نظم آلاف المحامين في مختلف أنحاء مصر، اليوم الأحد، وقفات احتجاجية متزامنة أمام مقار المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، إضافة إلى مقار النقابات الفرعية والعامة لنقابة المحامين، رفضًا لما سموه "الرسوم المميكنة المجحفة"، المفروضة بموجب قرار من مجلس رؤساء محاكم الاستئناف بسلطة الانقلاب العسكرى دون الرجوع إلى النقابة. احتجاجات في قلب ساحات العدالة
بدأت الوقفات في تمام الساعة 12:30 ظهرًا، واستمرت لنحو نصف ساعة، تحت إشراف مباشر من مجالس النقابات الفرعية، حيث رفع المحامون لافتات تندد بالرسوم الجديدة وتصفها بأنها "غير دستورية" و"تمس حق المواطنين في التقاضي"، مطالبين بإلغائها الفوري.
وردد المشاركون شعارات تؤكد رفضهم تحميل المواطنين أعباء مالية إضافية باسم "التحول الرقمي"، متهمين السلطة القضائية بتجاهل دور نقابة المحامين كشريك أساسي في منظومة العدالة، ومعربين عن رفضهم ما اعتبروه "تغولًا إداريًا" لا يراعي طبيعة العلاقة التكاملية بين المحامين والقضاة.
ما هي "الرسوم المميكنة" تعود الأزمة إلى قرار صدر مؤخرًا عن مجلس رؤساء محاكم الاستئناف، بفرض رسوم جديدة تحت اسم "مقابل خدمات مميكنة"، تطبق على مختلف الإجراءات القضائية التي تتم عبر المنظومة الرقمية الحديثة. وبرغم أن الجهات الرسمية لم تصدر بيانًا تفصيليًا حول طبيعة هذه الرسوم، فإن مصادر قانونية تحدثت عن مبالغ تُفرض على المحامين والمتقاضين نظير استخدام الخدمات الرقمية في رفع الدعاوى واستخراج الأوراق وتقديم الطعون.
ويرى المحامون أن هذه الرسوم لا تستند إلى قانون، ولم تمر عبر القنوات التشريعية أو التوافقية، بل تم فرضها بقرار إداري أحادي، مما يثير تساؤلات حول قانونيتها ومشروعيتها، خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكلفة التقاضي بالفعل.
النقابة ترد وتلوّح بالتصعيد
في هذا السياق، عقد نقيب المحامين المصريين ورئيس اتحاد المحامين العرب، عبد الحليم علام، اجتماعًا موسعًا الأسبوع الماضي مع أعضاء مجلس النقابة العامة ونقباء النقابات الفرعية، لمناقشة تداعيات القرار. وخلص الاجتماع إلى إصدار بيان شديد اللهجة، وصف فيه القرار بأنه "مخالف للدستور والقانون"، مؤكدًا أن النقابة لم تُستشر بشأنه، رغم أنه يمس صميم مهنة المحاماة.
وشدد البيان على أن فرض الرسوم بشكل منفرد من قبل السلطة القضائية يُعد تجاوزًا غير مقبول، ويؤدي إلى إضعاف الثقة في العدالة، محذرًا من أن تلك السياسات قد تُفضي إلى "تعطيل حق التقاضي وتحميل المواطن أعباء لا طاقة له بها".
تحركات قانونية ونقابية واسعة أعلنت نقابة المحامين عن مجموعة من الإجراءات التصعيدية، بدأت بتنظيم الوقفات الاحتجاجية، وتستمر بتعليق العمل المالي مع محاكم الاستئناف لمدة ثلاثة أيام (من الثلاثاء 15 أبريل/نيسان إلى الخميس 17 أبريل/نيسان)، بما يشمل الامتناع عن سداد أي مبالغ أو رسوم، مع مراعاة احترام مواعيد الطعون والأحكام.
كما قررت النقابة مخاطبة رئاسة الجمهورية والبرلمان والجهات النيابية والتنفيذية لشرح أبعاد الأزمة، والمطالبة بتدخل الدولة لتحمّل مسؤوليتها في تمويل مرفق العدالة دون إرهاق المواطنين. وأكد المجلس أنه سيبقى في حالة انعقاد دائم، مع إمكانية اللجوء إلى مزيد من الخطوات الاحتجاجية.
خطاب موحّد وتحذير من الانقسام
وفي خطوة لافتة، حذّر مجلس النقابة من تداول أي بيانات أو تصريحات إعلامية خارج الإطار الرسمي الصادر عن النقابة العامة، مؤكدًا أهمية وحدة الصف النقابي، وموضحًا أن المرحلة تتطلب "خطابًا موحدًا يحافظ على كرامة المحاماة ويحمي حق المواطن في العدالة".
أزمة مرشحة للتصعيد
مع استمرار تجاهل الجهات القضائية لمطالب نقابة المحامين، تبدو الأزمة مرشحة للتصعيد في الأيام المقبلة، خاصة في ظل تمسك النقابة بموقفها، واعتبارها أن "الرسوم المميكنة" تمثل سابقة خطيرة في تاريخ العلاقة بين القضاء والمحاماة.
ويترقب الشارع القانوني في مصر ما ستؤول إليه هذه الأزمة، التي تعيد إلى الأذهان أزمات سابقة شهدت توترًا بين المحامين وممثلي الدولة، وسط تحذيرات من أن استمرار تجاهل مطالب النقابة قد يؤدي إلى شلل جزئي في مرفق العدالة، وتوسيع فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات التقاضي.