رغم تأكيد الإدارة الأميركية في عدة مناسبات، وعلى لسان عدد من أرفع مسؤوليها، رفضها القاطع لأي محاولات للتهجير القسري لفلسطينيي غزة إلى الأراضي المصرية، أكد الرئيس جو بايدن خلال كلمة بمناسبة عيد الأنوار اليهودي (هانوكا) بالبيت الأبيض 11 ديسمبر الجاري، طلبه من عبد الفتاح السيسي ضمان فتح "البوابة لدخولهم مصر". وجاءت عبارة بايدن في إطار حديثه أمام الضيوف الذين حضروا الاحتفال بالمناسبة اليهودية في الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض، بمشاركة يهودية موسعة. وفي إطار عرض جهوده لدعم المجهود العسكري لإسرائيل، والإفراج عن الرهائن والأسرى المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عدد بايدن ما قام به لدعم إسرائيل وسط تصفيق وإشادة من الحاضرين. فتح سيناء وقال: "نحن نعمل بلا كلل من أجل العودة الآمنة للرهائن، لقد قضيت شخصيا ساعات لا حصر لها وأعني ذلك، ربما تصل إلى 20 ساعة مع القطريين والمصريين والإسرائيليين لتأمين حرية الرهائن، وإدخال الشاحنات، وتدفق المساعدات الإنسانية، وإقناعهم بفتح البوابة، ونجعل السيسي يضمن فتح البوابة إلى مصر". ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتفاقم الوضع الإنساني هناك، تتكرر النداءات في بعض الدوائر الأميركية بضرورة سماح الحكومة المصرية بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين لشمال سيناء. وتتجه عيون المراقبين في واشنطن إلى معبر رفح كونه المخرج الوحيد عن طريق البر. وخلال زيارته للقاهرة في 15 أكتوبر الماضي، حاول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، طمأنة مصر بالقول إن الولاياتالمتحدة لا تدعم الترحيل الجماعي لسكان غزة إلى مصر. وأكد قائلا: "نريد أيضا التأكد من أنهم بعيدون عن الأذى، وأنهم يحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها". ومن ضمن مخطط التهجير لمصر، ما تضمنه طلب الحكومة الامريكية من الكونجرس لاعتماد 110 مليار دولار لمواجهة اثار حخرب غزة وحرب اوكرانيا. وتضمن طلب الاعتماد المالي جزءا خاصا بعنوان مساعدات الهجرة واللجوء، طالب فيها بايدن بمبلغ إضافي قيمته 3.495 مليارات دولار، ليظل متاحا لإنفاقه تلبية للاحتياجات الإنسانية. وأشار الطلب إلى أن هذه المبالغ ستوضع في حساب إدارة مساعدة الهجرة واللاجئين إم آر إيه (MRA) داخل وزارة الخارجية، وأن من شأن هذه الموارد أن "تدعم المدنيين النازحين والمتضررين من النزاع، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وأن تلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة". وتركت هذه اللغة الغامضة الباب مفتوحا ليراها البعض كاستعداد أميركي لتوفير الموارد المالية التي تعكس خطط تهجير وتوطين سكان غزة خارج القطاع. ترحيل قسري من جانبها، حذرت منظمة "الديمقراطية للعالم العربي الآن" إدارة بايدن بشأن طلبها من الكونغرس الموافقة على تمويل بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، معتبرة أن هذه الدفعة تحتوي على لغة تشير إلى دعم فكرة الترحيل القسري للفلسطينيين من غزة. وحثت المنظمة الكونغرس على رفض مشروع قانون التمويل التكميلي، الذي يقترح تمويل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين ينزحون من غزة إلى الدول المجاورة. وعاد البيت الأبيض ليؤكد خلال منتدى المنامة الأمني الشهر الماضي، على لسان بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي، رؤية البيت الأبيض لأزمة غزة، التي تضمنت رفض أي تهجير قسري للفلسطينيين من غزة. غير أنه في الوقت ذاته، لا يتوقف الكثير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، إضافة لعدد من افتتاحيات الصحف، عن الإشارة إلى ضرورة أن تتحمل الحكومة المصرية مسؤولياتها، وتفتح أراضيها أمام الفلسطينيين من أجل تجنب كارثة إنسانية في غزة، دون الإشارة إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع، هو سبب هذه المعاناة الإنسانية غير المسبوقة. قصف فلادليفيا وعلى الصعيد الميداني، وضمن مخطط التهجير القسري، للفلسطينيين باتجاه سيناء، ينفذ جيش الاحتلال عمليات منوعة على مدن جنوب القطاع حيث خان يونس ورفح الفلسطينية، فيما يبدو أنها عمليات تمهد لتوسيع نطاق الحرب لتصل إلى مدن الجنوب. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد كشفت، الأربعاء الماضي، عن هجوم غير عادي يشنه جيش الاحتلال على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، بنية السيطرة على محور فيلادلفيا وبزعم تدمير الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأسلحة للمقاومة الفلسطينية. ويمتد محور فيلادليفيا أو محور صلاح الدين من البحر المتوسط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا بطول الحدود المصرية مع قطاع غزة، والتي تبلغ حوالي 14 كيلومترا. ونصت معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1979 التي تُعرف إعلاميا بمعاهدة كامب ديفيد على منطقة عازلة بطول الحدود أو ما عُرف بمحور فيلادلفيا. حيث سمعت أصوات انفجارات قوية ومتتالية نهاية الأسبوع الماضي، وشاهد الأهالي ألسنة اللهب تعلو في سماء المنطقة الحدودية بمحافظة رفح الفلسطينية. وفي الوقت الذي تستعد فيه قوات الاحتلال لتوسيع عملياتها البرية جنوب القطاع، طالبت النازحين من شمال غزة ووسطها بالتحرك مرة أخرى إلى منطقة المواصي الأصغر من حيث المساحة، على ساحل البحر المتوسط والتي تقع جنوب القطاع الساحلي. فيما يزداد عدد النازحين يوميا، وأنهم يُروا بالعين المجردة وهم ينصبون خيامهم المؤقتة برفح الفلسطينية، كما أن حدة القصف تزداد كل يوم، وتهتز المباني في الجانب المصري من شدته، وتضيء السماء ليلا من ارتفاع اللهب الذي يخلفه الانفجار. وأمام تلك المخاطر يبلع المسئولون المصريون ألسنتهم، بلا بيان عسكري أو رد، سوى مزيد من رفع السواتر الترابية على الحدود والإعلان عن مواجهة أي اقتحام للفلسطينيين بالقوة، بينما يترك الصهاينة يعربدون على الحدود، بينما يتكفل بالرد إعلاميو الانقلاب مثل مصطفى بكري وغيره. وكانت السلطات المصرية قامت بهدم وتدمير جميع الأنفاق التي كانت تُستخدم للتهريب من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، وأن أي حديث إسرائيلي عن استخدام قادة المقاومة للخط الحدودي لتنفيذ عمليات وتهريب أسلحة للداخل، غير صحيح وغير موجود. يذكر أن إسرائيل قصفت في أكتوبر الماضي بدانة دبابة برج مراقبة مصري وقالت: إن "القصف تم عن طريق الخطأ قرب معبر العوجة الحدودي، وحذرت مصر وقتها سلطات الاحتلال من تنفيذ عمليات عسكرية بالمنطقة العازلة المعروفة بمحور "صلاح الدين-فيلادلفيا". وأمام هذا الرضوخ المصري أمام التعديات الصهيونية والترتيبات الأمريكية فإن مسقبل التهجير يسير بقوة نحو سيناء، وليس إلى داخل المدن المصرية، في ظل عجز السيسي عن مجرد الرد.