أكد الروائي علاء الأسواني، في ندوته الشهرية الثقافية في منفاه، مؤخرا، أن مصر باتت تحكم بعقلية ونظم العصور الوسطى، حيث يرى الحاكم أنه يحكم بالأمر الإلهي، وأنه لا قيد ورقابة عليه في الأرض مطلقا، ومن وراء السيسي ضباطه سواء من الجيش والشرطة، الذين بات القتل وسيلتهم لفرض الهيمنة على الشعب المصري في الشارع وفي أي مكان في مصر. وتعيد جريمة دهس أحد ضباط الجيش أسرة كاملة في "مدينتي" بالقاهرة، جرائم اعتداء ضباط وقضاة نظام الانقلاب على الشعب المصري، كاعتداء أحد الطيارين على الأطقم الطبية بإحدى مستشفيات الدلتا وقيامه مع أقاربه بالاعتداء على الأطباء والممرضات لظنه بتقصيرهم في علاج زوجته، وأيضا إطلاق أحد ضباط الشرطة النار على سائق لمحاولته المرور قبله في أحد شوارع كفر الشيخ، وغيرها من الحوادث الكارثية. وعلى الرغم من بشاعة واقعة دهس الصيدلانية وأسرتها بمدينتي، إلا أن ذلك السلوك لا يكاد يبتعد عن الذي حدث للمصريين من قتل ودهس في شوارع وميادين القاهرة قبل 10 سنوات، في ميادين رابعة والنهضة والإسكندرية، وأمام مساجد الفتح ورمسيس والمهندسين. بل هو ما زرعه السيسي بنفسه في ضباطه، حينما اجتمع بهم في إحدى الدور العسكرية ، وقال لهم "الضابط أحمد لوقتل حد أو أصاب حد، مش هيتحاكم" معطيا لجنوده حق القتل على المفتوح بلا تردد، سواء للسياسيين والمعارضين أو غيرهم، فقد بنيت عقيدتهم على سفك الدماء بلا رقابة، وهو ما يحول مصر لساحة للاقتتال والعنف ويعيدها لعصر ما قبل التاريخ، حيث القتل والسلاح هما وسيلتا التفاهم والتفاوض.
تفاصيل جريمة "مدينتي" وبدت الواقعة بتفاصيلها فاجعة للجميع، حيث أقدم ضابط شرطة مصري برتبة نقيب على دهس صيدلانية وأسرتها عمدا، بسبب خلافات الجيرة في (مدينتي)، شرقي القاهرة، ما أسفر عن مصرعها في الحال، وإصابة زوجها وأطفالها الثلاثة بإصابات خطرة، ونقلهم إلى إحدى المستشفيات القريبة من موقع الحادث لإجراء الجراحات اللازمة لهم. ونشر موقع "القاهرة 24" الإخباري القريب من الأجهزة الأمنية التفاصيل، ثم سرعان ما حذفها دون الإشارة لعمل الجاني كضابط. في المقابل، روى شهود عيان تفاصيل الحادث عبر صفحاتهم الشخصية في "فيسبوك"، مؤكدين أن الضحية هي بسمة علي حسنين، وتعمل صيدلانية في مستشفى بسيون المركزي بمحافظة الغربية، وتوفيت إثر إصابتها بنزيف في المخ. أما زوجها فهو الطبيب البيطري حمدان زكي، وأُصيب أطفاله ياسين حمدان (11 عاما) بكدمة أسفل العين، ونور حمدان (10 سنوات) بجرح قطعي في الفم، وأحمد حمدان (7 سنوات) بكسر في القدم اليسرى. وبحسب الرواية المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن النجل الأصغر للضحية كان يلعب ب"سكوتر" أمام المنزل، واصطدم بسيارة جارهم ضابط الشرطة، الذي سرعان ما نزل غاضبا من منزله، وحاول التعدي على الطفل، فنزلت أسرة الطفل للتفاهم معه، وعرضت عليه إصلاح السيارة أو دفع ما يراه من تعويض، فانهال عليهم سبا بأقذع الألفاظ، فانصرفوا حتى يهدأ، ولكنه اغتاظ وركض وراءهم بسيارته ودهسهم جميعا، وذلك عند مربع الفيلات رقم 19 في "مدينتي".
جريمة مضاعفة ولعل اللافت فهو الغياب الكامل لأي بيانات من الشرطة أو النيابة عن تفاصيل الحادث ودوافعه، أو من منتجع "مدينتي"، وتعتيم وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الأجهزة السيادية، وتعمد عدم ذكرها وظيفة المتهم، والتلميح لعدم معاقبة الضابط، أو محاباته من قبل جهاز الشرطة والقضاء، نظرا لطبيعة عمله. ولعل محاولة التعتيم على الجريمة التي ارتكبها ضابط شرطة حجم الانتهاكات المروعة التي يتعرضها لها الشعب المصري، على يد الجهاز الأمني منذ الانقلاب العسكري في 2013، حيث انتهت ما يعرف بحقوق الإنسان ، وأصبح كل المصريين مجرد عبيد لضباط الشرطة والجيش، الذين توسعوا في انتهاكاتهم لحقوق المصريين، بل تحولوا لبارونات فساد مالي وأخلاقي محصن بهالة إعلامية كاذبة عن دورهم وتضحياتهم، دون مراقبة أو محاسبة، وهو ما يضع مصر على فوهة الاحتراب الأهلي، من أجل حماية المال والنفس من بطش شرطة وجيش السيسي.