اعتبر قضاة مصريون أن مرسوم عبدالفتاح السيسي الصادر بتاريخ 10 يوليو 2023م بتعيين المستشار حسني حسن عبداللطيف رئيسا لمحكمة النقض، خلفا لرئيسها السابق المحال للتقاعد المستشار محمد عيد محجوب غير دستوري. وخلص تقرير نشرته عدة دوريات أن ما فعله السيسي هو سابقة قضائية تحدث للمرة الأولى في اختيار رؤساء الهيئات القضائية عقب تعديلات قانون اختيارهم، والتي تعد انتهاكا صريحا لقانون السلطة القضائية المعدل. وأضاف التقرير أنه إذا كان الدستور والقانون يلزمان الرئيس بالاختيار من بين أقدم سبعة نواب، فإن المشروع لم يعط لرئيس الجمهورية أي سلطة تقديرية للخروج على الاختيار من بين النواب السبعة الأقدم؛ وبالتالي فإن ما فعله السيسي هو خرق واضح لنصوص الدستور والقانون. وأشارت إلى أنه يجوز لكل ذي صفة أو مصلحة، وهنا نتحدث تحديدا عن المستشارين السبعة الأقدم من نواب رئيس محكمة النقض، أن يطعن على قرار السيسي بتعيين رئيس لمحكمة النقض من خارج أقدم سبعة نواب بالمخالفة للدستور والقانون، ويمكن أن يتقدم بالطعن أحد أصحاب المصلحة أو جميعهم متضامنين. وتحت عنوان "لماذا خالف السيسي الدستور في تعيين رئيس محكمة النقض الجديد؟" قال التقرير إن قرار السيسي غير دستوري وفق شبه إجماع بين قضاة محكمة النقض. موضحين أن المستشار حسني حسن عبداللطيف المعين من السيسي رئيسا لمحكمة النقض خلفا لرئيسها السابق المحال للتقاعد المستشار محمد عيد محجوب هو الثامن في ترتيب الأقدمية بين قضاة المحكمة، فيما ينص الدستور بعد تعديله في أبريل 2019 في مادته رقم 185 على أن يُعيِن رئيس الجمهورية رؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين أقدم سبعة من نوابهم، وذلك لمدة أربع سنوات، أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله، وتنص (المادة 44) من القانون الخاص باختيار رؤساء الهيئات القضائية في مصر، والصادر في يونيو 2019، على أن (يُعيّن رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، بقرار من رئيس الجمهورية، من بين أقدم 7 نواب لرئيس المحكمة، وذلك لمدة 4 سنوات أو للمدة الباقية حتى بلوغه سن التقاعد أيهما أقرب، ولمرة واحدة فقط طوال مدة عمله). جملة تجاوزات وأشار التقرير إلى جملة مخالفات وتجاوزات منها نصوص الدستور والقانون، وتجاوز القضاة السبعة الأقدم في المحكمة، ثم اختيار عبداللطيف تحديدا دون سواه كرئيس للمحكمة ومجلس القضاء الأعلى. وأوضحت أن "عبد اللطيف" أدى اليمين الدستورية أمام السيسي، يوم 9 يوليو، رئيسا لمحكمة النقض، وكذلك المستشارين حافظ أحمد عباس محمد، رئيسا لهيئة النيابة الإدارية، ومسعد عبد المقصود بيومي، رئيسا لهيئة قضايا الدولة. وأوضحت أن هذه الأسئلة تسببت بحالة من الجدل داخل أروقة الجهات والهيئات القضائية، وليس محكمة النقض فقط، خصوصا أن القرار الجمهوري تضمن فيما يتعلق بهيئة النيابة الإدارية اختيار أقدم مستشار بالهيئة، وفي قضايا الدولة اختار السيسي، المستشار الثاني في ترتيب الأقدمية، لكن فيما يتعلق بمحكمة النقض تخطى القرار الجمهوري أقدم 7 مستشارين بالنقض. وقالت: إن "التجاوز تخطى القانوو المعدل بشأن اختيار رؤساء الهيئات القضائية، والذي قيل إنه عُدّل خصيصا لتمكين السلطة التنفيذية من فرض سيطرتها وسطوتها على القضاة، باختيار رؤساء الهيئات القضائية، ومن تراه مواليا لها، وأن هذا التعديل تجاوز وألغى مبدأ الأقدمية الذي كان راسخا ومأخوذا به على مر تاريخ القضاء المصري الحديث، إلا أن ما حدث في تعيين عبداللطيف هو تجاوز أيضا لهذا القانون، بعد تعديلاته، ولم يؤخذ به خلال اختيار رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلى للقضاء. مبررات الاختيار وقال مصدر قضائي مبررا موقف النظام ، حسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد: "التقارير الأمنية المختلفة التي وردت إلى السيسي أكدت أن هناك 5 قضاة من بين أقدم 7 قضاة لمحكمة النقض، يعانون من أمراض مزمنة تعوق توليهم منصبهم الحسّاس الذي يحتاج إلى لياقة طبية، تمكنهم من مباشرة أعمالهم، ولذلك تم استبعاد هؤلاء الخمسة بزعم أنهم غير لائقين طبيا". وأشار إلى أن "هناك أحد القضاة من بين أقدم 7 قضاة لمحكمة النقض، تم استبعاده من الاختيار لوجود مانع أمني، تم ذكره في التقارير الخاصة المرسلة إلى السيسي". واضاف التقرير أن المرشح الخامس من حيث قائمة الأقدمية، وهو المستشار هاني حنا، كان سيتم اختياره رئيسا لمحكمة النقض ورئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، وذلك بناء على ترشيح ودعم أيضا من قبل وزير العدل المستشار عمر مروان، إلا أنه تم استبعاده بدعوى أن تعيينه سيكون مخالفا للقوانين واللوائح الخاصة بمحكمة النقض، ومن ثم وجد أن اختياره من الممكن أن يبطل القرار الجمهوري وما يترتب عليه من آثار خاصة بتعيينه، على اعتبار أن قوانين ولوائح وأعراف محكمة النقض نصّت على أن من يعين رئيساً لمحكمة النقض من نواب رئيس محكمة النقض، يجب أن يعتلي منصة محكمة النقض قبل توليه المنصب بمدة لا تقل عن سنتين على الأقل، وتكون سابقة لتعيينه رئيسا لمحكمة النقض، وأن يكون مباشراً لعمله فيها". وأوضحت أن المستشار حنا يتولى حاليا منصب مساعد وزير العدل لشؤون التشريع، ولم يعتل منصة محكمة النقض في آخر سنتين، وحصل على منصب نائب رئيس محكمة النقض بحكم أقدميته في المحكمة فقط، بخلاف أن عمله يعد حكوميا، إذ إنه منتدب للعمل بوزارة العدل. ولفت التقرير إلى أنه من جانب آخر في عدم اختيار المستشار هاني حنا كرئيس لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى لم تذكر الصحف ولا الفضائيات وهو أن المستشار مسيحي الديانة، واختياره كان سيمثل استفزازا واسعا للمسلمين بشكل عام؛ لا سيما وأن السيسي كان عين المستشار بولس فهمي إسكندر، رئيسا للمحكمة الدستورية العليا بدرجة وزير خلفا للمستشار سعيد مرعي بقرار جمهوري في فبراير 2022م، ولا يزال فهمي على رأس المحكمة الدستورية حتى اليوم. وأضاف أن تعيين قبطي آخر لمحكمة النقض كبرى الهيئات القضائية ومجلس القضاء الأعلى كان قمة الاستفزاز وبرهانا على أن السيسي يمكن للنصارى في مناصب الدولة الحساسة كمكافأة لدورهم في حشود 30 يونيو 2013م التي أدت إلى الانقلاب العسكري وصعود السيسي إلى سدة الحكم، وارتأى النظام الابتعاد عن هذه الزوبعة لا سيما مع اقتراب مسرحية الرئاسة بنهاية العام الجاري 2023. غضب القضاة وقال موقع "مدى مصر" عن قضاة تفسيرهم لما جرى بتقديم عبداللطيف إلى المركز السابع بحذف المستشار هاني حنا سدرة، خامس أقدم نواب رئيس المحكمة، من قائمة السبعة، بذريعة أن الأخير منتدب للعمل في وزارة العدل، ما يُعد مخالفة للقانون والدستور أن المجلس الأعلى للقضاة من جانبه أرسل لرئاسة الجمهورية قائمة بأقدم 7 نواب لرئيس محكمة النقض للاختيار منها كما ينص الدستور وهي القائمة التي خلت من اسم عبداللطيف لأنه 8 في ترتيب الأقدمية، لكن السيسي تجاوز القضاة 7 واختار عبداللطيف رغم أنه الثامن في ترتيب الأقدمية وليس السابع! وقال الموقع: إن "القضاة السبعة الذين استبعدهم السيسي من رئاسة المحكمة ومجلس القضاء الأعلى هم من الأقدم للأحدث، محمود سعيد محمود السيد، عبد العزيز إبراهيم الطنطاوي، عادل السيد السعيد الكناني، حمد عبد اللطيف عبد الجواد، هاني حنا سدرة، عاصم عبد اللطيف الغايش، محمد سامي إبراهيم السيسي". وأضاف أن نائب رئيس محكمة النقض أرجع السبب إلى أن السيسي، اعتبر أن المستشار الخامس في ترتيب الأقدمية، هاني حنا سدرة، المنتدب للعمل كمساعد لوزير العدل لشؤون التشريع منذ أبريل 2016 وحتى اليوم، معتذر ضمنيا عن رئاسة المحكمة، لعدم اعتذاره عن الاستمرار في ندبه في وزارة العدل، وعودته إلى محكمة النقض قبل موعد كافٍ من بلوغ محجوب سن التقاعد، وهو ما استبعدت على أثره رئاسة الجمهورية سدرة من الترتيب، وضمت لقائمة أقدم المستشارين عبد اللطيف بوصفه السابع في الترتيب وليس الثامن. وقالت: إن "اختيار السيسي لثامن الترتيب في الأقدمية وعدم التقيد بنصوص الدستور أثار غضب واستفزاز قضاة المحكمة؛ واعتبره أحد نواب المحكمة مخالفة صريحة للدستور، ودليلا على عدم تقيد السلطة بأية قواعد عند اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، بخلاف التقارير الأمنية والحسابات السياسية، مشددًا على أن الحديث عن استبعاد سدرة بسبب انتدابه لوزارة العدل هو حجة واهية ومبرر غير منطقي". ونقلتا عن أحد قضاة محكمة النقض قوله: "هل ممكن أي قاضي يرفض منصب رئيس محكمة النقض اللي بيعادل درجة وزير في الراتب والمعاش وجميع الامتيازات ويتمسك بمنصب مساعد وزير؟"، موضحا أنه لا يوجد ما يمنع من إنهاء ندب سدرة لوزارة العدل وعودته لعمله القضائي في حال اختياره لرئاسة المحكمة. ويتفق ثلاثة مستشارين بمجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية، على أن القاعدة الدستورية تتضمن ترشيح المجلس الأعلى للقضاء لأقدم سبعة مستشارين بالمحكمة للسيسي ليختار من بينهم رئيس النقض، مشددين على أنه إذا افترضنا أن استمرار عمل سدرة بوزارة العدل يمنعه من رئاسة المحكمة، وهو الأمر الذي وصفه المستشارون الثلاثة بأنه لا تنظمه أي قاعدة، فما الذي منع رئيس الجمهورية من الاختيار من بين شيوخ المحكمة الستة؟ وما الذي يميز المستشار الثامن في الترتيب عنهم إذا تم استبعاد سدرة من الاختيار؟". ونقل تقرير "مدى مصر" عن ناصر أمين مدير مؤسسة دعم العدالة أن قرار السيسي بتعيين عبد اللطيف باطل، ويطعن في استقلال القضاء، موضحا أن رئيس الجمهورية لا يملك حق الاختيار من خارج أقدم 7 مستشارين بمحكمة النقض، مشددا على أن الدستور لم يحدد أية استثناءات تتعلق بندب أو إعارة أي مستشار. وأوضح "أمين" أن تجاهل تلك القاعدة يعيد التذكير بالتعديلات الدستورية الأخيرة، التي منحت رئيس الجمهورية سلطة الاختيار المنفرد لرؤساء الجهات والهيئات القضائية من بين أقدم 7 مستشارين بها. وأضاف أنها ألغت الضمانة الوحيدة التي كانت تكفل استقلال رؤساء الجهات والهيئات القضائية على مدار سبعة عقود، وكانت تُقصِر سلطة رئيس الجمهورية على التصديق على اختيار الجمعية العمومية لكل جهة أو هيئة قضائية لأقدم مستشار بها. المصدر