خسائر الاحتلال الصهيونى من حربه على قطاع غزة لا تتوقف عند الخسائر العسكرية التى تكبدتها قواته على أيدى المقاومة الفلسطينية بل تجاوزت ذلك إلى خسائر اقتصادية لم تشهدها دولة الاحتلال منذ قيامها فى عام 1948وهذه الخسائر تهدد بانهيار دولة الاحتلال وزوالها إلى غير رجعة . الآثار الكارثية التى خلفتها حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة، دفعت مؤيدي الكيان المحتل الي التحذير من الآثار السلبية، خاصة في ظل تراجع إمكانيات الولاياتالمتحدة عن تقديم الدعم غير المحدود كما كان يحدث في السابق في ظل توترات الحرب الأوكرانية ومخاوف اتساع رقعة الحرب عقب تدخل الحوثيين في البحر الأحمر إضافة إلى شبح الصين الاقتصادي الذي يتحين الفرصة لالتهام الاقتصاد الأمريكي. تحديات وصعوبات حول هذه الأزمة قالت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الصهيونية في تقرير أصدرته مؤخرًا إن الحرب في غزة أحدثت تحديات وصعوبات لم يسبق لها مثيل مؤكدة أن الاحتلال الصهيونى يتعرض للضربة تلو الأخرى.. وتبلغ التكلفة، بعد جدولة كل جانب من جوانب الحرب حتى الآن، نحو 60 مليار دولار، وكل يوم يكلف الجيش نحو 272 مليون دولار، إذ يحصل كل جندي احتياطي على 82 دولارا يوميا، وبلغ إجمالي هذه المدفوعات وحدها 2.5 مليار دولار. وأشارت الصحيفة إلى أنه في إطار الرد على المقاومة استدعت الحكومة الصهيونية 360 ألف جندي من قوات الاحتياط لينضموا ل150 ألفا هم قوام الجيش الإسرائيلي.. بينما على الجبهة المدنية، تبلغ التعويضات عشرات المليارات. ومن المقرر أن يتم تعويض الشركات التي انخفض دخلها بشكل كبير بمبلغ 2.7 مليار دولار عن ايام الحرب. وكشفت أن هناك جزءا كبيرا من الأضرار لحق ب"الكيبوتسات" حول قطاع عزة، حيث دمرت مجتمعات بأكملها وهدمت البنية التحتية المحلية، وتقدر الأضرار بنحو 5.5 مليارات دولار. مؤكدة أن الأمر نفسه يتكشف الآن في الشمال، مع حملة القصف المستمرة لحزب الله، إذ تبلغ الخسارة المالية نحو 1.6 مليار دولار، فيما يبلغ عدد السكان الذين تم إجلاؤهم، من الشمال والجنوب، نحو 125 ألف شخص، والعناية بهم تكلف المليارات. وأضافت الصحيفة ان ميزانية إسرائيل تتوقع عجزا قدره 30 مليار دولار، الأمر الذي سيتطلب تخفيضات في الميزانية وزيادة في الضرائب تصل إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو ما يؤثر بشدة على نوعية الحياة وانخفاض الخدمات بشكل عام. الحرب الخاطفة من جانبه قال الخبير الاقتصادى الدكتور إبراهيم نوار إن الاقتصاد الصهيوني يتعرض لضغوط وصعوبات بسبب الحرب على غزة التي امتد لهيبها إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية وجنوب لبنان. موضحا أن النتائج والتقديرات الأولية تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي لديه قوة كافية لتحمل ضغوط الحرب لكن قوة التحمل تلك تنخفض كلما طالت مدة الحرب و تعددت جبهاتها . وأضاف نوار فى تصريحات صحفية : الاقتصاد الصهيوني مصمم هيكليا لاستيعاب الصدمات القصيرة الأجل، بما في ذلك صدمات الحروب السريعة الخاطفة. وفي حال طال أمد الحرب فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة الضغوط إلى الحد الذي يستدعي تغيير السياسة الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على الخارج لبناء قوة تحمل أكبر. وفي هذه الحالة فإن المساعدات الأمريكية ستلعب دورا جوهريا في زيادة القدرة على تحمل صدمة الحرب . وأوضح أن إسرائيل نشأت إنطلاقا من منصة مجتمع مقاتل، تقوده الحرب إلى التوسع والنمو. وإذا اعتبرنا أن "الكيبوتز" كانت الوحدة الاقتصادية الأساسية للاستيطان الصهيوني في فلسطين، فإن الكيبوتز في جوهرها هي وحدة إقتصادية/عسكرية تحمل مضمونا إيديولوجيا يعكس سعي مؤسسي دولة الاحتلال إلى تعميق وتأكيد العلاقة بين اليهودي المستوطن والأرض في فلسطين. واعتبر بن جورين أن عملية "فلاحة الأرض" هي أساس العلاقة الجديدة بين اليهود القادمين من أوروبا وأرض فلسطين. وشدد نوار على انه كلما طالت الحرب واتسع نطاقها من مجرد جبهة واحدة إلى عدة جبهات زادت حدة الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة. لافتا الى ان مؤسسات الدراسات الاقتصادية الدولية حذرت من خطورة تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وارتفاع تكلفة الإعمار وإعادة البناء، خصوصا وأن أكثر من ثلاثة أرباع سكان قطاع غزة يعيشون على المساعدات الإنسانية الدولية. وأضاف أن هناك تقديرات مبالغ فيها لبعض بيوت الاستثمار والاستشارات المالية، مثل جى بي مورجان الذي يتوقع هبوطا في الناتج المحلي الإسرائيلي بنسبة 11% في الربع الأخير من العام الحالي، مع انتشار التداعيات السلبية في سوق الصرف وأسعار الأسهم والسندات وسوق العمل وغيرها . التكلفة المباشرة وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور زهدي الشامي إن الإقتصاد الإسرائيلي تعرض لخسارة كبيرة للغاية بسبب حربه العدوانية على الشعب الفلسطيني في غزة مؤكدا أنه يصعب حصر كل هذه الخسائر، إلا أن بعض جوانبها واضح تماما . وكشف الشامي فى تصريحات صحفية أن التكلفة اليومية المباشرة للحرب تبلغ 270 مليون دولار، أي أن التكلفة المباشرة حتى الآن تقترب من 13.5 مليار دولار.. مؤكدا أن إلاحتلال اضطر لاقتراض مبالغ مالية كبيرة من الخارج وصلت إلى 6 مليار دولار بسعر فائدة مرتفع . وأوضح أن خوض حرب ممتدة والمخاوف من المواجهة على عدة جبهات تطلب استدعاء جنود الاحتياطي الذين يعتمد عليهم الجيش الصهيونى ويقدر عددهم بنحو 300 الف جندى يمثلون نسبة كبيرة من قوة العمل، ولا يتحمل الاقتصاد الإسرائيلي العمل بدونهم لفترة طويلة. بالإضافة لذلك يتضرر الإقتصاد الإسرائيلي من هروب أعداد كبيرة من العاملين الأجانب خاصة من الدول الآسيوية، بجانب العمال الفلسطينيين، وكل ذلك يضغط على سوق العمل عموما وفي الزراعة خصوصا . وأشار الشامى إلى أن تخارج الاستثمارات الأجنبية عموما وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة خصوصا الذي يعتمد عليه الاقتصاد الاسرائيلى ، هى عملية موجودة فعلا منذ تشكيل حكومة اليمين العنصري المتطرف بقيادة نتياهو والتي تضم سموتريتش وبن غفير، وسعيها للانقلاب على سلطة دولة الكيان بمشروعها لاخضاع القضاء. وشهد هذا الاتجاه تصاعدا بسبب الحرب يمثل خسارة اقتصادية واضحة وارتبط به تخفيض للتصنييف الإئتماني لإسرائيل . المستوطنات وقال الباحث الاقتصادي، إلهامي الميرغني، أن البنك المركزي الإسرائيلي كان قد أعلن أن خسائر نقص العمالة يكلف إسرائيل 600 مليون دولار أسبوعياً. أي أنه منذ بدء العمليات تكبدت اسرائيل خسائر تعبئة القوى العاملة التي وصلت الي 4.2 مليار دولار. إضافة إلى تعطل العديد من المصانع وتخفيض ساعات التشغيل نتيجة غياب العمالة وتقلص السوق . وكشف الميرغني فى تصريحات صحفية أن الأضرار التي وقعت في 24 مستوطنة من مستوطنات غلاف غزة تقدر بنحو 10 مليارات شيكل، وأن هناك 5 مليارات شيكل تكلفة الأضرار الناتجة من قصف الصواريخ في سائر أنحاء إسرائيل، وملياري شيكل ميزانية تتعلق بالمستوطنات. ( 17 مليار شيكل خسائر المستوطنات بما يعادل 4.5 مليار دولار ". وأشار إلى أن هناك أضرار على فئات تجارية معينة في كافة المناطق، حيث تأثرت مجالات الترفيه والمطاعم والمقاهي والمناسبات والحفلات والطيران المدني بشدة بسبب الحرب، كما تأثرت صناعة السياحة، باستثناء العديد من الفنادق التي تم إيواء السكان الذين تم إجلاؤهم بها . وأوضح الميرغنى أن من نتائج الحرب أيضاً زيادة الديون الإسرائيلية التي كانت تحسنت في 2022 ، وكانت ديون إسرائيل تقدر ب294.7 مليار دولار في ديسمبر 2022، مقارنةً ب335.7 مليار دولار في عام 2021، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق. وبذلك تعود إسرائيل للإستدانة لتغطية خسائر طوفان الاقصي . وحول سوق العمل، قال : في الفترة من السابع من أكتوبر إلى الأحد 19 نوفمبر، تقدم 128 ألف شخص بطلب للحصول على إعانات ومخصصات البطالة من مؤسسة التأمين وتم وضع 96 ألف منهم في إجازة قسرية عن العمل بدون الحصول على راتب أو مخصصات بطالة. وبالمقارنة، هناك نحو 20 ألف طلب جديد للحصول على إعانات ومخصصات البطالة شهريا في المعدل، 59% منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما، و39% تتراوح أعمارهم بين 41 و67 عاما. وتمت إضافة حوالي 70 ألف شخص إلى قائمة العاطلين عن العمل الشهر الماضي وأكد الميرغنى أن هناك تراجعًا حادًا في عائدات نصف الشركات الإسرائيلية خلال العدوان على غزة. موضحا أنّ أكثر القطاعات تضررًا هي الإنشاءات والخدمات الغذائية، حيث انخفضت الإيرادات بأكثر من 70%. كما أن أكثر من 230 ألف يهودي غادروا إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى"، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار الحرب وتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان، والمواجهات المتواصلة في الضفة الغربيةالمحتلة وخلص الى القول ان معركة طوفان الأقصي شكلت تعميقا للأزمة الاقتصادية في إسرائيل واحتياجها للمزيد من الديون والمساعدات ورغم الجسر الجوي وتدفق المساعدات من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي إلا أن اسرائيل لم تعتد على الحروب طويلة الأمد منذ تأسيسها، وكانت تعتمد دائما علي الحروب الخاطفة لأيام أو لأسابيع وهو ما يؤدي لضربات كبرى لاقتصاد الكيان بخلاف الخسائر في الأفراد والمعدات والاستنزاف المستمر للاقتصاد لو استمرت المعارك .