تفاصيل محافظات المرحلة الثانية والدوائر والمرشحين في انتخابات مجلس النواب 2025    " الوطنية للانتخابات " تعلن انها في حالة انعقاد دائم حتى إعلان النتائج : لا مجال للغش    التنسيقة تؤكد أهمية تمكين مندوبي المرشحين من الحصول عل الوثائق الرسمية بحصر الأصوات    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري ختام اليوم 17 نوفمبر 2025    وزيرة البيئة توقع اتفاق استضافة مصر لمؤتمر حماية البحر المتوسط من التلوث    رئيس شعبة الدواجن يطالب باستحداث بورصة فورية لإنقاذ القطاع    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الرقمى وريادة الأعمال    وزيرة التضامن ومحافظ الفيوم يتفقدان مشروع خدمة المرأة العاملة بالحادقة    مدعي بالجنائية الدولية يطالب بإدانة علي كوشيب بالسجن مدى الحياة بسبب جرائم دارفور    اتجاه في الزمالك لإعارة ثنائي الفريق في يناير    كأس العالم للناشئين| تعرف على مواعيد مباريات دور ال 16    مصرع مٌسن وإصابة شاب سقطا في بئر بقنا    طقس مطروح معتدل مع استقرار حالة البحر وأجواء صافية على الكورنيش.. فيديو    مصطفى حدوتة يعلن عن تعاون جديد مع محمد منير    جامعة بنها تنظم رحلات لطلابها لزيارة المتحف المصرى الكبير    وزير الصحة: أمراض القلب السبب الرئيسي للوفيات في مصر    رئيس قطاع الرعاية الأساسية: 1.5 مليون خدمة طبية قدمتها الحملة خلال عامين    جامعة بنها تنظم قافلة طبية لطلاب مدرسة ميت الدريج الابتدائية بكفر شكر وتجرى 288 كشفًا مجانيًا    كاف يعتمد استاد برج العرب رسميًا لاستضافة المباريات الأفريقية والدولية    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء اللجنة الاستشارية للشئون السياسية    لا تُجيد القراءة والكتابة.. الحاجة فاطمة تحفظ القرآن كاملًا في عمر ال80 بقنا: "دخلت محو الأمية علشان أعرف أحفظه"    القبض على المتهم بإطلاق النار على سائق لشكه بإقامة علاقة مع طليقته بالهرم    انهيار وصراخ ورفض أدلة.. ماذا جرى في جلسة محاكمة سارة خليفة؟    رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة تعقب على حكم الإعدام.. ماذا قالت؟    مولاي الحسن يحتضن مباراة الأهلي والجيش الملكي    تشكيل منتخب مصر المشارك في كأس العرب لودية الجزائر    شيخ الأزهر يستقبل وزير التعليم العالي التشادي ويناقشان تعزيز التعاون الدعوي والعلمي    القاهرة الإخبارية: اللجنة المصرية بغزة أقامت بمفردها 15 مخيما لمساعدة أهالي القطاع    انسحاب مئات العناصر من قوات الحرس الوطني من شيكاغو وبورتلاند    مجمع البحوث الإسلامية يطلق مسابقة ثقافية لوعاظ الأزهر حول قضايا الأسرة    مقتل 18 شخصا جراء الانهيارات الأرضية في إندونيسيا    وكيل تعليم بني سويف تتابع انتظام الدراسة بمدارس المحافظة    المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية في التحقيقات : صليت العصر وروحت أقتله    من هو إبراهيما كاظم موهبة الأهلي بعدما سجل ثنائية فى الزمالك بدوري الجمهورية ؟    توم كروز يتوّج ب أوسكار فخري بعد عقود من الإبهار في هوليوود    جولة مفاجئة لوزيرالتعليم في مدارس كفر الشيخ    مدير متحف الهانجول الوطني بكوريا الجنوبية يزور مكتبة الإسكندرية    أبو الغيط: الحوار العربي- الصيني ضرورة استراتيجية في مواجهة تحولات العالم المتسارعة    موعد التصويت بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    وزير الخارجية يؤكد لنظيره السوداني رفض مصر الكامل لأي محاولات تستهدف تقسيم البلاد أو الإضرار باستقرارها    وزير التعليم يتابع نسب الحضور بمدارس كفر الشيخ ويناقش الطلاب حول المناهج الدراسية المطورة    أول رد فعل من السيسي على أحداث بعض الدوائر الانتخابية    مصلحة الجمارك: منظومة ACI تخفض زمن الإفراج الجمركي جوا وتقلل تكاليف الاستيراد والتصدير    محافظ كفر الشيخ: الكشف على 1626 شخصا خلال قافلة طبية مجانية فى دسوق    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا .. تفاصيل    إعادة الحركة المرورية بعد تصادم بين سيارتين على طريق "مصر–إسكندرية الزراعي"    كوريا الجنوبية تقترح محادثات مع نظيرتها الشمالية لترسيم الحدود    جاتزو بعد السقوط أمام النرويج: انهيار إيطاليا مقلق    وزارة العمل: تحرير 437 محضر حد أدنى للأجور    شريهان تدعم عمر خيرت بعد أزمته الصحية: «سلامتك يا مبدع يا عظيم»    دار الإفتاء: فوائد البنوك "حلال" ولا علاقة بها بالربا    وزير الصحة يشهد الاجتماع الأول للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض.. ما نتائجه؟    اسعار الفاكهه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 بأسواق المنيا    لكل من يحرص على المواظبة على أداء صلاة الفجر.. إليك بعض النصائح    أحمد سعد: الأطباء أوصوا ببقائي 5 أيام في المستشفى.. أنا دكتور نفسي وسأخرج خلال يومين    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    هاني ميلاد: أسعار الذهب تتأثر بالبورصة العالمية.. ومُتوقع تسجيل أرقام قياسية جديدة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القبائل العربية في مصر.. توظيف سياسي وتأزيم اجتماعي

مصر من الدول العربية التي يتضمن اسمها الرسمي الصفة العربية، وخاصة منذ بداية العهد الجمهوري عام 1952، فقد كانت في البداية الجمهورية العربية المتحدة، ثم هي الآن جمهورية مصر العربية، وهي بهذا تؤكد الانتماء العربي الأصيل للوطن والشعب في عمومه، وهذا ما تضمنه الدستور المصري في طبعاته المتعاقبة وفي مادته الأولى دوما: "جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها" ولم يظهر خلاف جدي حول هوية مصر العربية، لكن الإعلان مؤخرا عن تأسيس اتحاد للقبائل العربية برعاية رسمية، وبرئاسة شرفية من السيسي شخصيا سيفتح باب الجدل حول الهوية العربية لمصر، بعد أن تتصاعد فكرة تقسيم الشعب المصري بين مصريين أصليين ، من عاشوا في مصر قبل الفتح العربي الإسلامي، ومصريين عربا أو غير أصليين، وهم من وفدوا إلى مصر مع وبعد الفتح العربي الإسلامي.
الاتحاد الجديد الذي تم الإعلان عنه في حفل كبير بحضور وسائل الإعلام المصرية يوم الأربعاء 1 مايو 2024، هو تطوير لاتحاد جهوي هو اتحاد قبائل سيناء، وهو بدوره اتحاد قديم تأسس في عهد مبارك، لكن جرت إعادة هيكلته ليترأسه إبراهيم العرجاني، أحد شيوخ القبائل السيناوية، والذي خاض مواجهة مع الجيش والشرطة المصرية عام 2008 قتل خلالها عددا من الضباط ثأرا لمقتل شقيقه، ثم استطاعت السلطة احتواءه، وترضيته، فدخل حليفا لها في مواجهة تنظيم داعش في سيناء، وبعد الانتصار على ذلك التنظيم احتضنت السلطةُ العرجاني فوضعته على رأس اتحاد قبائل سيناء، وسمحت له بتشكيل مليشيا مسلحة، وحراسات خاصة تنافس حراسة الرئيس نفسه، وأوكلت له إدارة أموال واستثمارات جهات أمنية بالمليارات؛ هي التي تشكل إمبراطوريته الاقتصادية الحالية.
القبائل العربية في مصر متجذرة في النسيج المجتمعي المصري، وبمفهومها الواسع فهي القبائل التي دخلت مصر مع أو بعد الفتح العربي الإسلامي، وهي بهذا المفهوم يمكن أن تمثل نصف المجتمع المصري، ولكن بالمفهوم الضيق فالمقصود هي القبائل العربية البدوية التي سكنت بالأساس المناطق الصحراوية، حتى وإن دمجت التوسعات العمرانية الكثير منها في قلب الوادي مباشرة.
وهنا لدينا أربعة تجمعات بدوية رئيسية؛ أولها عرب الشرق في سيناء وما حولها، والتجمع الثاني في الساحل الغربي وقلبه محافظة مرسى مطروح ويمتد غربا حتى السلوم على الحدود الليبية ويمتد شرقا حتى البحيرة؛ والعصب الأساسي لتلك المنطقة هي قبائل أولاد علي بفرعيها (الأحمر والأبيض)، ثم التكتل الثالث في الظهير الصحراوي لمنطقة مصر الوسطى ويمتد من جنوب الجيزة والفيوم شمالا مرورا ببني سويف والمنيا وأسيوط، وقبائل هاتين المنطقتين جاءت من رحلات عكسية من الغرب (تونس وليبيا) إلى الشرق، والتكتل الرابع في الحدود الجنوبية، ولا تخلو المحافظات الأخرى من حضور قبائل بدوية مثل الشرقية والقليوبية والمنوفية.. الخ، وتقدر أعداد هذه القبائل البدوية ب15 مليون نسمة.
حاولت السلطة توظيف القبائل لدعم سياساتها، وأسس نظام مبارك أول اتحاد للقبائل العربية، كما تعاملت المخابرات الحربية مع القبائل الحدودية من خلال مكاتب شئون القبائل، وبعد ثورة 25 يناير 2011 ظهرت عدة اتحادات وائتلافات للقبائل العربية، نال أحدها رعاية السلطة بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 بدأ الاهتمام الرسمي بالقبائل البدوية في عهد محمد علي، وأصدر الخديوي عباس حلمي قانون العربان سنة 1905، ووثق الجبرتي وجود 75 قبيلة بدوية، وحرصت السلطة المركزية على استقرار تلك القبائل وتطويرها وإدماجها في المجتمع، ونجحت بدرجة أكبر مع القبائل غير الحدودية والتي نالت حظا أفضل من التعليم، وتبوأ بعض أبنائها مراكز عليا في الدولة، لكن الشكوك ظلت قائمة من قبل السلطة المركزية تجاه قبائل سيناء، عقب قيام الكيان الصهيوني، بحكم وجود تلك القبائل على الحدود مباشرة، ورغم المطالب المتعددة بضرورة تنمية سيناء، إلا أنها لم تجد أذانا صاغية لعقود طويلة، ما حرم أهل سيناء من أبسط مظاهر التنمية من مستشفيات ومدارس وخدمات أخرى، بل تصر السلطة حتى الآن على حرمان أهل سيناء من عقود ملكية لمنازلهم أو للأراضي التي يتملكونها ويزرعونها، ناهيك عن تهجيرهم من منازلهم لتوسيع الشريط الحدودي ورفض عودتهم حتى الآن، واعتقال الآلاف منهم رغم دورهم في دعم الجيش والشرطة في مواجهة تنظيم داعش.
حاولت السلطة توظيف القبائل لدعم سياساتها، وأسس نظام مبارك أول اتحاد للقبائل العربية، كما تعاملت المخابرات الحربية مع القبائل الحدودية من خلال مكاتب شئون القبائل، وبعد ثورة 25 يناير 2011 ظهرت عدة اتحادات وائتلافات للقبائل العربية، نال أحدها رعاية السلطة بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 (اتحاد القبائل العربية والمصرية ورئيسه موسى مصطفى موسى)، ولكنه لم يثبت كفاءة في المهام المنتظرة منه، وهي تشكيل ظهير سياسي شعبي داعم لنظام السيسي، وهنا جاءت فكرة تأسيس الاتحاد الجديد برئاسة إبراهيم العرجاني كتطوير لاتحاد قبائل سيناء الذي أثبت كفاءة في مواجهة داعش.
وفقا لبيانه التأسيسي فإن الاتحاد الجديد سينتشر في ربوع مصر، بما يعني أنه أخذ بالمفهوم الواسع لمعنى القبائل العربية، ودليل آخر على ذلك اختيار الإعلامي مصطفى بكري كمتحدث رسمي باسمه رغم أنه لا ينتمي للقبائل البدوية، والهدف المعلن للاتحاد وفقا لبيان تأسيسه هو دعم الدولة (والمقصود السلطة) ومواجهة التحديات التي تهدد أمنها واستقرارها، الهدف الحقيقي غير المعلن للاتحاد هو بناء ظهير شعبي للسيسي مع فشل تجربة اتحاد القبائل العربية والمصرية، ومع فشل حزب مستقبل وطن في بناء هذا الظهير، ولكن هذا الظهير سيكون خطرا كبيرا على الدولة نفسها، إذ أنه فتح الباب فورا للحديث عن تقسيم جديد للشعب المصري بين مصريين أصليين ومصريين عرب وافدين، والوقوف مع القوات المسلحة والشرطة لمواجهة المخاطر التي تحيط بالبلاد من الغرب، والجنوب والشمال الشرقي.. إلخ. وقد ذكر متحدثه الرسمي أنه يعتبر فصيلا من القوات المسلحة، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات دفعته لإنكار التصريح المسجل صوتا وصورة، ولكنه زاد الطين بلة بتأكيده على دور الاتحاد في المناطق الحدودية، وهي مهام القوات المسلحة والشرطة أساسا ولا تواجه عجزا فيها تكمله القبائل.
إن الهدف الحقيقي غير المعلن للاتحاد هو بناء ظهير شعبي للسيسي مع فشل تجربة اتحاد القبائل العربية والمصرية، ومع فشل حزب مستقبل وطن في بناء هذا الظهير، ولكن هذا الظهير سيكون خطرا كبيرا على الدولة نفسها، إذ أنه فتح الباب فورا للحديث عن تقسيم جديد للشعب المصري بين مصريين أصليين ومصريين عربا وافدين.
والمؤكد أن هذا الحديث الذي يتسع يوما بعد يوم هو أخطر من الانقسام المجتمعي الذي صنعه الانقلاب بعد 2013 بين مؤيدين ورافضين له، والذي جسدته أغنية على الحجار"إنتو شعب وإحنا شعب"، فالانقسام حول الانقلاب تراجع كثيرا مع شمول المظالم لداعميه أيضا، لكن هذا الانقسام الجديد يضرب في عصب المجتمع، وسيكون التماسك الوطني هو الضحية.
فقد بدأت تظهر أصوات مسيحية ونوبية منزعجة، وقد تسعى لتأسيس اتحادات مشابهة، وتسعى لتسليح أبنائها بزعم مواجهة أخطار تهددها، كما ستكون القبائل البدوية هي أكثر من يدفع الثمن في هذا الانقسام لكونها أقلية في مواجهة الغالبية، لذا على حكمائها أن ينتبهوا إلى هذا الفخ الذي يستدرجون إليه، وعليهم بدلا من ذلك أن يعززوا حضورهم في مؤسسات المجتمع المدني الحديثة الأخرى مثل الأحزاب والنقابات والنوادي.. الخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.