من سنن الله الجارية أن أصدقاء ورفقاء وأعوان الظلمة الذين لا تقوى ولا أمانة لهم، والذين تجمعهم المصالح والنفاق يسلط الله بعضهم على بعض، حتى قيل: "من أعان ظالما سلطه الله عليه" وهذه حكمة صحيحة، ومصداقها ما يجري الآن على أرض السودان من تضارب المصالح بين حفتر والسيسي حلفاء اللقمة الحرام. وربما من الفنتازيا السياسية تصور حال السيسي الآن، وهو يشاهد خيانة حفتر له في السودان، ووقوف الأخير ضد مصالح الأول في معركة الخرطوم، وربما يطلب السيسي من اللواء عباس كامل تشغيل أغنية المطرب رضا البحراوي التي تقول بعض كلماتها "ناس مني ومن دمي محدش فيهم شال همي" وليس أمام السيسي إلا أن يرقص ألما ودموعه تنهمر.
تحويل الجيش إلى عصابة منذ وصول السيسي إلى سدة الحكم في مصر بعد الانقلاب العسكري الذي قام به على أول رئيس مدني منتخب، الشهيد محمد مرسي، في 3 يوليو 2013م، وهو يعمل على تغيير عقيدة الجيش المصري. وبعد أن كان العدو الأول للجيش المصري هو الكيان الصهيوني، أصبحت جماعات وحركات، وتحديدا حركات الإسلام السياسي، هي العدو الأساسي والمباشر للجيش المصري. هذا بالإضافة إلى أن السيسي منذ اللحظات الأولى للسيطرة على الحكم في مصر وهو يعمل على إجهاض ثورات الربيع العربي بشكل عام في المنطقة، واصطف في المحور السعودي الإماراتي الذي يشاركه نفس الهدف، وكان هذا من أهم الأسباب التي دفعت نظام السيسي لتبني الدعم الكامل لمشروع خليفة حفتر في ليبيا. جدير بالذكر أن قاعدة محمد نجيب العسكرية المتواجدة في مدينة الحمام بالنطاق الاستراتيجي الشمالي للدولة المصرية، تعتبر أهم قاعدة تدريبية تتلقى فيها قوات خليفة حفتر التدريبات العسكرية المتقدمة. المفارقة أنه مع اندلاع المعارك في السودان أرسل خليفة حفتر دعما عسكريا إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي، فيما أرسل السيسي دعما إلى الجيش السوداني الذي يقاتل حميدتي. وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن دعم عسكري قدمه الجنرال خليفة حفتر، المتهم بالانقلاب على السلطات في طرابلس عام 2019، إلى قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي مقابل دعم مماثل قدمه صديقه السيسي، لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن خليفة حفتر، والجيش المصري دعما عسكريا رأسي المكوّن العسكري المتصارع في السودان، قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والجيش بقيادة البرهان. ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها: إن "خليفة حفتر، قائد الفصيل العسكري الذي يسيطر على شرق ليبيا، أرسل طائرة واحدة على الأقل لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع شبه العسكرية السودانية".
عزيزي البرهان وفي المقابل، أرسل السيسي طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني، ونوهت الصحيفة إلى أن التدخل الخارجي في الصراع المسلح في السوادن، يزيد من خطر حدوث تصعيد خطير في القتال يمكن أن يوسع الصراع، ويقوض جهود الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة وغيرهما للتوسط في وقف إطلاق النار. وتطرقت الصحيفة إلى المكانة المهمة التي يلعبها السودان في المنطقة، وأكدت أنه لطالما كان موقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر، وإمكانية وصوله إلى نهر النيل واحتياطياته الهائلة من الذهب، مطمعا لقوى خارجية منذ فترة طويلة. ويجري حفتر استعداداته لإرسال مزيد من الدعم العسكري لحليفه في السودان، محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، وذلك في أعقاب الكشف عن شحنة من الذخيرة وصلت إلى السودان الإثنين الماضي. وكشف مصدر عسكري عن تحركات تجريها كتيبة مقاتلة تابعة لحفتر وتتمركز قرب الحدود الليبية السودانية، بهدف تقديم دعم لوجستي لقوات حميدتي، على صعيد الأسلحة والذخائر والعناصر المقاتلة. ولفت المصدر الذي فضل عدم كشف هويته إلى أن الكتيبة 128 التي يقودها العقيد في قوات حفتر، حسن معتوق الزادمة وتتمركز في الجنوب قرب الحدود مع السودان، أعلنت حالة الطوارئ في صفوف قواتها وألغت الإجازات حتى إشعار آخر، على ضوء تطورات الحرب في السودان بين قوات حميدتي والجيش السوداني. ويعتقد المصدر أن الكتيبة 128 أُسند إليها عمليات تأمين نقل الأسلحة والذخائر والعناصر كونها على معرفة تامة بالمنطقة الحدودية بين ليبيا والسودان، بل وتسيطر عليها بالكامل، فضلا عن خضوع مطار الكفرة لسيطرتها. وذكر أن الزادمة تربطه علاقة قوية بالمليشيات في السودان وتشاد وهو متورط في جلب المرتزقة من هاتين الدولتين للقتال إلى جانب قوات حفتر، إبان الهجوم الفاشل الذي شنه الأخير على طرابلس، في أبريل 2019 وفق تقرير سابق صادر عن خبراء في الأممالمتحدة. سبق أن ساعد حميدتي وحفتر المدعوم من الإمارات وروسيا أحدهما الآخر، إذ أرسل قائد قوات الدعم السريع مقاتلين لمساعدة حفتر بعد محاولة فاشلة منه للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس من الحكومة المعترف بها دوليا عام 2019. تُشير الصحيفة الأمريكية إلى أن كلا من حفتر وحميدتي تحالفا مع الإمارات، التي ساعدت حفتر عسكريا لمحاربة الحكومة الشرعية في طرابلس، كما استأجرت رجال حميدتي للقتال في اليمن، مضيفة أن الاثنين عملا أيضا مع شركة مرتزقة فاغنر المدعومة من الكرملين.