تتواصل أزمة الأطباء وهجرتهم للعمل فى الخارج وتفريغ المستشفيات من الكوادر الطبية ما يهدد قطاع الصحة والعلاج فى مصر بسبب تجاهل نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبدالفتاح السيسي مطالب الأطباء وضعف مرتباتهم وعدم منحهم المكانة اللائقة بهم بالإضافة إلى الاعتداءات على الأطقم الطبية والتمريض من جانب بعض المواطنين فى الوقت الذى ترفض فيه حكومة الانقلاب اصدار تشريع لحماية الأطباء وتجريم تلك الاعتداءات . هذه الأوضاع دفعت نقابة الأطباء إلى التحذير من هجرة الأطباء وتفريغ البلاد من الكفاءات التى هى فى أمس الحاجة إليها، وأكدت النقابة أن بيئة العمل فى مصر طاردة للأطباء، سواء من حيث المقابل المادى الهزيل، أو عدم تقديم الحماية التشريعية لهم من الاعتداءات التى تتعرض لها الأطقم الطبية يشار إلى أن معدل الأطباء فى مصر متدنى جدا مقارنة بدول العالم حيث يبلغ 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، فى حين يصل معدل الأطباء العالمى إلى نحو 23 طبيبا لكل 10 آلاف مواطن . ناقوس الخطر وكشفت دراسة أجرتها نقابة الأطباء عام 2022 تحت عنوان «نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر»، أنه رغم زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وإنشاء كليات طب جديدة حكومية وخاصة إلا أن الأرقام والإحصاءات تؤكد أن الوضع أصبح أسوأ، مع زيادة عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومى وسعيهم للهجرة خارج مصر. زأشارت الدراسة إلى تزايد عدد الأطباء الذين تقدموا باستقالاتهم من العمل الحكومى وحصلوا على شهادة طبيب حر من نقابة الأطباء موضحة أنه فى عام 2016 كان عدد المستقيلين 1044 طبيبا، وفى عام 2017 كان العدد 2549 طبيبا، وعام 2018 بلغ عدد الأطباء المستقيلين 2612 طبيبا، وشهد عام 2019 استقالة 3507 أطباء، وفى عام 2020 استقال 2968 طبيبا، فى حين شهد العام 2021 أكبر عدد من المستقيلين من العمل الحكومى حيث بلغ 4127 طبيبا، فيما شهد الربع الأول من عام 2022 استقالة 934 طبيبا، بإجمالى عدد 11 ألفا و536 طبيبا مستقيلا منذ أول 2019 حتى 20 مارس 2022. ليكون عدد الأطباء العاملين فى القطاع الحكومى 93 ألفا و536 ألف طبيب تقريبا. 3 أسباب من جانبه أكد الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء أن تدنى الأجور والاعتداءات المتكررة على الطواقم الطبية، وعدم وجود قانون يحدد الفرق بين الخطأ الطبى والمضاعفات الطبية تعد أبرز 3 أسباب تدفع الأطباء للاستقالة من العمل الحكومة والهجرة خارج البلاد . وكشف «الطاهر»، فى تصريحات صحفية إن هناك تزايدا فى معدل هجرة الأطباء فى السنوات الأخيرة، مؤكدا أن تدنى الأجور يعتبر على رأس عوامل الطرد من مصر، حيث إن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة، فلا يعقل أن يكون إجمالى مرتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هى 45 جنيها وخلال ساعات عمله الشاقة يواجه بالعديد من الأخطار مثل التعرض المباشر للعدوى ناهيك عن الاعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أى مستلزمات طبية. وقال ان المشكلات التى أدت لتزايد هجرة الأطباء معروفة وحلولها أيضا معروفة، وهى ببساطة تكمن فى علاج الأسباب بشكل حقيقى، وليس بدفن الرءوس فى الرمال ومحاولة البحث عن أى حلول غير منطقية، موضحا أنه ليس حلا أن يفكر البعض فى زيادة عدد المقبولين بكليات الطب أولا لأننا نحتاج حوالى 14 سنة منذ دخول طالب الطب للكلية حتى يصبح طبيبا متخصصا، وثانيا وهو الأهم أنه مهما زاد عدد الخريجين فسيلحقون بمن سبقهم الى الخارج طالما بقيت نفس المشكلات موجودة. وأضاف «الطاهر»: أبسط قواعد الإقامة الكريمة غير موجودة بمعظم المستشفيات، فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات، وتدنى المعاشات أيضا ضمن العوامل المهمة، متسائلا كيف يعيش طبيب أفنى عمره فى العمل ثم خرج على المعاش مقابل 2500 جنيه لن يكفوه لشراء علاجه الشهري، وتابع : ليس ضعف التقدير المادى فقط ما يعانيه الطبيب ، بل أيضا الحملات المتكررة التى تنطلق كلما طالب الأطباء بحق من حقوقهم، حيث يتم اتهامهم بالإهمال ووضعهم كبش فداء لجميع أسباب قصور المنظومة الصحية، ما أدى تدريجيا لاستعداء وشحن المجتمع ضدهم وتسبب فى تزايد حالات الاعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم موضحا أنه رغم تقدم نقابة الأطباء بمشروع قانون لبرلمان السيسي بتشديد عقوبة الاعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها إلا أن هذا المشروع حبيس الأدراج منذ سنوات. ولفت "الطاهر" إلى أنه فى الوقت الذى يتعرض فيه الأطباء بمصر لكل هذه المعوقات التى تجعل بيئة العمل طاردة لهم من بلدهم، فإننا فى المقابل نجد أن الدول الأخرى تعرف قدر الطبيب المصرى وأمانته وجديته فتضع له المحفزات وعوامل الجذب، من تسهيلات فى السفر إلى أجر كريم وبيئة عمل لائقة ونظام محاسبة علمية ولوائح عمل دقيقة تحفظ الحقوق والواجبات، مما جعل وتيرة هجرة الأطباء للخارج تتزايد. نتائج عكسية وحذر الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء من خطورة المقترحات التى تطرح فى برلمان السيسي والتى تطالب بسن قوانين تفرض على الأطباء البقاء فى الوظيفة بالقوة وعبر تطبيق عقوبات مادية معتبرا أن هذه المحاولات تكشف عن منظور قاصر وغير مجدٍ من جانب حكومة الانقلاب . وقال خيرى فى تصريحات صحفية إن معالجة أزمة ارتفاع معدلات هجرة الأطباء تحتاج إلى منظور مختلف، يركز بالأساس على تحسين ظروف عملهم وتقديم بيئة جاذبة للبقاء، وليس عبر فرض غرامات أو عقوبات لن تجدى نفعا،، بل ستؤدى إلى نتائج عكسية . وشدد على أن معالجة أزمة هجرة الأطباء تتطلب إصلاحًا شاملًا لأوضاع الطبيب والمنظومة الصحية، وفى مقدمتها تحسين الأوضاع بالمستشفيات وتوفير الحماية للأطباء من الاعتداءات، وتقديم قانون عادل للمسئولية الطبية بما لا يضع الطبيب دائمًا تحت التهديد، والتشهير بحقه فى الإعلام، إضافة إلى معاملة ضريبية شفافة . وأضاف خيرى أن مواجهة الأزمة ينبغى أن يشمل تحسين أوضاع الطبيب ماديًا ومعنويًا، وإتاحة فرص استكمال الدراسات العليا، التى لا تتاح سوى لنسبة محدودة من الأطباء بسبب الأوضاع الوظيفية الضاغطة، إضافة إلى تحسين فرص التدريب واكتساب الخبرات، وكلها عوامل ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار، قبل الحديث عن فرض غرامات أو تطبيق عقوبات بحق الأطباء المستقيلين .