ما أن انتهت معركة الاستفتاء على الدستور، حتى طرحت وزارة المالية مشروع قانون ينظم إصدار الصكوك الحكومية، كأداة مالية إضافية يمكن استخدامها فى سداد عجز الموازنة العامة للدولة، إلى جانب الأدوات المستخدمة حاليا، والممثلة فى أذون وسندات الخزانة، وعلى الفور أعلن كل من حزب الحرية والعدالة، وحزب النور رفضهما لهذا القانون، معلنين أنهما قد أعدا مشروع قانون آخر يتعلق بكل أنواع الصكوك الإسلامية، سواء كانت صادرة عن الحكومة، أو شركات قطاع الأعمال، كما تقدمت الهيئة العامة للرقابة المالية بمشروع ثالث يتعلق بصكوك الشركات. واحتدمت المعركة بين الطرفين، بعد أن رفض مجمع البحوث الإسلامية مشروع القانون المقدم من الحكومة، باعتباره يرتب مخاطر ومحظورات شرعية، أهمها تحويل الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة إلى صكوك ورقية متداولة، مع أنها مملوكة للشعب المصرى، ولا يجوز لولى الأمر التصرف فيها، أو التنازل عنها، وأن مشروع القانون يقوم على الارتهان المباشر للأصول. * شهد استخدام الصكوك الإسلامية كأداة للدين تزايدا تدريجيا على الصعيد العالمى منذ بداية الألفية الثانية أداة تمويل بالرغم من تأكيدات قوى الإسام السياسى أن الصكوك تتميز بانخفاض التكلفة بالمقارنة بالسندات التقليدية فإن الواقع الفعلى فى تجارب الدول المختلفة لا يشير إلى ذلك فعندما طرحت ماليزيا لأول مرة صكوكا سيادية دولية فى عام 2002 كانت قيمة الصكوك 600 مليون دولار ومدتها خمس سنوات وتم تسجيلها فى كل من سوق ماليزيا لأوراق المالية وبورصة لوكسمبورج وبورصة البحرين. ووفقا لتلك الآلية قامت الحكومة ببيع محفظة من العقارات لحملة الصكوك مع التعهد بإعادة شرائها بنفس الثمن بعد خمس سنوات. وقامت باستئجار المبنى من الدائنين بعد خمس سنوات وقامت باستئجار المبنى من الدائنين لنفس المدة بحيث يمثل الإيجار المدفوع عائد حملة الصكوك وقد بلغ هذا العائد سنويا 0٫95 ٪ فوق سعر فائدة وهو سعر الفائدة الأساسى الأكثر »libor« الإفراض فيما بين البنوك بلندن شيوعا فى القروض الدولية آنذاك. هذا المعدل للعائد الفائدة كان يماثل سعر الفائدة على السندات الحكومية الماليزية لمدة خمس سنوات فى ذلك الح ن ويعكس حقيقة أن مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية قد قيمت مخاطر الصكوك بنفس درجة التقييم السيادى الممنوحة لدولة ماليزيا. إن التقييم الائتمانى للدول إذن هو المحدد لتكلفة ما تحصل عليه الحكومة من تمويل سواء كان ذلك من خلال السندات التقليدية أو الصكوك الإسامية فإذا كان التقييم الائتمانى لمصر قد انخفض وأصبحت تصنف ضمن الدول عالية المخاطر فإن المستثمر الخارجى فى أى أدوات دين تصدرها الحكومة، أو أى مؤسسة مصرية، سيطلب عائدا مرتفعا يغطى تلك التكلفة سواء كان الأمر يتعلق بأدوات دين تقليدية أو إسلامية. الصكوك الإسلامية ويمكن بكل تأكيد أن تجتذب رءوس الأموال الأجنبية، لا سيما الخليجية، فالصكوك التى أصدرتها تركيا فى سبتمبر 2012 بمبلغ 1٫5 مليار دولار جاء 58 ٪ منها من دول الخليج، و 13 ٪ من أوروبا، و 12 ٪ من آسيا ، و 8٪ من أمريكا مقابل 9٪ فقط من داخل تركيا، إلا أن هذه الأموال هى فى النهاية ديون سوف يتعين سدادها بعد خمس سنوات ونصف، وهى لا تمثل استثمارات بذاتها، كما أن دورها فى تمويل الاستثمار وزيادة الطاقة الإنتاجية للمجتمع تتوقف على كيفية استخدامها، هل فى مشروعات جديدة أم فى تمويل عجز الموازنة العامة. وشكلت أحد أهم عوامل استنزاف احتياطى من النقد الأجنبى. الصكوك هى أداة تمويل، ويتوقف دورها فى دعم التنمية الاقتصادية من عدمه على مدى الاعتماد عليها فى توفير التمويل المطلوب للاستثمار العام، والخاص بتكلفة مناسبة. أكدت اعتراضات مجمع البحوث الإس امية المخاوف والتساؤلات التى أثارها العديد من الاقتصاديين والقوى الوطنية، بشأن تلك الصكوك. وانتهى الأمر بإع ان الحكومة فى منتصف يناير الماضى إعداد مشروع قانون جديد للصكوك (مع حذف وصف إسلامية) تم فيه إدماج المشروعات الثلاثة معا، والتوصل إلى صيغة نهائية وافق عليها مجلس الوزراء ليتم طرحها على مجلس الشورى. ويلاحظ أن هذا الصخب الشديد حول الصكوك قد اقترن بحملة ترويج مكثفة من جانب الحكومة، وقوى الإسلام السياسى، تؤكد أن الصكوك الإسلامية قادرة على اجتذاب عشرات المليارات من رءوس الأموال لسد عجز الموازنة العامة للدولة ورفع معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادى، وأنها توفر تمويلا منخفض التكلفة بالمقارنة بأدوات الدين التقليدية، كما أن دولا مثل ماليزيا وتركيا قد اعتمدت عليها كسبيل رئيسى لتمويل التنمية الاقتصادية. ونبادر إلى القول بأن الصكوك الإس امية هى أدوات مالية تستخدم فى تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتتسم بأمرين رئيسيين، أولهما أن يكون النشاط الممول متوافقا مع الشريعة الإسلامية، والثانى أن يكون مصدر العائد الذى يحصل عليه الممولون هو إيرادات أو أرباح نشاط اقتصادى فعلى متوافق مع الشريعة (بيع بضائع أو أصول ثابتة أو منقولة أو خدمات، تأجير أصل من الأصول، مشاركة لأجل محدد فى مشروع صناعى أو زراعى).. ويمتلك حملة الصكوك حصة على المشاع فى جملة الأصول محل البيع والشراء، أو التأجير، أو الاستثمار، والتى يتم تحويل ملكيتها أو منفعتها أو حق استغلالها للدائن ضمانا للوفاء بالدين وعائده، فإذا ما عجز المدين عن السداد عند حلول أجل استحقاق الصكوك يكون من حق حملة تلك الصكوك الاستيلاء على الأصول الضامنة وفاء للدين. ومن ناحية أخرى، فإنه حتى حلول أجل استحقاق الصك يكون لمالكه كل حقوق الملكية، ويمكنه التصرف فيه بالبيع، أو الرهن، أو الهبة، أو الوصية سواء من خلال سوق الأوراق المالية، إذا ما تم تسجيل الصك فى البورصة، أو بشكل مباشر خارج البورصة إذا لم يكن مسجلا فيها. ووفقًا لهذا المفهوم تمثل الصكوك الإسلامية واقع الأمر الوجه المقابل للسندات المضمونة بأصول "asset- backe securities" التى يتم التعامل بها فى أسواق المال المختلفة منذ عقود، أى أنها أداة دين برهن، ولكن فى صياغة تشترط مشروعية النشاط الذى يتم تمويله وفقًا لتعاليم الإسلام، وأن يكون العائد الذى يحصل عليه الدائنون ناتجا عن نشاط اقتصادى مشروع، وليس فائدة على الدين. ولا يقتصر استخدام الصكوك كآلية للاستدانة على قطاع الأعمال (صكوك الشركات) بل يمكن استخدامها أيضا من جانب الحكومات فيما يعرف "sovereign" التى يمكن طرحها ، بالصكوك السيادية سواء على الصعيد المحلى أو الصعيد الدولى. أما الدائنون الذين يكتتبون فى تلك الصكوك، فيتمثلون عادة فى بنوك، شركات تأم ن، صناديق استثمار، بنوك مركزية، مؤسسات استثمار حكومية، مؤسسات تمويل دولية.. إلى آخر المؤسسات التى تتعامل فى أسواق النقد، وأسواق المال المحلية والدولية، لا سيما أن الأصل فى الأمور أن يتم تسجيل تلك الصكوك فى سوق الأوراق المالية، ويتم التعامل عليها بيعًا وشراءً كما هو الحال بالنسبة للسندات والأسهم وشهادات الإيداع وغيرها من الأوراق المالية. شهد استخدام الصكوك الإسلامية كأداة للدين تزايدا تدريجيا على الصعيد العالمى منذ بداية الألفية الثانية، حيث مثلت تلك الصكوك ابتكارا ماليا يوفر أدوات لإدارة واستثمار السيولة لدى البنوك الإسلامية، التى كانت تجد حرجا فى توظيف فائض السيولة لديها فى أذون وسندات خزانة أو سندات شركات باعتبار أن عائدها يتمثل فى الفوائد. ففى ماليزيا على سبيل المثال البنوك الإسلامية موجودة حنبا إلى جنب مع البنوك التقليدية، وتقضى القواعد الرقابية لبنك ماليزيا المركزى بأن تلتزم البنوك بالاحتفاظ بنسبة محددة من توظيفاتها فى شكل أصول سائلة. وسرعان ما أدى إصدار الصكوك الحكومية إلى تشجيع الشركات على اللجوء لهذه الأداة التمويلية الجديدة وبالتدريج تزايد استخدام الصكوك فى العديد من الدول الإس امية وعلى رأسها ماليزيا وإندونيسيا وباكستان وبروناى ودول مجلس التعاون الخليجى والسودان ومؤخرا تركيا. وتبرز الصكوك الإسلامية كأداة للاستثمار المالى قادرة على استيعاب جزء من تلك الفوائض، كما تبرز كحل أمام العديد من الدول والمؤسسات التى تراجع تصنيفها الائتمانى وارتفعت درجة ما يمثله إقراضها من مخاطر للدائنين بما يجعل من الصعب عليها الحصول على ما تحتاجه من تمويل، كما هو الحال بالنسبة لدول منطقة اليورو على سبيل المثال لا سيما أن البنوك الأوروبية نفسها فى أزمة تجعل من الصعب عليها التوسع فى منح تمويل عالى المخاطر. فى هذا السياق يمكن تفسير تزايد إصدار الصكوك الحكومية فى الإمارات والسعودية والبحرين رغم عدم معاناة تلك الحكومات من نقص الموارد أو حاجتها ل اقتراض، حيث يتم التوسع فى طرح الصكوك الحكومية كجزء من سياسة تشجيع الشركات على استخدام تلك الأداة وتوسيع سوق الأوراق المالية. وقد أسفرت تلك التطورات عن النمو الكبير فى إصدارات الصكوك الإسلامية خلال عام 2012 ليصل إجمالى رصيدها وفقا لبعض التقديرات إلى نحو 131 مليار دولار، بزيادة 54 ٪ عنها فى عام 2011 وتوزع ذلك الرصيد بشكل أساسى بين جنوب شرق آسيا بنسبة 72 ٪ منها 65 ٪ فى ماليزيا وحدها ودول ٪ مجلس التعاون الخليجى بنسبة 25 ٪ مقابل نحو 3 لأفريقيا وأقل من 1٪ لأوروبا وأمريكا. كما يمكن فى هذا السياق فهم أهمية اجتذاب مصر إلى سوق الصكوك الإسلامية وخاصة الصكوك السيادية، بل ما تمثله من فرص ضخمة للاستدانة فى ظل العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة، وعجز ميزان المدفوعات، وإع ان الحكومة عن اعتزامها فى مجال الخدمات العامة كسبيل لزيادة الاستثمار وتوسيع فرص العمل. وتضمن بيان الحكومة عن الاتفاق المبدئى على برنامج قرض صندوق النقد الدولى فى نوفمبر 2012 أربعة مجالات رئيسية لتلك الشراكة تتمثل فى الطرق ذات الرسوم، ومياه الشرب، والصحة، والصرف الصحى. ولايمكن الربط أص ا بين الصكوك وأى معدلات للتنمية تم تحقيقها، حيث لم يبدأ طرح الصكوك الإسلامية إلا فى الربع الأخير من عام 2012 ، حين أصدرت الحكومة صكوكا قيمتها 1٫5 مليار دولار فى شهر سبتمبر ثم صكوكا قيمتها 1٫6 مليار ليرة تركية فى شهر أكتوبر من نفس العام. وفيما يتعلق مشروع القانون الذى أقره مجلس الوزراء فى منتصف يناير الماضى بكل أنواع الصكوك، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، ويتضمن صورا عديدة لكل الصيغ المتعارف عليها عالميا، لإصدار الصكوك وفقا للآليات الرئيسية للتعامل مع الأصول الضامنة، مثل البيع والإيجار والانتفاع والاستثمار والمشاركة فى المخاطر سواء تعلق الأمر بأصول عينية أو خدمات. ويلاحظ بداءة أن الانتقادات والاعتراضات التى واجهت المشروع السابق المقدم من وزارة المالية، فيما يتعلق بالصكوك الحكومية كانت تدور بصفة أساسية حول طبيعة الأصول العامة التى سيتم رهنها، ضمانا للصكوك، وهل تتضمن المرافق العامة، ولمن يتم الرهن هل لمصريين أم أجانب؟ اتجهت مخاوف الجماهير العريضة إلى قناة السويس على وجه التحديد، ثم هل يتم استخدام حصيلة الصكوك فى مشروعات إنتاجية جديدة أم فى سداد عجز الموازنة، وإذا كان الهدف هو سداد عجز الموازنة، وليس إقامة مشروعات جديدة مدرة لعائد، فمن أين ستأتى الموارد التى تكفل سداد الدين، حين يحل أجل الصكوك. هذه المخاوف التى طرحتها القوى الوطنية أكدتها اعتراضات مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر الذى رفض القانون لنفس هذه الأسباب.. والسؤال الآن: هل قضى مشروع القانون الجديد على هذه المخاوف؟ الواقع أن القانون الجديد قد حاول الالتفاف على الاعتراضات المتعلقة برهن الأصول العامة، وذلك بالنص على حظر استخدام الأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية عامة أو منافعها فى إصدار الصكوك مادة "5" إلا أن هذا الحظر تم تفريغه من مضمونه ، على الفور فى نفس المادة، حيث أجازت إصدار صكوك مقابل حق الانتفاع بالأصول الثابتة المملوكة للدولة ملكية خاصة، وتركت أمر تحديد تلك الأصول لمجلس الوزراء. وحقيقة الأمر أن جميع المرافق العامة والأراضى الصحراوية والأراضى البور والعقارات المملوكة للحكومة، والهيئات العامة، ووحدات الإدارة المحلية، والموانئ، والمطارات، والمستشفيات، والبنوك، والشركات العامة، والهيئة العامة للبترول، وهيئة السكك الحديدية، وهيئة النقل العام، وهيئة مترو الأنفاق وهيئة الأبنية التعليمية، وبنك ناصر الاجتماعى التابع لوزارة التأمينات الاجتماعية، وعشرات ومئات وآلاف المؤسسات العامة، وما يتبعها من أصول ثابتة ومنقولة، ينطبق عليها وصف الملكية الخاصة للدولة، وقابلة بالتالى لأن تستخدم كضمان لإصدار الضكوك، حتى لو لم يكن الوصف منطقيا على مؤسسة، أو مرفق، أو أصل ما فإن قرارا يصدره مجلس الوزراء بناء على عرض وزير المالية كفيل بتجاوز تلك العقبة! محاولة التغلب على المخاوف جاءت أيضا بالنص على أن إصدار الصكوك فى نفس المادة رقم "5" الحكومية بضمان تلك الأصول الثابتة سيقتصر على منح حملة الصكوك حق الانتفاع، وليس الملكية حق الرقبة، وبالتالى فلا خوف من انتقال تلك الأصول إلى الأجانب، فيما لو تعثرت الحكومة فى السداد. وهنا نلاحظ أمرين بالغى الأهمية، أولهما أن القانون لم يتضمن وضع حد أقصى لمدة الانتفاع، وتصريحات السيد وزير المالية تعلن أن تلك المدة ستكون فى حدود 35 عاما. الأمر الثانى أن المادة تنص على أنه يجب على الجهة المستفيدة استرداد الصكوك فى نهاية مدتها، لأداء قيمتها لمالكيه عن طريق الالتزام بشراء موجوداتها، أى باختصار أنه يتعين على المدين الحكومة على سبيل المثال سداد الدين، واستعادة الأصل الضامن حين استحقاق أجل الصكوك. ولكن ماذا لو لا قدر الله لم تتمكن الحكومة من السداد، كيف سيستعيد الدائن أمواله مادام القانون لم يمنحه حق ملكية الأصل الضامن، ومنحه فقط حق الانتفاع المادة 8 من القانون تقدم الحل، حيث تجيز لحملة الصكوك الدائنين التعهد بهبة أو بيع موجودات الصكوك للجهة المستفيدة بالقيمة التى يتم الاتفاق عليها. بعبارة أخرى يقوم الدائنون بإعادة الأصل الضامن إلى الحكومة سواء على سبيل الهبة أو مقابل ثمن بسيط يتناسب مع قدرتها، وحيث إن الحكومة قد استردت ذلك الأصل فيمكنها استخدامه فى إصدار صكوك جديدة تمنح لنفس الدائنين حق الانتفاع لمدة جديدة ولتكن 35 سنة أخرى ، أى أنه تتم إعادة جدولة الدين، إذن القانون لا يسمح بانتقال ملكية الأصول العامة للدائنين، ولكنه يسمح بمنحهم حق الانتفاع بتلك الأصول إلى ما شاء الله. أما عن حصيلة الصكوك، فقد أتاح القانون للحكومة إمكانية استخدامها فى سد عجز الموازنة العامة للدولة، فمن ناحية هو لم ينص على حظر ذلك الوجه من أوجه الاستخدام، ومن ناحية أخرى فقد نصت المادة 7 على أن صكوك الإجارة والسلم تستخدم فى الأوجه التى تحددها الجهة المستفيدة وأخذا فى الاعتبار التصريحات الحكومية المتكررة بأنها ستصدر الصكوك وفقا لآلية الإجارة فإن المادة 7 تتيح لها أن تضع الحصيلة فى البنك المركزى كى تستخدمها فى الأوجه التى تحددها، بما فى ذلك بالطبع سداد عجز الموازنة العامة، حيث نصت تلك المادة على أنه بالنسبة لصكوك الإجارة والسلم بالتحديد يتم فتح حساب بالبنك المركزى المصرى تودع فيه الحصيلة وحسابات أخرى تودع فيها حصيلة الصكوك التى تصدرها كل من الهيئات العامة أو وحدات الإدارة المحلية أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية. وهنا ربما يكون من المناسب استقراء الصيغ والاستخدامات المختلفة التى ينتظر أن تصدر الصكوك وفقا لها، والتى تعززها التصريحات التى وردت من بعض المتخصصين فى مجال الصكوك الإسلامية، طبعا هناك إمكانية لإصدار صكوك إجارة يتم بمقتضاها بيع حق الانتفاع بأى مرفق عام والتعهد بإعادة الشراء بعد 35 سنة، واستئجار ذلك المرفق من جانب الحكومة أو منح المنتفعين حق إعادة تأجيره لآخرين خلال نفس الفترة. والأهم هو إمكانية إصدار صكك إجارة الخدمات، وهى الآلية التى تسمح باستخدام حصيلة الصكوك فى شراء خدمة معينة من مقدمها وإعادة بيعها لمتلقى الخدمة.. هذه الآلية تتيح استخدام حصيلة الصكوك فى شراء خدمات التأمين الصحى أو خدمات التنقل بالسكك الحديدية أو خدمات مترو الأنفاق أو خدمات الموانى والمطارات وغيرها من الخدمات لعدد معين من السنوات لا يعلم مداها إلا الله كى يقوم الدائن بتقديمها لمتلقيها وتحديد المقابل أو الثمن الذى يراه لتلك الخدمة.. باختصار هذه الآلية يمكن أن تستخدم فى تحقيق الخصخصة الفعلية لقطاع الخدمات العامة وفى القلب منه قطاع التأمين الصحى. أما عن صكوك السلم فيبدو أنها تمثل الآلية التى سيجرى استخدامها للاستدانة بضمان حصيلة صادرات محددة لعدد من السنوات المقبلة. وطبقا لهذه الآلية يمكن على سبيل المثال إصدار صكوك يتم بموجبها بيع حصيلة صادرات مصر البترولية لعدد من السنوات المقبلة، وتتحدد تلك الحصيلة ثمن البيع وفقا للأسعار العالمية فى الأسواق الآجلة للبترول وأسعار الخصم السائدة فى أسواق النقد وأسواق المال، وتحصل الحكومة على تلك الحصيلة على الفور وتلتزم بتوريد الحصة المتفق عليها من صادرات البترول سنويا ليقوم الدائن بإعادة بيعها بسعر السوق. ولم يبدد مشروع القانون الجديد مخاوف المصريين من سيطرة أطراف أجنبية على المرافق العامة، حيث لم ينص على قصر الاكتتاب فى الصكوك الحكومية على المصري ن، كما لم يضع حدا أقصى لاكتتاب الشخص الواحد أو الجهة الواحدة فى تلك الصكوك، بل إن ذلك القانون سمح بإصدار الصكوك الحكومية فى الخارج، ونص على قابليتها للتداول فى سوق الأوراق المالية. ومن المفهوم أنه إذا تم تسجيل ورقة مالية فى البورصة المصرية وطرحت للتداول فإن من حق أى مستثمر من أى جنسية على وجه الأرض أن يشترى تلك الورقة، ناهيك عن شراء أى كميات منها وبدون حد أقصى طالما كان القانون يبيح ذلك ويعنى هذا فى النهاية أن طبيعة وجنسية حائز الصكوك الدائن لمصر والذى يتمتع بحقوق انتفاع على أصولها تتعرض للتغيير والتبديل طوال حياة الصك. وأخيرا فإن القانون لا يضع أى حدود قصوى على استدانة الحكومة وأجهزتها المختلفة عبر تلك الآلية، بل ويبشرنا وزير المالية أن الصكوك ستتمكن من اجتذاب تدفقات رؤوس أموال بنحو 10 مليارات دولار سنويا، هذه المليارات التى يبشرنا بها تمثل ديونا يتعين دفعها فى لحظة ما فى المستقبل، حتى لو جاءت تلك اللحظة بعد 35 سنة، فما هو وجه الاستبشار فى تكبيل الأجيال القادمة بالديون؟ أما فيما يتعلق بالتأكيد من مشروعية الغرض من إصدار الصكوك والنشاط الضامن من وجهة النظر الإسلامية فقد تم إقصاء الأزهر عن هذه المهمة، فمن ناحية تم حذف لفظ إسلامية من وصف الصكوك فى مشروع القانون، كما تم تعيين هيئة شرعية تابعة لمجلس الوزراء لتقوم بمهمة الرقابة الشرعية على الصكوك، وهكذا تكتمل الدائرة فمجلس الوزراء يحدد الأصول التى تصلح ضمانا لإصدار الصكوك وهيئته الشرعية تعطى الفتوى بمشروعية الغرض، حتى لو كان سداد عجز الموازنة العامة ومشروعية الضمان، حتى لو كان التنازل عن حق الانتفاع بالأصول المملوكة للشعب إلى ما شاء الله.