية، فإن الصفقة مع الصندوق الخليجي المنتظر هدفها المباشر تمويل إصدار صكوك تسعى لسد فجوة تمويلية ضخمة متوقعة تصل إلى 3.6 تريليونات جنيه في موازنة 2025/2026 تجميل صورة الإفلاس يحاول الخطاب الرسمي تلطيف الصورة من خلال الحديث عن "تحقيق التنمية" و"إيجاد فرص عمل"، لكن تلك العبارات لم تعد تقنع الشارع المصري بعد تجارب "العاصمة الإدارية" و"العلمين الجديدة"، التي لم تسهم فعلياً في تحسين حياة المواطنين بقدر ما عمّقت الفجوة الطبقية وأثقلت كاهل الدولة بالديون، فهل يكون مشروع رأس شقير مجرد حلقة أخرى في سلسلة المشاريع التي تُموّل من بيع أصول الدولة دون أي عائد اجتماعي ملموس؟ أسئلة مشروعة… وإجابات غائبة 1. لماذا تُستخدم الأراضي العامة بهذا الشكل غير المسبوق في الضمانات المالية؟ 2. ما هي طبيعة الشراكات المحتملة؟ وما مدى شفافية تلك الصفقات؟ 3. هل تملك الدولة استراتيجية طويلة الأجل لتقليل الاعتماد على الاستدانة، أم أن بيع الأصول هو الخطة الوحيدة؟ إفلاس مقنّع؟ حين تلجأ دولة إلى رهن أراضيها السيادية لسد عجز الموازنة، دون قدرة على توليد موارد ذاتية من إنتاج فعلي، فإن الحديث عن "إفلاس غير معلن" لا يبدو مبالغاً فيه، بل إن خطوة رأس شقير قد تمثل تحوّلاً نوعياً في مسار إدارة الدولة لأصولها: من التخصيص للتنمية، إلى التسييل لسداد الديون. الواقع أن ما يحدث ليس مجرد سياسة مالية، بل انعكاس لحالة اقتصادية مأزومة، ولنهج سلطوي قائم على إدارة الدولة كأنها شركة مفلسة، حيث تُباع الأصول لإنقاذ الإدارة، لا المواطن.